بحصوله على جائزة الأوسكار، يحقق الفيلم الكوري الجنوبي مفاجأة كبيرة، فهو الفيلم الأجنبي الأوّل غير الناطق باللغة الإنكليزية الذي يتربع على عرش الأوسكار، ويكسر قواعد الفوز لصناعة السينما الأمريكية، التي احتكرت الجائزة منذ تأسيسها قبل اثنين وتسعين عاما. والفيلم من تأليف وإخراج وإنتاج الفنان الكوري يونغ جون هو، الذي كان تحت وطأة مفاجأة النصر وهو في أوج منافسته لأقوى الأفلام وأكثرها تقنية، حتى أنه قال :كنت أتمنى أن أملك منشارا، كي أتقاسم الأوسكار مع بقية المتنافسين.
يدور الفيلم حول عائلة كي وو، التي تعيش تحت خط الفقر، في شقة بائسة في طابق تحت الأرض، وفي حيّ بائس ومكتظ بالعاطلين عن العمل والسكارى، الذين يتبوّلون أحيانا على نافذتهم التي تلامس أرضية الشارع. وتتكون العائلة من الابن (كي وو) وشقيقته ووالديه، وكل العائلة عاطلة عن العمل، سوى تركيب علب البيتزا، ومع ذلك فهذا العمل البيتي لم ينل استحسان مديرة المطعم، وحتى شبكة الإنترنت، يحصلون عليها بطرق محتالة وغير شرعية. ولكنّ الابن (كي وو) يحصل على وظيفة مؤقتة لتعليم اللغة الإنكليزية لدى عائلة بارك الثرية. ويستطيع أنْ يحصل على ثقة سيدة المنزل، وتتعلق ابنتها الصغيرة به، ويقنع السيدة بأن توظف فتاة لتربية طفلها، الذي يُعتقد بأنّه يعاني من مرض التوحد. وهكذا تتسلل شقيقته بهذه الحجة، بدون علمهما بأنها تمتّ إليه بصلة. وبعد ذلك يتمّ التخلص من سائق عائلة بارك الثرية، وذلك بواسطة مؤامرة دنيئة من البنت الشقيقة، التي تترك ملابسها الداخلية على مقعد السيارة الخلفي، فيتمّ طرد السائق ليحل محلّه أب عائلة كي. وبقي لديهم فقط مشكلة مدبرة المنزل (مون كوانغ) التي لديها حساسية ضد الخوخ. فعمد هو وشقيقته إلى رش رذاذ الخوخ على ملابس خادمة البيت، فانتابتها موجة من العطاس والكحة والتقيؤ، ما جعل عائلة بارك الثرية الاستغناء عنها، بحجة أن لديها مرضًا معديًا، وبذلك فقد حلّت الأم بديلا للمدبرة. وهكذا أصبحت هذه العائلة المُعدمة في هذه الفيلا الفاخرة، تتحكم في الشقة وأهلها، وتتمتع بمباهجها.
وتصل أحداث الفيلم إلى ذروتها حينما تسافر عائلة بارك لقضاء عطلة أعياد الميلاد. وتوصي المدبرة الجديدة وهي أم (كي وو) بتدبير المنزل والعناية بالكلاب، وهكذا تتحول العائلة المعدمة إلى المبيت المؤقت في هذه الفيلا الفارهة. فيأكلون ويشربون ويتشاجرون ويضعون الخطط إلى ساعة متأخرة من الليل، وفجأة يقرع جرس الباب الخارجي، فإذا بالمربية السابقة مون كوانغ، التي تستعطفهم بالدخول إلى البيت لأنها نسيت أشياء مهمة، وحينما يسمحون لها، تجري إلى المطبخ وتفتح منفذا سريّا وراء المكتبة، وتتسلل إلى نفق تحت الأرض، وهناك ترتمي على إنسان سجين تحت الأرض وقد هدّه الجوع والمرض. فتعترف لهم بأنه زوجها، اضطرت أن تدخله هنا في زمن المالك السابق. وكانت تطعمه بشكل خفي بدون علم أهل المنزل. وهنا تتواتر الأحداث وتتسارع، حيث أنّ السيدة بارك صاحبة الدار تعلن عن قطع الإجازة وعودة العائلة من السفر، بسبب شدة الأمطار، ووصولهم بعد ثماني دقائق، حسب دقة جهاز النافيكيتر.
وكانت هذه الدقائق الثماني مرعبةً ومفصلية، فعليهم تنظيف البيت مما لحق به من فوضى، إضافة إلى حلّ مشكلة القبو، الذي كان من مهمة الأب الذي ظلّ يصارع المربية وزوجها. وبعد عراك دامٍ ومؤلم، استطاع أنْ يوثق الاثنين ويكمم فميهما. وبعد ذلك خرجت العائلة المعدمة وهي تجري في الليل في الشوارع وبين السيول، ولكنهم وجدوا شقتهم الواقعة تحت الأرض قد غرقت وتعرضت كل محتوياتها للتلف. وهكذا يفقدون كل ما يملكون، وحينما يعودون في اليوم الثاني إلى الفيلا، يكون الجو قد تحسن والشمس تملأ الحديقة. وتقام حفلة عيد ميلاد الطفل الصغير. وبينما كان المدعوون يتمتعون بالموسيقى والباربكيو، تسلل الشاب كي وو إلى القبو حاملا الحجر الذي يعتقد بأنه يجلب الحظ، وهناك كان زوج المدبرة المجنون قد تخلص من وثاقه، فضرب الشاب حتى أدماه. وخرج من القبو إلى الحديقة الحافلة بالفرح والرقص والغناء. وحالما يرى شقيقة كي وو وهي تحمل كيكة عيد الميلاد، فيطعنها في صدرها، وتقوم أمها بمهاجمة القاتل لتطعنة بسيخ المشاوي. وفي لحظة جنون يقوم الأب بطعن صاحب البيت الثري. ويختفي في القبو نفسه. وكنا نظن بأن الشاب كي وو قد مات، ولكنه يخرج من المستشفى ويحلم أن يشتري البيت لينقذ أبيه.
من هو المتطفل؟ لاشك بأنّ مسار الأحداث توحي للمشاهد بأنّ المتطفل هو هذه العائلة البائسة، التي عاشت عالة ومتطفلةعلى العائلة الثرية، من حيث حصولها على المال والتمتع بمباهج الغنى وأدواته، ولكنّ العائلة الثرية كانت متطفلة أيضا، لحاجتها إلى خدمات الآخرين في الطبخ والتنظيف والتعليم وغير ذلك. فمن هو المتطفل؟
يترك المخرج ذلك للمشاهد الذي ينغمس مع أحداث العنف التي تأتي بشكل لا يجسّد الرعب، بل ينحو باتجاه الملهاة والكوميديا الحزينة، رغم برك الدم والعنف والقتل. ولكنّ ملمح الكوميديا تقف بشفافية محايدة وراء الأحداث. لقد هجا الفيلم التباين الطبقي، حيث أنّ ثمة طبقة اجتماعية تعيش في القاع ، سواءً كان على هيئة شقة تحت الأرض، أو على هيئة قبوٍ، إنها محكومة بالدونية، وغير قادرة على الكشف عن نفسها، لأنّ ما يحيط بها من العوامل يجعلها في حالة تلبسٍ، بارتكاب ذنب غير مفهوم، وإلا ما الذي يجعل المربية مون كوانغ تخفي زوجها في القبو كلّ هذه السنين؟ ولكن في المقابل، ثمة طموح في الخروج من الأغلال الطبقية، حتى بوسائل غير عادلة: من لا يمتص من حُلمة الأغنياء إذا أتيحت له الفرصة؟
لقد كان الفيلم في مجمله إدانة للفجوة بين الأغنياء والفقراء، وإشارة صارخة لكوارث المُناخ، وهجاءً للتطفل الذي يمتص الكيان الإنساني ويجعله عاريا من قيَمهِ. يرى المخرج أنه لم يقدم إلينا فيلمًا وثائقيًا أو قصة للإثارة والمغامرات، بل إنه كان بصدد إبداع عمل فني يرتقي بالخيال إلى أبعد حدوده، محاولًا أن يستفيد من بعض الرموز.
فالذي دفع أب كي وو إلى قتل سيده لم يكن بدافع من الغضب أو الجنون أو الثأر، بل لأنّ السيد بارك عبّر عن اشمئزازه من عفونة المجنون، وكأن هذا الرجل يدافع عن إهانةٍ طبقية .أمّا الشاب كيم، فيبقى حالما في تحقيق الفارق الطبقي أيضا. سواء عن طريق الحجر الذي أعتبره كإيقونة، أو عن طريق الحلم والتمني بشراء هذه الفيلا، حتى يحرر أباه من محنة الاحتفاء في القبو.
المصدر: القدس العربي