راشد عيسى: حرب النظام السوري على السينما الوثائقية… العريف نوري في اليوم العاشر… والدراما وهجاء الحرية

0

نصف الشعب السوري يعاني بروداً جنسياً. هذا ما يقرّره طبيبٌ إثر معاينة مريض باردٍ جديد في عيادته المليئة بالمرضى أساساً، في حلقة من مسلسل “كمشتك” الذي يعرض على يوتيوب. المريض يعاني ذلك البرود منذ بداية «الأزمة» حسب تسميته، حتى «الحبة الزرقاء» لم تعد تجدي أمام تلك المصيبة، مع أنه عاشق لزوجته. الحلّ في منتهى السهولة عند الطبيب (يؤديه جمال العلي): اذهب إلى زوجتك، واستحضر من هم وراء أزمات البلد و«من أوصَلَنَا إلى هنا. وتخيّله مكان زوجتك».
يعود المريض ليقف أمام زوجته، فيتخيل أولاً رجلاً يرفع قبضته ويهتف «حرية» ثم يأتي آخر يتحدث عن وعود الإصلاح والمحاسبة، إلى ثالث يطالبه بديون متراكمة، وصولاً إلى مطالبة في مؤسسة الكهرباء بتسديد الفواتير تحت طائلة قطع الكهرباء.. هكذا سيتحوّل الزوج المريض (يؤديه محمد حداقي) إلى حصان، وبالطبع لن يغيب عن المخرج الاستنجاد بالصهيل كمؤثر صوتي.
عدا عن رداءة النظرة إلى ممارسة الحب على أنها انتقام وإهانة، ولا ندري لماذا لم يرَ أولئك الوجه الآخر للحكاية؛ فإن كان مسبّبو الأزمة يستحقون هذه الإهانة، هل تستحقها كذلك زوجة المواطن المريض! وعدا عن هزال التنفيذ تمثيلاً وإخراجاً، في أي صفحة من كتاب التاريخ يمكن أن نجد فناناً يهجو المطالبين بالحرية على هذا النحو سوى عند شبيحة الأسد! هل هناك بعد من يضحك لهذا الإسفاف!
مع بداية الثورة السورية دوّى صياح جندي النظام السوري، فيما يتحلّق مع زملائه حول متظاهر وقع بين أيديهم، يركلونه ركلات مؤلمة في الخاصرة: «هاي مشان الحرية، مشان شو؟» حلقة محمد حداقي وجمال العلي وفريقهما هي الركلات ذاتها، وأكثر، في وجوه طلّاب الحرية.

العريف في اليوم العاشر

منذ شهور اشتكى الفنان السوري هاني شاهين، العريف نوري في مسلسل «باب الحارة» من ارتفاع أسعار كيلو اللحمة، قال حينها إن سعر كيلوغرام الواحد يساوي راتبه التقاعدي برمّته. صدى شكواه تردّد بعيداً، في مواقع التواصل الاجتماعي وسواها، اعتُبرت الشكوى علامة على وضع خانق في البلاد، والأهم عن صرخة مقهور لم يعد يحتمل الصمت حين قال إنهم جزارون يمصّون دماءنا.

شاهين ظهر أخيراً في مقابلة وأوضح موقفه بالتفصيل: أكّد أن كيلو اللحمة لا يساوي تماماً راتبه التقاعدي، فإذا كان عند اللحام بـ 25 ألف ليرة فهو في المؤسسة التعاونية بـ 16 ألف ليرة. إذاً فإن المسألة تتعلق بتحكّم التجار، بل بعض التجار وليس كلهم. «التموين» (المؤسسة الرسمية المعنية بمراقبة الأسعار) لا تستطيع ضبطهم، ولا يمكن أن تضع فوق كل تاجر رقيباً، يتابع العريف نوري. إذاً فإن الشكوى التي كتبها في منشور على صفحته في فيسبوك كانت مجرد دعابة. نقابة الفنانين، التي تدفع راتبه التقاعدي عليها ضغوط كبيرة، كما قال، و»هم مفضّلين». ثم أشفق شاهين على حال الدولة التي تعاني من حرب من أكثر من ثمانين دولة، كما أن هناك «قانون قيصر» وعلينا أن نساعد بلدنا، أن نقف معه لا مع الخندق الآخر.
ياااه! كم أنت جميل وحنون يا حضرة العريف! جميل منك هذا الحنان تجاه الحكومة والنقابة. متأكد أنه لو طلب منه لتخليتَ كلياً عن راتبك التقاعدي، فماذا ينفع الراتب، وماذا تفيد اللحمة إن راح البلد برمته؟
هو ذا نظام الأسد، إن لم يستطع قتل أو اعتقال أو تطفيش صوت معترض، فهو سيحوّله إلى أضحوكة، وهذا بالنسبة له أضعف الإيمان.

الحرب الأخطر

قررت بثينة شعبان، مستشارة رأس النظام السوري بشار الأسد، أن «الحرب الأخطر» التي يواجهها نظامها الآن هي السينما الوثائقية، هذه هي فحوى مقال هجومي لها بعنوان «الحرب الأخطر» وجدت فيه «أن الغرب، وبعد أن أنشأ غرفاً ومنظمات وموّلها بسخاء لتشويه ما يحدث على الأرض السورية، بعد ذلك بدأوا بإخراج أفلام ومنحها جائزة أوسكار لأكاذيب صمموها واخترعوها وروّجوا لها وأصبحت بالنسبة لهم واقعاً بديلاً يدحض سيرة الواقع المعيش، ومن هذه الأفلام «رجل حلب الأخير» و«الكهف» وبالنسبة لجماهير الغرب فإن هذه الأفلام هي القناة الأساسية التي تنبئهم بما جرى في سوريا. رغم أن هذه الأفلام، تماماً كقصة الطفل عمران، هي عبارة عن أكاذيب ملفقة لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة قام بها بعض المأجورين».

تقرر شعبان «أن هذه الحرب المخابراتية الإعلامية، التي تسبق وترافق وتستمر إلى ما بعد الحرب العسكرية، في حاجة إلى اهتمام شديد، وإلى تكريس الميزانيات والخبراء والأدمغة والأقلام لتفنيد كل الادعاءات والردّ عليها». وعلى ما يبدو فإن أولى محاولات الرد جاءت عبر وثائقي بثته «الإخبارية السورية» بعنوان «من النفق إلى النور» حاولت القناة فيه تكذيب الاتهامات بارتكاب النظام لمجزرة الكيميائي في دوما. لكن الفيلم لا يُظهر فعلاً أن وراءه ميزانيات وخبراء وأدمغة، فربما لم يكلّف سوى مفرزة أمنية تجبر والد الطبيبة أماني بللور، الشخصية والشاهدة الرئيسية في فيلم «الكهف» على تكذيب ابنته والطعن بشهادتها وعملها الإنساني.
إجبار الناس على الاعتراف بما لم يقترفوه أمر شائع وجزء من سياسة النظام السوري تجاه ضحاياه، هذا سلوك لصيق به منذ الثمانينيات، لذلك لا يمكن أن يحمل وثائقيٌ ينتجه النظام السوري أي مصداقية. تستطيعون إجبار الرهائن على الإقرار بأي شيء، لكن لا يمكن إجبار العالم على التصديق.

الولد موهوب

في مقابلة معه، وإثر سؤال عن رأيه بمسلسل «قيد مجهول» ومخرجه، راح سيف سبيعي يكرّر، في معرض مديح تجربة السدير مسعود: «الولد موهوب» «وأنا أعرفه من لما كان…». مزعجة تلك اللغة الأبوية الوصائية بحق مخرج حقق حضوراً طيباً، بل يمكن القول إنه واعد فعلاً، وليس أقل من أن ينضم إلى قائمة الزملاء. وأكثر من ذلك؛ يمكن القول إن مقترحات مسعود البصرية في «قيد مجهول» مهما كان الخلاف حول أصالتها، أجمل بمرّات مما يقدمه سبيعي في «على صفيح ساخن».

لغة إذا وقعت

يا لها من مقابلة آسرة مع الشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال في برنامج «ثقافة» على قناة «فرانس24» صاحبة كتاب «في أثر عنايات الزيات» الصادر عام 2019 وترجم حديثاً إلى الفرنسية في دار «آكت – سو» لولا بعض أخطاء اللغة التي ارتكبتها المذيعة، عندما نصبت مجروراً في عبارة «تتتبع مرسال أثرَ كاتبةٍ» فالكلمة الأخيرة مجرورة بالإضافة، وقد نصبتها المذيعة دون أن يرف لها جفن، تماماً كما فعلت حين رفعت منصوباً: «أريد أن أسألك» حيث رفعت الفعل أسأل، ويفترض أنه منصوب بأن الساطعة، التي يصعب أن تمرّ على مبتدئ.

*القدس العربي