يعجبني المثل العربي القائل: «تمخض الجبل فولد فأراً». فقد أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص غير بيدرسن في دمشق في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي عن الاتفاق على تكوين لجنة لصياغة دستور سوري جديد. لاحظ أن الإعلان كان في دمشق وليس في جنيف. أنا هنا لا أقصد انتقاد السيد بيدرسن، فهو قبل وظيفة لا يتطلع إليها أحد، وهو كذلك رابع مبعوث خاص للأمم المتحدة للأزمة السورية.
إن بلادي، الولايات المتحدة، مدينة له بالشكر لحفظ ماء وجهنا. فبفضل بيدرسن العنيد يمكن للأميركيين وللمجتمع الدولي الزعم بوجود عملية سياسية في سوريا. لكن دعونا نتذكر الفرق بين الخيال والواقع، إذ إن إعلان 23 سبتمبر لا يغير ثلاث حقائق أساسية في سوريا:
الحقيقة الأولى والأهم، هي أنه لا سيادة للقانون في سوريا. فقوات الأمن، ولا سيما أجهزة المخابرات الأربعة – المخابرات الجوية، والعسكرية، والعامة والأمن السياسي – تسيطر على البلاد لصالح الرئيس الأسد فقط، والجميع هناك يتجاهل الدستور. على سبيل المثال، على الرغم من أن المادة 22 من الدستور الحالي تعد بأن تحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر وسائل العلاج، فقد دمرت الدولة السورية الكثير من المستشفيات، وهو ما تعلم به الأمم المتحدة نفسها.
المادة 29 من الدستور تقر بأن التعليم حق للمواطن، لكن القوات الجوية السورية قصفت الكثير من المدارس. وتنص المادة 42 على أن للمواطنين الحق في التعبير عن آرائهم بحرية، لكن جرى إلقاء القبض على عشرات الآلاف ممن يعارضون الحكومة، وحتى أقارب معارضي الحكومة اعتقلوا وأعدموا من دون إجراءات قضائية.
المادة 43 تقر بحرية الصحافة. كيف يمكن أن نفسر إعلان الحكومة في أبريل (نيسان) من هذا العام أن الصحافي علي عثمان، الذي اعتقلته قوات الأمن عام 2012 مات في الحجز عام 2013؟ الإجابة أن قوات الأمن قتلته وقتلت عشرات الآلاف من السجناء الآخرين على الرغم من الوعود في الدستور الحالي. علينا ألا ننسى صور آلاف الضحايا التي أظهرها منشق شرطة سري عام 2013. مع أو من دون دستور جديد، لا توجد سيادة للقانون في سوريا ولا توجد محاسبة لأجهزة المخابرات والجيش.
الحقيقة الثانية، أن الدولة الأمنية لن تتغير ولن تصلح من نفسها. فحكومة الأسد تسيطر على دمشق وجميع المدن الرئيسية الأخرى في سوريا. والحرب والعقوبات الاقتصادية تدمران الطبقة الوسطى السورية، لكن الحكومة السورية باقية. هل يعتقد أحد حقاً أن بشار وعائلته، أو عائلة رئيس المخابرات، يعانون؟
إذا كان لديك أي أمل في إصلاح الدولة السورية، تذكر أن أجهزة الاستخبارات التابعة لها تعتقل الأشخاص الذين وقعوا اتفاقات المصالحة في درعا وريف دمشق. لقد فاز الأسد بثلاثة انتخابات بالفعل وسيخوض الانتخابات مرة أخرى عام 2021، كيف يمكن للأمم المتحدة أو المجتمع الدولي أن يفكروا في أن هذه الدولة الأمنية ستجري انتخابات حرة ونزيهة؟ هل ستتلقى المخابرات الجوية أوامر من مستشار انتخابات الأمم المتحدة الذي ربما لن يتكلم العربية؟ دعونا نكن جادين.
الحقيقة الثالثة التي تمنع لجنة الدستور من تحقيق حل سياسي للأزمة السورية هي عدم وجود ممثلين عن الجزء الشرقي من سوريا تحت سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري وقواته الديمقراطية السورية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير على تشكيل لجنة الدستور التي تفاوض عليها بيدرسن مع دمشق وأنقرة وموسكو وطهران. الأميركيون مندهشون لأنهم وجدوا أنفسهم معزولين. لقد اعتقدوا أن «قوات سوريا الديمقراطية» تسيطر على بعض حقول النفط الصغيرة التي سيحضر إليها الأسد وبيدرسن.
ما زالوا لا يفهمون أن الاقتصاد ليس هو العامل الرئيسي في الحرب من أجل الوجود. لكن الأميركيين يخلقون خطراً أكبر على السلام في سوريا على المدى البعيد. فهم يوفرون مظلة عسكرية لتظهر دولة صغيرة في شرق سوريا، ولا تزال تلك الدولة المصغرة ترفض اتفاقاً مع الأسد، ما يعني في النهاية أنه ستكون هناك حرب بينهما بعد رحيل الأميركيين.
تزعم هذه الدولة المصغرة بقيادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» أنها جزء من سوريا لكنها ترفض نقل ملايين السوريين اللاجئين إلى أراضيها. ويخشى «حزب الاتحاد الديمقراطي» من أن يتسبب اللاجئون في تغيير التركيبة السكانية لشرق سوريا. إن فهم «حزب الاتحاد الديمقراطي» لذلك الأمر صحيح، لكن حقيقة أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» كردي أكثر مما هو سوري أمر صحيح. لن تحل لجنة الدستور قضية الهوية ولن تكون قادرة على فرض اللامركزية على حكومة الأسد التي تتمتع بتفوق عسكري على الأرض وتؤمن بالمركزية.
كل ما يمكننا فعله هو أن نشكر الأمم المتحدة على جهودها الشجاعة، لكن علينا أن نشفق على السوريين الذين عجزت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن مساعدتهم.
*عن جريدة الشرق الاوسط
* السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن