السبب الوحيد الذي يمكن أن يدفع عاقلاً لمشاهدة مقابلة مع الممثل والمخرج المزعوم وائل رمضان، هو الفضول لمعرفة سرّ استقبال بشار الأسد له ولزوجته سلاف فواخرجي معاً منذ أشهر، ومعلوم بالطبع أن رمضان لا يمكن أن يبوح بسرّ على هذا المستوى، لكن على الأقل لدينا فضول لنرى كيف سيفسرّ الأمر. لكن يبدو أن هناك اتفاقاً مع المذيعة رابعة الزيات على عدم التطرق للأمر. ورابعة، الشغوفة بمعرفة الأسرار وتفاصيل الشؤون الشخصية، لم تكن حريصة هذه المرة حتى على التلميح لمقابلته مع بشار، ولا لآراء في السياسة، لقد تجرأتْ على سؤاله عن تفاصيل «عزيمة عرس»، وأسماء المدعوين، وتفاصيل الانفصال عن زوجته، وآفاق العودة عن قرار الطلاق، وفي ما إن كان «يستحلي فلانة»، وإن كان قد خان، أما الحدث الأهم الذي يستحق السؤال، والذي جئنا نشاهد من أجله، أي مقابلة بشار، فلا ذكر لها.
السؤال الأبرز، الذي راح صداه يتردد في أرجاء رأس المشاهد هو: أبهذه التفاهة يواجه المرء رئيساً! ونحسب أن الجواب سيأتي على الفور لدى كثير من العقلاء تلقائياً: بمثل هذه العدّة بالضبط يتحضّر المرء لمقابلة رئيس من هذا الصنف.
هكذا ممثل يليق تماماً بهكذا رئيس.
«الرئيس النجيب»
في خطبته الطويلة لجمهور مدينة حلب السورية، التي زارها بشار الأسد أخيراً، ولأول مرة بعد الثورة والحرب في البلاد، وَرَدَت عبارة يحاول فيها أن يفسر لماذا أرسله أبوه ذات يوم في طفولته (نعم، كان بشار طفلاً كسائر البشر، وله أب، ولو أنه لم يكن كسائر الآباء البشر) ليقضي إجازته في تلك المدينة: «هل يا ترى لأنني طفل نجيب، أم طالب متميز؟». سؤال بشار هنا لا يفترض احتمال أن لا يكون نجيباً، سؤاله في مطرح آخر؛ هو لا يعرف بالضبط إن كان قد كوفئ بحلب، هدية الطفولة، لأنه نجيب أم لأنه متميز!
كيف لنجيبٍ، بل كيف لعاقل عاديّ أصلاً، أن يقول للناس إنه عبقري زمانه، والأنكى أن يقول ذلك لمن يعرفون إمكاناته حق المعرفة، وأدركوا بسائر الحواس الممكنة، ما فعل بهم نجيب زمانه في عقدين من الزمان، كيف سوّد عشريتين كاملتين من الزمان.
«الرئيس النجيب»، في فقرة تالية لسؤاله، يبوح بحبه للمدينة فيقول: «ربما يبدأ الحب في العيون، وربما يبدأ في القلب، وربما يبدأ في العقل، هذا في البدايات، أما عندما يتطور ويصل إلى حالة العشق فهو يصبح جزءاً من الدم، لأن الدم يدخل إلى كل الخلايا، فالحب الحقيقي لا يتوضع في مكان من جسد الإنسان، وإنما ينتشر في كل الخلايا وهذه هي العلاقة بيني وبين أهل حلب».
فقرة تلخص تماماً كل خطابات «الرئيس النجيب»؛ أسلوبه، لغته، منطق تفكيره، تميّزه الدراسيّ، بل وبَصْمَته الخاصة التي تشي بأنه هو وحده من يكتب خطاباته، لا أحد سواه. لغة مختلة عقلياً، وقد باتت ماركة مسجلة باسم الرئيس النجيب.
لكن ما في وسع الناس، السوريين، المغلوب على أمرهم، خصوصاً في مناطق سيطرة النظام، ما بوسعهم أن يقولوا إزاء الخطبة الأخيرة لرئيسهم سوى: «ابنك ذكي ثريا».
دمية رام الله المشبوهة
تبحث في كل مكان عن أسباب الاعتداء على مسيرة فنية في مهرجان مسرحي في رام الله (نظّمها مسرح عشتار ضمن فعاليات المهرجان الدولي لمسرح الشباب)، تبحث إن كان هناك سوء فهم، إن كان هناك تالياً تحقيق، بيان من الشرطة، توقيفات للمعتدين. أبداً، كل ما هنالك كلام عن «دمية بألوان مشبوهة» اتُخذت ذريعة للهجوم، فيما السبب الحقيقي، على ما قيل، يكمن في انتقادات تتضمنها عروض مسرحية في المهرجان.
فيديوهات عديدة وُضعت على الشبكة العنكبوتية، الوجوه فيها مكشوفة، والشتائم، والاعتداء بالضرب على شبان وشابات. كذلك كانت الصورة الأكثر تداولاً للمسرحي، وأحد مؤسسي مسرح الحكواتي الفلسطيني، إدوار معلم، مدمى وممزق الثياب إثر الاعتداء. ومع كل ذلك لا أخبار عن تحقيق أو تدخل من شرطة لحماية فعاليات أهلية سلمية.
لا إمكانية لمعرض كاريكاتير في رام الله، ولا لفيلم سينمائي يغرد خارج السرب، غير مسموح الانتقاد لأي شكل من أشكال السلطة القائمة. لا ندري ما تفعله السلطة هناك غير المنع. إن واجهتَ الاحتلال تُقتَل أمام الكاميرات، حتى لو كنت مسلحاً بالجنسية الأمريكية، وإن انتقدتَ مؤسسة رسمية قد تعتقل، أو يعتدى عليك في الشارع على مرأى الجميع، وقد يصل الأمر حد القتل إن كنت عنيداً أكثر. وفي كل مرة يقول الناس: لا يجب أن تمرّ هذه كي لا يأتي ما هو أذلّ. ثم جاء الأمرّ والأذلّ، والأكثر إذلالاً.
دعونا نعترف؛ لم يقدر على شعب الجبّارين سوى قيادته، سوى قيادة شعب الجبارين.
*القدس العربي