روجيه عوطة: أهضم جملة في 2021

0

سأختار في هذه المقالة اهضم جملة في العام 2021. ووصفها بالأهضم في هذا السياق لا ينم عن كونها مضحكة، على العكس، لا أعتقد انها كذلك، انما يصدر عن كونها تلخص عبثيتنا، نحن الذين ما زلنا عالقين في وضع عالمي ينتجه فيروس الكورونا. فبعدما انتشر في معمورتنا الحضارية، هرعنا إلى الأقنعة، وإلى المعقمات، وخلال ذلك، بعضنا رأى أنها لا تفيد بشيء، فتركها، وهذا، الى أن اقتنع بما يردده بعضنا الثاني، أي أنها فعلياً، تحمينا، وبهذا، ركنّا جميعنا اليها. في هذه الاثناء، دخلنا في حقبة جديدة، عنوانها العريض، هو الحجر الصحي.
وأيضاً، كما في حالة الاقنعة والمعقمات، بعضنا وجد في الحجر سجناً، وانطلق في هجائه. وبعضنا الثاني، وجد أنه كناية عن معزل، يقينا مما قد يصيبنا في الخارج. وبين البعضَين، تسلل هؤلاء الذين سميناهم “المستهترون”، لأنهم لا يمتثلون لحالات الطوارىء المعتمدة في كل الارجاء، كما انهم، وقبل ذلك، يجلسون بالقرب من بعضهم البعض بلا احترام لما اعتبرناها مسافة ضرورية بيننا. ضربنا “المستهترين” بكل ألفاظ التوبيخ والتقويم، وفي الوقت نفسه، دافعنا عنهم من باب ردّ هذه الألفاظ عنهم. اختلط حابل “المستهترين” بنابل المتلزمين، وشرعوا كلهم، بعد هذا، في انتظار خلاصٍ عام، يدعى اللقاح.

كل هذا، والجملة المهضومة تلك لم تكن قد وُلدت بعد. فاللقاح الذي انتظرناه، سلك طريقه الى الوجود وحمل اسماء كثيرة. ومع هذه الأسماء، صارت عنده صُور كثيرة. فالصَّحب احتفوا به من خلال تلك اللقطات التي تبديهم مع اكتافهم وأذرعهم المكشوفة في المختبرات أو في الخيم المركبة من أجل استقبالهم، ودس اللقاح في أجسادهم. بدأنا بنشر لقطاتنا تلك، التي نظهر فيها سعداء بكوننا ملقحين، في مواقع تواصلنا، حيث تلقينا كلمات من قبيل “مبروك”. ومن لم يظهر في هكذا لقطات، ظهر في غيرها، لكن هذه المرة، ليس ملقحاً، إنما “مُكَورِناً” أي مصاباً بالكورونا، وعلى سحنته الشاحبة، أضاف تعليق من نوع “انتبهوا عبعض، الكورونا مش مزحة”. امتزجت لقطات الأكتاف مع لقطات السحنات الشاحبة، وغدا اللقاح حتمياً، ومعه، ما سمي “الجواز الصحي”، الذي يؤكد اننا نخلو من الكورونا ولا ننقله أينما حطت أرجُلنا..

وبفعل كل هذه الخطوات، حلّت الطمأنينة بنا، وكدنا نظن أننا، مع لقاحاتنا وجوازاتنا الصحية، قد تغلبنا على الكورونا في “الحرب” عليه. وبهذا، كنا على وشك أن نترك عادة استجدت علينا، وهي “التزويم”، اي استخدام الزووم من اجل الاجتماعات واللقاءات، للعمل أو مجرد الدردشة. اقتربنا من ذلك، كما أننا أرخينا الأقنعة وأنزلناها قليلاً عن وجوهنا، ثم صرنا نقتصد في استعمال المعقمات، وتجرأنا على تقبيل رفاقنا على خدودهم، او على مجاورتهم حتى. كل هذا، والجملة المهضومة ذاتها كنت تستعد لتغدو على ألسنتنا.

فبعد النسخة الأولى من الكورونا، والثانية، فجأة حضرت الثالثة، وربما أعقبتها الرابعة، والخامسة أيضاً. فالكورونا يطور نفسه، يقفز فوق المعقمات إلى الأيدي المغسولة وغير المغسولة، لا يكترث كيف نركّز أقنعتنا على أنوفنا، ولا يميز بين أجسامنا الآمنة وأجسامنا غير الآمنة. لكن الأسوأ في هذا كله، أن تطويره لنفسه يجعله في سباق مع أسلحتنا الثقيلة ضده، اي اللقاحات، التي سررنا بها ورفعنا لها أكتافنا. ففي نتيجة قدرته التطويرية، جعل من اللقاحات أدوية مستمرة، بمعنى أنها ما عادت تُأخذ لمرة واحدة وأخيرة (أو عدد محدود ومعروف مسبقاً من المرات) كمعظم اللقاحات، بل باستمرارية مفتوحة الأجَل طالما أن كوفيد ما زال على قيد الحياة. وبهذا، فقدت اللقاحات أثرها النوعي بما هي مضادات واقية من الإصابة بالفيروس طوال الوقت، لتغدو كالأدوية، التي يجب تناولها، لا بعد الإصابة تلك، انما قبلها من اجل محاولة تجنبها، لكن من دون أي حسم في ذلك. لم تصبح اللقاحات أدوية فحسب، بل صارت أدوية لا ثقة كملة أو مُبرمة في أثرها، كما لو أنها مواد تعويذية.

وفي هذا المطاف بالتحديد، وُلدت الجملة المهضومة، التي تلخص كل عبثية “حربنا” على الكورونا. اذ قد تلتقون بأغياركم اليوم، وفي أثناء الحديث معهم، تخبرونهم عن تعب ما ينتابكم، فيقولون لكم: “أجروا فحصاُ لكي تعلموا إن كان كورونا أم لا”، فتجيبون “لا نعتقد، فنحن ملقحون”، فيردون – وهذه هي الجملة: “حتى لو كنتم ملقحين، قد تصابون بالكورونا”. يا لها من جملة مهضومة فعلاً، ويا له من انتصار كاسح على الفيروس!

*المدن