لا يعرف التاريخ السوري مسؤولاً كبيراً متنفذاً قضى انتحاراً بطلقة (طلقات حسب الرواية الرسمية!) مسدس على طاولة مكتبه سوى وزير الداخلية ورجل المخابرات المعروف غازي كنعان (دعك من رئيس الحكومة المثير للشفقة محمود الزعبي، فلا نحسب أنه كان يلوي على قرار). وبالتالي لا بدّ أن مسلسل «خريف العشاق» راح يستلهم شيئاً من سيرة كنعان وانتحاره من خلال شخصية الخال التي لعبها الممثل أيمن زيدان. ليست مجرد مصادفة، فلا بدّ أن المسلسل، الذي أوهم الناس بجرأة انتقاده لرجال المخابرات، كان يرمي إلى الإشارة إلى بضعة نافذين فاسدين، وحبّذا، بنظره، أن يكونوا قد انتحروا سلفاً، فالبلد الآن قد خلا من أمثال كنعان وبضعة من تابعيه، ولا بدّ أنه حقق التجانس المطلوب.
لقد استعجل إذاً بعض قراء المسلسل ممن اعتبروه محاكاة للتحولات التي جرت في البلد، خصوصاً لجهة تغوّل الأجهزة الأمنية، على حساب دولة المؤسسات وسطوة الجيش.
استعجلوا، وما كان عليهم أن يعوّلوا على وجهةٍ مثل هذه من مخرج كجود سعيد وكاتبة كديانا جبور (مديرة الشركة المنتجة، وقد سبق لها أن أنتجت حلقة من مسلسل كوميدي تتهم أهل الغوطة بتلفيق تمثيلية المجزرة الكيماوية). ولكن حتى من دون النظر إلى التوجه السياسي لصنّاع العمل، فالمسلسل شديد الوضوح، إذ يقدم جزءاً هاماً من تاريخ سوريا المعاصر (منذ بداية السبعينيات تقريباً) بوجهة نظر بعثية، بل إن لسان العسكر فيها يطغى على أي شيء آخر.
لا رسالة أوضح من ذلك، إلا رسالة يختصرها المثل الشعبي «اللي ما بياخد من ملته بيموت بعلته» ، حيث يقدم المسلسل روايته عبر ثلاث فتيات يتزوجن من طوائف أخرى، وينتهين جميعاً إلى زيجات فاشلة. على الأقل لم يقل لنا «خريف العشاق» ما الحكمة من روايته، وما هي الأسباب الموضوعية التي أدت إلى هذا الفشل العميم لتجربة العيش المشترك.
نظرية الصمود
في مقابلة معه، أجرتها «سكاي نيوز» ، يوضح الممثل السوري ايمن زيدان، رداً على سؤال، تصريحات سابقة له بخصوص الديمقراطية. قال إنه لا ديمقراطية مع الجهل والفقر، وإنه لا بدّ من شروط لها: «مع الجهل والفقر لن يكون هناك ديمقراطية، بل إعادة إنتاج لديكتاتوريات». وفسّر بأن «مع الجهل والفقر يمكن شراء الإرادات الانتخابية» .
السؤال التالي للفنان كان: «من تدعم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا؟» ، أما جوابه: «سأدعم من بقي عشر سنوات، من لم يغادر سوريا، لم يهرب خارج سوريا، بقي متمترساً طوال سنوات الحرب رغم أن المسلحين وصلوا إلى أعتاب دمشق. أكيد سأعم، بصراحة، الرئيس الدكتور بشار الأسد» .
وددنا أن نسأل الفنان، والنائب البرلماني السابق، عمّا يدفعه في العمق (غير نظرية الصمود المزعومة) لانتخاب ديكتاتور متوحش يسجّل باسمه تهجير نصف السوريين، وتدمير بيوتهم وارتكاب مجازر من بينها عدد من الضربات الكيميائية. الجهل؟ الفقر؟ ما الذي يجعل» إرادته الانتخابية» منقادة على هذا النحو؟!
ثم لماذا يعتقد الفنان أن بقاء رئيسه في البلاد فضيلة، وهل من خيار آخر لديه في الأساس؟ وهل يرى في البقاء برنامجاً انتخابياً كافياً يخفف من غلاء الأسعار ويوفر الكهرباء ويرفع المستوى الصحي والتعليمي ويعيد اللاجئين إلى بيوتهم؟
ما من جريمة ارتكبت بحق السوريين أفظع من بقاء بشار الأسد في السلطة.
السيدة كراهية
إن شئتَ التعرّف على نموذج يمكن اعتباره خلاصة للكراهية فإليك هذا الفيديو لماغي خزام، اليوتيوبر السورية التي تبث فيديوهات من قلب سيارتها في الولايات المتحدة.
في فيديو جديد حاز أكثر من 43 ألف مشاهدة حتى الساعة، تضع خزام، التي تقدم نفسها كسورية مسيحية، ما تعتقد أنه الحقيقة في السطر الأول من كلامها، عندما تحسم أن بيوت حي الشيخ جراح تعود ليهود، لا لعائلات فلسطينية!
لن يطول بك الأمر حتى تعرف كلمة السرّ في هذه المطوّلة الحاقدة، اللئيمة والمريضة، فالسيدة لا يمكن أن تساند «حماس» ، هذه التي وقفت ضد نظامها الأسدي (تقصد مع بداية الثورة السورية)!
تعتبر خزام أن مسألة حي الشيخ جراح تأتي في إطار حرب إسرائيل مع «حماس» ، وأن هذه الحرب ليس حربها. وبالطبع ليس أوضح من زيف اعتقادها، ففلسطين بكل أطيافها اليوم، حتى خصوم «حماس» ، إن لم نقل العالم كلّه يساند أبسط حقوق فلسطينيي القدس في بيوتهم.
إن استطعتَ التقدم أكثر في الفيديو سيظهر لك أن العقدة الأكبر للسيدة كراهية هو تركيا وأردوغان، تعود إلى آيا صوفيا، فترى أن ما يجري اليوم انتقامٌ من قرار أردوغان بتحويلها إلى مسجد.
ليس بالوسع استعادة كل ما قالته السيدة، فهو ليس سوى نوع من الشماتة والتشفي. فيديو أقرب إلى مشروع حرب طائفية، امرأة هي بحدّ ذاتها مشروع حرب، ويبدو أنها تتصرف كما لو أنها تتوجه إلى مشاهِد عدوّ لا تتردد في أن تبصق الكلمات في وجهه.
خارج المكان
من بين الأعمال الفنية المواكبة لانتفاضة القدس كان لافتاً فيديو يحمل اسم «المكان» للمخرج عمر رمال، في الفيديو مقاربة مأساة اقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم، إذ تُسأل شخصيات عن أمكنتها الأثيرة في المنزل، فيما نرى في خلفية الصورة إسرائيليين يعفّشون المكان. البدء من سيدة تتحدث من قلب مطبخها، إلى شاب يتحدث عن صالون البيت، إلى طفلة في غرفتها وألعابها، وصولاً إلى رجل يتظلّل بفيء شجرة زَرَعَها جدّه، إلى أن تختم الكاميرا باقتلاعه من مكانه الأثير، وإطفاء عين الكاميرا.
لم أجد اختباراً لأثر هذا الفيديو أفضل من عرضه لابنتي (ثلاثة عشر عاماً) وأحسب أنه تركَ أثراً طيباً، وفهماً أفضل للحدث الفلسطيني.
*القدس العربي