غيب الموت الكاتب والقاص سعيد الكفراوي، في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت، عن عمر ناهز 81 عاماً. ونشرت الصفحة الشخصية للكاتب سعيد الكفراوي في “فايسبوك” خبر رحيله.
سعيد الكفراوي، ولد العام 1939، في المحلة الكبرى، وينتمي إلى قرية كفر حجازي التي نشأ فيها، وبدأ اهتمامه بالأدب في بداية الستينيات بقصر ثقافة المحلة الكبرى. اذ سعى إلى التعرف على أقرانه من جيله.. كان جابر عصفور ومحمد المنسي قنديل ونصر حامد ابوزيد وجار النبي الحلو، هم شباب المحلة المفتونين بالأسئلة في الأدب والفكر، وسرعان ما انتقلوا إلى القاهرة، لتكبر دائرة المعارف والأصدقاء. كانت جلساتهم في مقهى “ريش” فى ذلك الوقت، حول الأديب نجيب محفوظ، ومعهم جمال الغيطاني، إبراهيم أصلان، يحيي الطاهر عبدالله، والشعراء محمد عفيفي، عبدالرحمن الأبنودي، أمل دنقل وغيرهم.
قال الكفراوي ذات مرة: “التحقت بالحلقة، وانتسبت لهذا الجيل، ففتح عيني على وعود الحلم القومي، الذي صدمته الهزيمة المروعة، فأعلن هذا الجيل تمرده على من صنعوا الهزيمة”.
لكن عقد المجموعة انفرط رويداً رويداً، بالهجرة إلى القاهرة بحسب الصحافي محمد شعير.. المرة الأولى التي خرج فيها الكفراوي إلى القاهرة، كانت لمقابلة يحيى حقي. ذهب إليه في مجلة “المجلة” التي كان يرأس تحريرها، وطلب منه أن ينشر له قصة قصيرة، فنظر حقي إلى الفتى الذي يرتدي جلباباً بلدياً وطاقية صوف وملامحه القروية تعكس قلة خبرة بالمدينة… ثم ضحك وقال: انت فاكر إن المجلة دي نشرة سرية؟ انت عارف مين إللي بيكتب فيها؟ فردّ الكفراوي: أيوه عارف يا أفندم! فطلب حقي منه أن يقرأ القصة، فقرأ، وأعاد مرة أخرى.. فقال له: حسك جديد بالريف يا كفراوي. ونُشرت القصة في مجلة “المجلة”.. “ضمير مصر الثقافي” كما يصفها الكفراوي.
جاء جيل ستينات القرن الماضي، الذي أنتمى إليه كفراوي، ليعبُر هذا الكوبري الذي صنعه الرواد، إلى حداثة الكتابة، كما صورها الروائي والشاعر الأميركي فوكنر: “كنا جميعًا نلتف حول نجيب محفوظ بكتاباتنا في القصة، باستثناء كلّ من صنع الله إبراهيم الذي أصدر رواية “تلك الرائحة”، وعبدالحكيم قاسم بروايته “أيام الإنسان السبعة”، ويوسف القعيد برواية “الحداد”، إلى أن استحكمت سطوة الاستبداد السياسي في الحقبة الناصرية فظهرت الرواية لمواكبة التغيرات في شكلها الأعم”.
اعتقل الكفراوي سنة 1970، قبل أيام من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، بتهمتين على طرفي نقيض. الأولى أنه شيوعي، بسبب معرفته بالأبنودي ولطفي الخولي ومحمد سيد أحمد وإبراهيم فتحي. والثانية أنه ينتمي للإخوان المسلمين، بسبب خاله وأصدقائه. ويخبر الكفرواي: “في نهاية التحقيق صرخ فيّ المحقق: أنت جنس ملة أهلك إيه؟ فأجبتُ: كاتب قصة”. وبعد خروجه من المعتقل حكى ما حدث له لنجيب محفوظ، الذي استوحى منه شخصية إسماعيل الشيخ في روايته “الكرنك”. يقول الكفراوي: “فجرت القصة في ستينات القرن العشرين وقدمها للكتابة العالمية نجيب محفوظ وأعطاها الروح المصرية يوسف إدريس الذي كان يتمتع بموهبة كبيرة متوحشة ولديه قدرة على الغوص في عمق الشخصية المصرية”.
ويُعتبر الكفراوي من أبرز كتّاب القصة القصيرة في مصر والعالم العربي.
ومن مجموعاته القصصية: مدينة الموت الجميل (1985)، ستر العورة (1989)، سدرة المنتهى (1990)، مجرى العيون (1994)، دوائر من حنين (1997)، كُشك الموسيقى، يا قلب مين يشتريك، البغدادية، زبيدة والوحش (2015): مختارات قصصية، صدرت عن الدار المصرية اللبنانية، وتضم ست مجموعات قصصية.
*المدن