راشد عيسى : الإعلام الممانع يحوّل تغطية الحرب إلى مهزلة… بوتين يشتري البوظة لاردوغان ويهين وزيره… وفنانون مصريون تحت الطلب

0

في تغطية الحرب التاريخية الخاطفة جداً، التي شنّها “حزب الله” على إسرائيل أخيراً، هنالك ما يستعصي حقاً على التصديق، أوله خبر قناة “الميادين” وقد نقل عن مصادر أن “المقاومة لاحظتْ أن الجندي ذو بشرة سمراء من يهود الفلاشة فعدلت عن تنفيذ العملية”، وثانيه خبر للقناة نفسها يقول إن “المقاومة سمحتْ للطواقم بإجلاء المصابين من ناقلة الجند”، مع العلم أن لا قتلى ولا جرحى جرّاء العملية، ولا من يحزنون.

في الخبرين رهافة غير معهودة لدى مقاتلي الحزب، وقد سجّلت باسمهم جرائم ومجازر للتاريخ ضد أبناء جلدتهم في مختلف الأنحاء السورية. معروف أن قصفهم وتدميرهم استهدف خصوصاً المشافي وسيارات الإسعاف وجنازات الموتى والمقابر، من دون حساب للألوان أو الأعمار أو الأعراق، فكيف دبّت الرحمة في قلوبهم، وكيف أصبحوا متسامحين إلى هذا الحدّ مع عدو صريح على أرض المعركة، أشدّاءَ على أبناء عرق أو عقيدة أو تاريخ نضاليّ مشترك!
كذلك كان مفارقاً حديث قنوات الممانعة ومحاولاتها تصوير فرحة أهل الجنوب بما حدث، في وقت أعلن عدد من أبناء الجنوب من المثقفين خصوصاً استغرابهم، قالوا كيف تتحدثون عن فرحة وكل من نعرفهم من أقارب وجيران وأصدقاء في بلداتنا صاروا في بيروت! هذا إلى جانب الصور التي أظهرت سيول السيارات المتدفقة شمالاً.
الحمد لله أن الحرب توقفت عند هذا الحدّ. أبمثل هذا الكذب التاريخي كنتم ستتعاملون مع مواطنيكم اللبنانيين، ضحايا الحرب والسلم؟!

 تبييض السمعة

تستعيد مجلة “نيوزويك” أحداثاً رياضية بارزة استخدمت في تبييض صفحات ديكتاتوريين، وفي إخفاء جرائم فظيعة. تُذكّر مثلاً بمباراة محمد علي كلاي ضد جورج فورمان في زائير، المعروفة باسم “قعقعة في الغابة”، وبعدها مباراة باسم “خوف في مانيلا”، ولا تتردد بالمقارنة مع واحدة بعنوان “صِدام في الكثبان”، ستُعقد في السعودية في كانون الأول/ديسمبر بين البريطاني أنطوني جوشوا والأمريكي – المكسيكي أندي رويز.

تصل المجلة إلى الاستنتاج أن “تبييض السمعة من خلال الرياضة مصطلح جديد لأمر يتم منذ قرون، فقد استخدم الرومان مباريات المصارعة لحرف نظر الرأي العام عن أوضاع الفقر التي يعيشون فيها ومنعهم من الثورة. كما استخدم هتلر الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936، وكذا في جنوب إفريقيا حيث التمييز العنصري.. بإحضار الفرق الرياضية لتقديم صورة ووجه عن الحياة الطبيعية…”. ثم تشير إلى ما جرى في كواليس مباراة زائير، فـ«في ليلة المباراة، قام موبوتو باعتقال ألف شخص، ووُضعوا في غرف تحت الملعب الذي جرت فيه المباراة. وأعدم مئة منهم ليخيف الآخرين”.
تلك الأنظمة لا يمكن أن تكون استخدمت الرياضة وحدها غطاء لجرائمها، فالفن ونجوم التلفزيون على رأس قائمة المستخدَمين. ولذلك نجد أن دمشق تحرص اليوم (ومثلها السعودية على نحو أكثر بذخاً)، إثر نصر مزعوم، على  توظيف كل من يسهل توظيفه من نجوم، وعلى ما يبدو، ليس سوى أولئك الآفلين منتهي الصلاحية الفنية من سيستجيب لنداء البروباغندا. من يتذكر المغنية عفاف راضي، التي ظهرت أخيراً في دار الأوبرا السورية بالتوازي مع فعاليات “معرض دمشق الدولي”، من يحرص على حضور ميادة الحناوي وهي أصرت على الظهور سريعاً بعد سقطتها على مسرح تونسي وإلغاء حفل لها في بيروت، كي تثبت أنها ما زالت قادرة على العطاء، إلى جورج وسوف وقد ظهر مكرماً في حفل رسمي لوزارة الثقافة السورية.
كذلك يظهر فيديو لـ”سانا”، وكالة أنباء النظام، عدداً من الفنانين من ضيوف المعرض: محمود حميدة، وصفية العمري، وإلهام شاهين، إلى جانب سوزان نجم الدين، ونادين خوري، وجورج قرداحي.. وقد باتوا في معظمهم من ثوابت أي فعالية يقيمها النظام.
كان محمد علي كلاي، وربما ما زال إلى الآن، معبود الملايين، خصوصاً من الفقراء والمضطهدين والطامحين إلى حياة أفضل حول العالم، هل كان دارياً بالدور الذي رُسم له حينذاك؟ هل أدرك لاحقاً؟
أما أولئك المداومون على توقيع الحضور في دمشق فلا شك أنهم يعرفون جيداً ما يفعلون، لكن يبدو أنهم، مثل عدد كبير من النجوم، ليس بإمكانهم رفض دعوة، تتضمن إقامة وتذاكر طائرة مجانية، بحسب تصريح سابق للممثل المصري شريف منير.

كل احتفال

تناولت قناة “الجزيرة” منذ أعوام في برنامج “الصندوق الأسود” المذبحة الرهيبة المرتكبة في سجن صيدنايا (في ريف دمشق)، التي استمرت لتسعة شهور العام 2008، في تلك السنة جرت فعاليات “دمشق عاصمة الثقافة العربية”. كنا نحتفل بعالي الصوت طوال تلك السنة، فيما مجزرةٌ تجري على بعد بضعة كيلومترات منّا. لقد كنا كذلك نحتفل طوال أربعين عاماً فيما المجزرة مستمرة في كل مكان في البلاد. كل احتفال مقابله مجزرة.

 بوظة في معرض للطيران

 ليس مستغرباً جداً فيديو يُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصحبه واقفين أمام بائعة البوظة أثناء التجول في معرض للطيران، وأن يشتري الرجل لضيفه قطعة، وتبثّ عملية الشراء كاملة، ويتحوّل الأمر إلى حدث الساعة، بل وتتناقله المواقع تحت عنوان “بوتين يشتري البوظة لأردوغان”. ليس مستغرباً كل ذلك، فربما جاء هذا الفعل، خصوصاً لعْق البوظة أثناء التجول من قبل الزعيمين، كما لو أنه أراد أن يكسر صورة الديكتاتور، الطاغية، المتجبّر، كما لو أنه تقصّد التأكيد أن الطاغية في النهاية بشر، يلعق ويتنفس وينام ويطلق النكات.

الغريب في الفيديو هو كلام بوتين للبائعة بعد أن سلّمها نقود البوظة، عندما علّق بالقول: “أعطي الباقي لوزير التجارة والصناعة”، قبل أن يستدرك “من أجل تطوير الطائرات”، ليضحك الرجل (الوزير)، موضوع النكتة، ويضحك الجمْع. الباقي يعني تقريباً “البقشيش” الذي غالباً ما يُترك للبائع، ليجد به شيئاً يشربه. لكن البقشيش يذهب هذه المرة إلى وزير التجارة شخصياً، ومن أجل صناعة الطائرات!
وحده ديكتاتور قادر على أن يهين رجلاً بهذا المستوى في بلده، بل ويهين البلده برمته، من دون أن يقدر أحد (في الغالب) على انتقاده.

كاتب فلسطيني سوري

المصدر : القدس العربي

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here