راغب بكريش: “المغالطات المنطقية” وحضورها في أدبيات الثورة السورية

0

حمل مصطلح “المغالطة المنطقيّة” تناقضًا في حدّ ذاته، لأنّ المنطق يعني التفكير الصحيح، وأما المغالطة فهي استخدام تفكيرٍ خاطئ أو ضعيف.

وعلى الرغم من ذلك التناقض فإنّ المصطلح يعدّ الأكثر شيوعًا والأقرب للفهم، وهو يعني: استخدام الاستدلال غير الصحيح أو الأفعال غير الصحيحة في الحجّة والتعليل، وهذا الاستخدام قد يكون عمدًا أو استهانة أو جهلًا.

إدراك الوقوع بالمغالطة ليس بالأمر الهيّن، وكذلك فإنّ تصنيف المغالطات هو من الأمور المعقّدة بسبب تعدّد طرق بناء تلك المغالطات وتنوّع طرق استخدامها، وكان أرسطو أوّل من صنّف المغالطات ورتّبها في قائمتين: المغالطات اللغوية والمغالطات غير اللغوية، أو المغالطات اللفظية والمغالطات المادية.

في القرن التاسع عشر قدّم “ريتشارد هويتلي” تصنيفًا آخر، هو مغالطات منطقية ومغالطات مادّيّة، حيث تشمل المنطقية النقاشات التي لا تتعلّق فيها النتيجة بالمقدّمة، أمّا الماديّة فإنّ الاستنتاج فيها متعلّق بالمقدّمة.

أمّا اليوم فإنّ التصنيف الشائع فهو: المغالطات الصوريّة، والمغالطات غير الصوريّة، ومغالطات الارتباط، والمغالطات الرياضيّة. وقد يختلف اسم المغالطة من مرجع لآخر أو من مدرسة لأخرى.

مُختارات من المغالطات في الثورة السورية

مغالطة “المصادرة على المطلوب”:

والمقصود بها التسليم بالمسألة المطلوب البرهانُ عليها، وذلك بافتراض صحّة المسألة المُراد برهانها عبر وضعها في إحدى مقدّمات الاستدلال، وبذلك تُعدّ أحد أشكال الاستدلال الدائري.

نأخذ مثالاً على ذلك كأن نقول: الثورة مرتبطة بأجندة خارجية، ويجب أن يكون التغيير داخليًا وبأيدي مواطني البلد.

التعليق: لم تثبت الحجة أنّ الثورة السورية عمل خارجي، بل قالت إنّ التغيير يجب أن يكون داخلياً لأنّه لا يجب أن يكون خارجياً.

مغالطة تأكيد النتيجة أو “خلط الضرورة مع الكفاية”:

هي أخذ عبارة شرطيّة حقيقيّة والاستدلال على عكسها، مع أنّ العكس قد لا يكون صحيحًا.

مثال: يصل الشخص إلى منصب الرئاسة عبر صناديق الاقتراع. النتيجة: بشار الأسد يحكم سوريا، إذن بشار الأسد الممثل الشرعي لسوريا.

التعليق: أُغفِل أنّ الوصول إلى سدّة الحكم يمكن أن يحصل بطرق أخرى غير الانتخابات كالانقلاب العسكري أو الانقلاب السياسي أو الوراثة أو بدعم دبابات المحتّل إلخ، لذا فإنّ الحاكم الحالي يمكن أن يكون أيًا من هؤلاء وليس بالضرورة أنّه حاكم شرعي، يرتكب هذه المغالطة المجتمع الدولي والمنظّمات الدولية.

مغالطة “لعن المنشأ”:

هي اعتبار شيء ما مطابقًا لأصله في واحدة من الصفات، مثلًا، اعتبار الثورة الفرنسية على الملكية في القرن الثامن عشر ثورة مسيحية لأنّ من قام بها يدينون بهذا الدين، أو اعتبار من وُلِد في فترة حكم هتلر نازيًا لأنّ المجتمع في ذاك الوقت كان نازيًا.

مثال1: أول من كتب عبارات “يسقط النظام” هم أطفال، فهذه ثورة أطفال.

مثال2: أولى المظاهرات خرجت في الريف، إذن هذه ثورة أرياف.

التعليق: لكلّ شيء بداية، ولكلّ فعل هناك “أوّل مرّة” وهذه “المرّة الأولى” وحيدة، وأول من كتب على الجدران سيكون فقط رجلًا أو فقط امرأة أو فقط طفلًا أو فقط من المدينة أو فقط من الريف… إلخ ولا يمكن أن يكون رجلًا وامرأة معًا وعليه فإنّنا لا نستطيع إلباس كلّ ما يليه لجنس أو عمر أو عرق أول شخص.

مغالطة “التعميم المتسرّع”

هي أن يؤخذ مثال واحد أو عدّة أمثلة وتعميم صفاتها على مجموعة كبيرة جدًا، وتكاد تكون هذه المغالطة الأكثر تداولًا، حيث يخلط الناس بينها وبين العيّنة المثاليّة المعبّرة عن المجتمع قيد الدراسة التي يستخدمها العلماء بكثرة، فالعلماء حين يرصدون ظاهرةً ما، لا يدرسونها لدى جميع أفراد المجتمع بل يستحيل ذلك، إنّما يأخذون عيّنة مثالية تعبّر عن جميع فئات المجتمع بحيث يكون تعميم النتيجة صحيحًا، وللعيّنة المثالية شروط صارمة.

مثال1: الثوار حفنة من اللصوص، رأيت مجموعة منهم بعيني يسرقون الأثاث.

مثال2: المعارضون علمانيون انظر إلى رأي فلان.

مثال3: المعارضون متشدودن دينيًا انظر إلى تصرّفات جماعة كذا.

مغالطة تجاهل المطلوب:

هي تجاهل الشيء الذي يجب بُرهانه، والبرهان على شيء آخر عبر خطوات منطقية واستدلال صحيح، وهي من المغالطات الجذّابة بشكل فريد، حيث يستخدمها محامو الدفاع والمدّعون بلا استثناء.

مثال: فقدت الليرة خلال فترة رئاسة بشار الأسد ربع قيمتها أمام الدولار، فيأتي الردّ زادت رواتب الموظفين في الفترة نفسها أكثر من 50% وزاد عدد السياح بنسبة الثلث و…

التعليق: طريقة الردّ هذه غالباً ما تستخدمها مختلف الحكومات التي تتعرّض لانتقاد أدائها، لكن الفرق بينها وبين سوريا أنّ تلك الحكومات تتبادل الأدوار وتراها جميعها تتراشق التهم بأنّها لم توفِ التزاماتها الانتخابية، وأما في سوريا فلا يوجد التزام ولا يوجد تبادل أدوار، فقط التغنّي بإنجازات (في الغالب وهمية) عندما يجري الحديث عن الأمور الجوهرية وتمييع الحديث.

مغالطة الرنجة الحمراء (متلازمة ماذا عن):

يأتي الاسم من الحيلة التي كان يستخدمها المجرمون لتضليل الكلاب المدرّبة على التعقّب، حيث تُسحب سمكة رنجة حمراء ذات رائحة نافذة في مسار المطاردة، ما يشوّش على الكلاب فيفقدون أثر المجرمين. وتعني المغالطة تحويل الانتباه عن المسألة الرئيسة عبر إدخال تفاصيل غير ذات صلة بالنقاش، مثلًا في النقاش حول أضرار التدخين يردّ المحاور وماذا عن حوادث السيّارات؟ لذا تُدعى هذه المغالطة أيضًا بمتلازمة ماذا عن whataboutism.

مثال: استولى بشار الأسد على رئاسة سوريا بطريقة وراثية عبر تغيير الدستور خلال دقائق معدودة، والردّ: ماذا عن قطر والكويت والإمارات والسعودية التي يحكمها ملوك وأمراء ورثوا الحكم عن آبائهم وماذا عن السعودية التي لا تمتلك برلمانًا؟

التعليق: نحن نناقش قضية واضحة ومحددة، ولا شأن لنا ببرلمان السعودية أو نظام الحكم في البحرين، حتّى إنّ الردّ المتذاكي “لماذا لا نقارن أنفسنا بإيطاليا بدل السعودية؟” ليس ردًا مناسبًا لأنّه إلقاء تشويش على التشويش والنتيجة ضياع النقاش الرئيس.

مغالطة “مناشدة الشفقة”

هي تحويل الشفقة إلى حجّة، كأن يقول طالب راسب لأستاذه يجب أن تمنحني درجة النجاح لأنّ أمي ستنهار إن عرفت أنّي رسبت.

مثال: يجب أن تدعمنا الدول العربية والإسلامية والأمم المتّحدة لأنّنا مظلومون والحقّ معنا.

التعليق: لا المنطق ولا العالم يعمل بهذه الطريقة، المنطق يحتاج إلى حجّة منطقية والعالم يحتاج إلى دافع مادي، أمّا الحقّ والواجب فهي أمور وجدانية لا تشكّل حجّة متماسكة، ويجب أن نبحث عن الدعم لأسباب مختلفة عن الشفقة.

مغالطة الاحتكام إلى القوّة

هي التخيير ظاهريًا بين أمرين أحدهما سيّئ جدًا لدرجة القبول بالآخر السيّئ أيضًا خشية وقوع الأسوأ.

مثال: الأسد أو نحرق البلد.

التعليق: يريد إيصال المعنى الآتي: بما أنّ حرق البلد هو أمر كارثي فإنّ وجود الأسد هو الضامن لعدم حدوث هذه الكارثة لذا علينا التمسّك به.

مغالطة المنحدر الزلق (أنف الجمل)

هي افتراض أنّ أمرًا ما ضئيلًا سيسبّب سلسلة من الأحداث تفضي إلى عواقب ضخمة غير مرغوبة.

مثال: كانت المشكلة ستُدفن في لحظتها لو أنّ الرئيس عاقب عاطف نجيب. فيأتي الردّ: لو أنّ ذلك حصل فإنّ الجميع سيتطاول على رؤوساء الفروع الأمنية وتفقد الدولة هيبتها وتغرق البلد في الفوضى وينعدم الأمن.

لا تعليق!

مغالطة إغفال المقيّدات:

هي تطبيق التعميم على حالات لا يشملها التعميم، مثلًا: سيارة الإسعاف التي تجاوزت الإشارة الحمراء تجب مخالفتها.

مثال: هل تريدون تغيير الرئيس! ها هي صناديق الاقتراع ومجلس الشعب والانتخابات.

التعليق: الحالة العامة للتغيير هي عبر صناديق الاقتراع، لكن في سوريا كلّ شيء مفصّل على قياس الحزب والقائد والتعدّدية الحزبية هي ديكور فقط ولذا فإنّها حالة خاصة لا ينطبق عليها التعميم وتستلزم تعاملًا خاصًا.

مغالطة “نقل عبء البرهان”:

هي عدم البرهان على الادّعاء، وبدلًا من ذلك البناء على عدم وجود أدلّة تنفي الادّعاء، ولهذه المغالطة مثال تاريخي شهير قام به السيناتور جوزيف مكارثي في منتصف القرن الماضي حيث اتّهم كلّ من هبّ ودبّ بالشيوعية زاعمًا أنّ الدليل هو أنّ حقيبته المليئة بالمستندات لا تحوي ما يؤكّد عدم ضلوع المتّهم في الشيوعيّة.

مثال: فلاشة الشعيبي.

التعليق: يعرف السوريون مصطلح فلاشة الشعيبي لكثرة ما هدد بها على الهواء مباشرة، وحتى اليوم لم يعرف أحد ما بداخلها لدرجة أنّ مؤيّديه صاروا يضربون بها المثل ويتحسّرون لأنّهم سيموتون من دون معرفة محتواها.

*تلفزيون سوريا


المصادر
https://www.britannica.com/topic/fallacy/Verbal-fallacies
https://en.wikipedia.org/wiki/Fallacy
https://www.goodreads.com/book/show/44012576
https://www.rwaq.org/courses/logical-fallacies

FacebookTwitterEmailPrintShare