راشد عيسى: المطرب «المنصرم» هاني شاكر… المنديل الذي قد يسقط مملكة الملالي… وهل يشارك الفلسطينيون في كتابة تاريخهم؟

0

يا له من بلد مدوّخ فعلاً!
البلد الذي يناطح «الشر الأكبر» ، الشيطان الأكبر»، إلى سواها من تسميات للولايات المتحدة الأمريكية.
البلد الذي يفيق وينام فيما يتوعد بإزالة إسرائيل من الوجود.
البلد الذي يمدّ أذرعه الأخطبوطية في اليمن وسوريا، جنوبها وشمالها، شرقها وغربها، ولبنان، وقبل ذلك في العراق، بل وفي تركيا عندما يرسل خلاياه كمائن للإسرائيليين.
البلد المشغول ببسط نشيده على الزمان: «سلام فرامانده» .
البلد «المكلف» بإدارة المزارات والمراقد الشيعية من كربلاء والنجف إلى السيدة زينب في دمشق، إلى السيدة زينب في القاهرة، وصولاً إلى أقصى أقاصي القارة الأفريقية.

البلد الذي، الذي، الذي، تجده مذعوراً أمام حجاب شابة عشرينية فلت قليلاً عن مساره، فيأمر شرطة الأخلاق بإعطائها درساً في كيفية ارتداء الحجاب. وبعد ساعتين فقط من الاعتقال تدخل البنت، إثر ضرب وحشي، في غيبوبة لا تلبث أن تتوفى بعدها.
هل هي مصادفة أن يحدث ما حدث للبنت؟ هل هي مرة فريدة من نوعها؟ إن كان الجواب نعم، علينا أن نتسامح مع خطايا الأخ الأكبر، هو المشغول بكل تلك المهام الكونية.
لكننا نعرف جيداً تاريخ القمع الرهيب في البلد الرهيب، كما شاهدنا فيديو اعتقال الصبية العنيف على يد شرطة الأخلاق، نعرف أن هذا هو المنهج.
الإيرانيات، إثر الحادث، خلعن الحجاب في وجه «فرمانده» ، قصصن شعورهن ورمين بفيديوهات متحدية على مواقع التواصل، أصوات المقصات، قبل الغضب، تدوي في الفضاء الواقعي والافتراضي.
لكن السؤال المدوخ ما زال يلحّ: لماذا نظام الملالي مذعور إلى هذا الحد؟! هل يعقل أن «يهرّ» النظام الفولاذي لمجرد أن يرتخي منديل على رأس فتاة!

لا شماتة، لكن لا تزوير

لا شماتة في الموت، هذا أكيد. لكن «اللا شماتة» لا تعني أن نصنع للراحل تمثالاً، من أجل أن نتصنّع النبل نروح نغدق على الراحل ما ليس فيه. ثم ماذا إن كان الراحل نفسه قد صمت أمام اغتيالات زملاء له، مفكرين ومثقفين وناشطين، من دون أن ينطق حتى بكلمة تترحم عليهم، فما بالك إن كانت له مشاركته البارزة كرئيس للجنة تحكيم جائزة تحمل اسم قاتل، ويمشي على الدوام مطمئناً في ظلال القتلة، وإلا لما كان له هذا الحضور الكبير عند جمهور الممانعة الذي لا يغفل عن أعدائه، ولا يفوته التنكيل بهم.وعلى ما يبدو يتصرف كثيرون مع الراحلين بمقدار الصلة الشخصية، فإن كان صديقاً شخصياً، وفي أرشيفنا صورة معه، صنعنا له تمثالاً، وإن لم يكن أطلقنا عليه جحيم موضوعيتنا.
لا شماتة، نعم، ولكن يُفْتَرَض أيضاً أن لا تزوير.

المطرب «المنصرم»

قالت مذيعة مصرية، فيما تقدم حفل المطرب هاني شاكر في «دار الأسد للثقافة والفنون»، في دمشق: «في مصر ما عندناش لاجئ سوري، عندنا رجال أعمال وطنيين شرفاء». وبالطبع حازت العبارة الرنانة على الفور تصفيق الجمهور الشغوف بالفنان المصري المنصرم (واضح أنه ينتمي بقوة إلى الماضي). لو اكتفت المذيعة بشقٍ من عبارتها «ما عندناش لاجئ، بل رجل أعمال»، لفهمنا أنها تريد تكريم المواطن السوري بالقول إن مصر وطنه لا منفاه، لكن كفاية العبارة «..رجال أعمال وطنيين شرفاء» تكشف عن احتقارها لكلمة لاجئ، أي لحوالى نصف السوريين، أحد عشر مليون سوري تقريباً، هم لاجئون في بلاد الله الأوسع، الأوسع حتى من أم الدنيا.
لن يكون أمراً بالغ الذكاء استنتاج موقف المذيعة من اللاجئين، ولا موقف ورأي هاني شاكر نفسه، ولا ينتظر أحد من إعلامية مثل بوسي شلبي، أو مطرب منصرم ليقول موقفاً ما تجاه القضية السورية. ما دام قد خذلها الأكبر من هؤلاء بكثير.

خادم سيدين

غنى هاني شاكر في دمشق، مكان ولادته الفنية الجديدة على أرض سوريا، وفق تعبيره: «عاشت سوريا.. تحيا مصر» ، وهي أغنية جديدة أعدّها الفنان المصري خصيصاً لرحلته الدمشقية بعد غياب. أراد الفنان أن يغازل نظامين في وقت واحد، ويبدو أنه لا يدري أنه هكذا حكم على الأغنية بالموت في مهدها، وهي على أي حال لا تستحق الحياة لأكثر من ساعة الحفل، أغنية تمجد سوريا ومصر في آن يعني أنها لن تبث لا هنا ولا هناك، إلا للمجاملة لبعض الوقت في سوريا. ذلك أن الترجمة الحرفية لعبارة «عاشت سوريا» ، خصوصاً حين تغنى في هذه الأيام من قلب «دار الأسد» : «عاش بشار الأسد» ، كما تعني «تحيا مصر»: «يحيا السيسي». عاش بشار لن تستساغ في القاهرة، كما يصعب أن يحيا السيسي في إذاعة دمشقية.

أساساً الفنان شاكر ليس في وارد الإيحاء بأي معنى غير ذلك، غير «التعييش» والهتاف، لذلك لا يجب أن يؤخذ في الأساس على محمل الجد، من المؤكد أن هاني شاكر لا يحتاج لأي ترجمة. ليس سوى خادم لسيدين.

عملية ميونيخ

من بين ما اتُفق عليه بين الألمان والإسرائيليين بخصوص تعويضات ضحايا عملية ميونيخ، تشكيل لجنة مشتركة لكتابة الحدث. لا يخطر في البال أنهم سيُشرِكون طرفاً فلسطينياً، رسمياً أو غير رسمي، مؤسسة بحثية، مؤرخاً، مجموعة مؤرخين.. مع أن الفلسطينيين هم من صنع الحدث الذي ما زالت أصداؤه تتردد بعد خمسين عاماً على وقوعه، إن لم يكن على مستوى السياسة فعلى مستوى الفن والأدب، من بينها فيلم ستيفن سبيلبيرغ، قيصر هوليوود الشهير.

بعيداً عن اللجنة الألمانية الإسرائيلية المشتركة، ألا يفكر الفلسطينيون، على الأقل بعد ورطة أبو مازن في الإجابة عن سؤال بخصوص العملية إثر زيارته إلى برلين، ثم اضطراره للاعتذار، بإعادة كتابة الحدث من جانبهم؟ وعلى الأقل كي يتمكن الرئيس في الزيارة المقبلة من الإجابة عمّا فعلته منظمة «أيلول الأسود».

*القدس العربي