راشد عيسى: تيم حسن مكرماً كشيخ جبل… ووزارة الثقافة اللبنانية على خطى إيران

0

مع كل دور جديد ضارب للممثل السوري تيم حسن، مع كل مقابلة تلفزيونية، يكاد «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق يدفع الثمن باهظاً، ومجدداً، فدائماً هناك تذكير وضرب على أصابع يديه؛ كيف سوّلت له نفسه (المعهد) أن يتردد في قبول تيم طالباً من المرة الأولى! ومع أنه سرعان ما كفّر عن غلطته وضمّه إلى طلبته في السنة التالية فقط، ظلّ تيم مذاك يذكّر: أنا في القمة الآن، أتشارك مع زميليّ أنشتاين وشادي الصفدي أنّ العالم أساءَ تقييم مواهبنا.
يكاد المرء يلمح من بعيد أساتذة المعهد المنتشرين الآن في أصقاع الأرض محمرة وجوههم خجلاً من فعلتهم تلك، لائذين أبعد ما يكون عن وسائل التواصل الاجتماعي لئلا يشار إليهم مجدداً بالبنان.
أخيراً قرر المعهد أن يدفع ثمناً أكبر: لقد استُقبل الممثل النجم كما الفاتحين في أروقة المعهد. عميد هذا الأخير، ثامر العربيد، قدمّه بكلمات أرادها للتاريخ على ما يبدو: «هو مَن بدأ مشواره الدرامي أميراً، ودخل الدراما المصرية ملكاً متوجاً، وهو اليوم جبل الدراما العربية، عليه تتكئ عليه أهم الأعمال».

في الوصف الأخير، جبل الدراما العربية، يشير العربيد إلى دور تيم حسن الأشهر في مسلسل «الهيبة» هذا الذي تفرّد بتمجيد الخروج عن القانون وإعلاء شأن تهريب السلاح والمخدرات. يبدأ تقرير قناة «العالم» الإيرانية بلقطة لسيارة تيم السوداء على باب المعهد مع عبارته الشهيرة في مسلسل «الهيبة»: «اثبااااات». ثم التذكير مرة تلو المرة بشخصيته جبل شيخ الجبل.
«معهد الفنون المسرحية» لا يكتفي بأن يحتفل ويمجّد فناً على الضدّ منه (على ما يفترض السذّج من أمثالنا) ولنتذكر أساتذة المعهد المتفانين في التنظير لتقديس المسرح، بل يذهب أبعد من ذلك بكثير، إنه يمجد أسوأ القيم التي تكرّسها الدراما.
لا مسرح في بلادنا، لا جمهور للمسرح يستطيع أن يميز بين الممثل على الخشبة وممثل التلفزيون الذي قد تكون الوسامة ثلاثة أرباع رأسماله، لم يتح للناس مشاهدة تيم حسن على الخشبة مؤدياً مشاهد أكثر تعقيداً من زعيم مهربين. ولا وجود كذلك للسينما، حيث في إمكانك أحياناً أن ترى طاقة وموهبة الممثل الحقيقية.
تيم حسن ممثل تلفزيوني لامع، لا جدال حول ذلك، أما بخصوص المسرح فلو أتيح للجنة التحكيم التي رفضته لأول مرة الاجتماع الآن، لقررت بالإجماع أن الشاب، وخصوصاً بعد مسيرة أكثر من عشرين عاماً تلفزيونية، مخلوق للتلفزيون، وأن لا مكان له في صفّ المسرح. مرفوض.

وزارة للثقافة والإرشاد

لبنان في غنى عن استنساخ أي تجربة سينمائية من بلد آخر، تجربته أساساً لا يستهان بها. إن تحدثنا عن تعاون سينمائي إيراني لبناني، واستعداد من «وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي الإيراني» فالخشية أن الأثر المتوخى لن يكون لعباس كياروستامي وأصغر فرهادي ومحمد رسولوف وجعفر بناهي، وسواهم ممن صنعوا السمعة الرائعة للسينما الإيرانية، بل من إنتاج بروباغندا تكرّس السيطرة والاحتلال، وتحاول تطبيع ما لم تستطع الحرب تطويعه.
على أي حال، وأياً كان الأثر، سيكون مضحكاً استنساخ شروط الرقابة الإيرانية في أفلام لبنانية، لتقريب الصورة تخيلوا نسخة إيرانية من أفلام نادين لبكي، ممتع جداً تنشيط المخيلة بتحويل «سكر بنات» إلى نسخة إيرانية.
الخطر داهم في لبنان، فقد أعلن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني محمد مهدي إسماعيلي، إثر لقاء مع نظيره اللبناني عن استعداد مؤسستي «السينما» و «رودكي» الإيرانيتين لإنتاج أفلام مشتركة مع دول المنطقة، مؤكداً أن «لبنان هو الوجهة الأولى للدبلوماسية الثقافية الإيرانية».

لكن وزير الثقافة اللبناني محمد وسام مرتضى لا يرى في الأمر أي خطر، بالعكس؛ إنه يلخص أزمة لبنان بأنها «أزمة ثقافية وتوعوية» وأن «أعداء لبنان يهاجموننا عبر فراغ ثقافي، والترابط الحضاري بين البلدين، واتخاذ إجراءات مشتركة في مجال الثقافة يمكن أن يرسم لنا آفاقاً مستقبلية واعدة».
في الخبر أن مرتضى «أشاد بالاسم الذي اختير لتسمية وزارة الثقافة الإيرانية» يقول «حيث تم اختيار كلمة «الإرشاد» بشكل صحيح في تسمية وزارة الثقافة الإيرانية».
«الإرشاد» كلمة بات النظام السوري ذات نفسه، بكل شموليته، يخجل منها، لقد تخلى عن اسم «وزارة الثقافة والإرشاد القومي» منذ أكثر من عقدين، من دون أن يتخلى عن المحتوى بالطبع.
لكن هل قلت «خطراً داهماً»! ماذا يضير بلداً يغوص حتى أذنيه بالنفايات والعتم وتجارة المخدرات لو أضفنا لاسم وزارته «وزارة الإرشاد اللبناني»!
اليوم «وزارة الإرشاد» وغداً «وزارة النهي عن المنكر».

وداعاً للأغاني

هذه أول حرب نخوضها، نحن أبناء الشرق الأوسط الموزعين على طرفيها، مجردين من سلاح الأغاني الثورية. إننا نخوضها بالحماسة كلها، التي خضنا فيها النكبة والنكسة وحرب تشرين ومعارك الأردن وحروب لبنان وغزة، دون أن نريق ميزورة موسيقية واحدة. كانت الأغاني الثورية جاهزة على الدوام، في متناول الأيدي، كلما جاءت حرب سللنا حفنة منها، بدءاً من «أصبح عندي الآن بندقية» و»الغضب الساطع» «عالرباعية» «منتصب القامة» «أناديكم» وليس انتهاء بـ «رجع الخي» و«يا حيف» وسواها من أغاني سميح شقير. كلها لا تتسع اليوم لمفرداتنا الأثيرة، حتى لو استطعنا تحميل قضايانا على ظهرها. أساساً هل سيكون باستطاعتنا حشر كلمات مثل أوكرانيا، كييف، ماريوبول، خاركيف، دونيتسك.. في قوافينا؟
ماذا سيحلّ الآن بنا! كيف سننتصر، أو حتى نهزم من دون أن نريق تلك الأغاني من جديد!

*القدس العربي