رائد وحش: صور الأب كاتبًا

0

أبوّة واشتهاء

ثلاثٌ من الروايات الإنجليزية الأساسية: “روبنسون كروزو“، “أليس في بلاد العجائب“، “جزيرة الكنز“.. كُتبت بدافع من نزعة الأب لدى كلّ من مؤلفيها، فدانيال ديفو كتب “روبنسون كروزو” وهو في الستين من عمره، لأنه احتاج إلى المال كي يساعد بناته الموشكات على الزواج، ولم يضع اسمه على غلاف الكتاب ليُوحي أن كروزو نفسه كتبه بوصفه سيرته الذاتية. لعب ديفو اللعبة نفسها في كتب لاحقة، وبالطبع حقّق الكتاب نجاحًا كبيرًا وقت صدوره وحلَّ للمؤلف مشكلته كأب.أما لويس كارول فبدا أبًا لأليس، ابنة صديقه وزميله، التي لم يكتب لها “أليس في بلاد العجائب” وحسب، بل جعلها فيه وجعله عنها. كارول كان في الثالثة والثلاثين حين نشر الكتاب. وهناك رواية تتكرّر دومًا حول نزعة بيدوفيلية راسخة فيه، إذ يقال إنه تقدّم ليطلب أليس للزواج، فما كان من أبيها إلا أن طرده.

النسبة إلى روبرت لويس ستيفنسون فكتب “جزيرة الكنز” وهو في الثالثة والثلاثين من عمره على شكل قصة كي يمتّع بها ابن زوجته، ثم حوّلها إلى الرواية التي نعرفها لتكون إحدى أبرز الأعمال في أدب المغامرات.

على الرغم من اختلاف الدوافع الأبوية وراء كتابة هذه الأعمال، إلا أنها تحمل قيمة خاصة لأنها مكتوبة بهدف إسعاد شخص آخر. ومع أن دوافع كارول الأبوية ممزوجة بالشهوة، كما تقول النظرية المشار إليها، إلا أن هناك قصة أبوية فعلية حدثت مع كتابه، فهو أهدى المخطوطة الأولى لأليس، وبعد سنوات طويلة مات فيها الكاتب، وصارت هي أمًّا لابن من رجل آخر، وقع هذا الابن في أزمة مالية فباعت المخطوطة بمال كاف لإنهائها.

كتّاب آباء غير شرعيين

يخبرنا سومرست موم، في كتابه “روائيون عظام ورواياتهم“، أن تولستوي أقام علاقة مع زوجة أحد أقنانه، وأنجبت صبيًّا. وحين كبر الابن غير الشرعي عمل سائق عربة عند أحد أبناء تولستوي الشرعيين. ورغم البعد الأخلاقي العالي عند صاحب “الحرب والسلم” إلا أنه لم يفعل لابنه شيئًا، على العكس من إيفان تورغينيف الذي وُلدت له ابنة غير شرعية، وسعى إلى إسعادها على الدوام.

ترى هل يشير المثالان إلى جانب مظلم في شخصية تولستوي، على النقيض من إنسانية فائقة لدى تورغينيف؟ أم أن الأمر كله متعلّق بالقوانين السائدة في تلك الفترة، حيث تجعل الأرستقراطية من الاعتراف بأبوّة الذكر غير الشرعي أصعب بكثير من الاعتراف بأبوة الأنثى غير الشرعية، لأن ذلك يمنح الذكر حق مقاسمة الأبناء الشرعيين في الميراث، بينما لا يصح ذلك على الأنثى التي لا حق لها في الميراث في الحالتين؟

الفخورون بأهلهم

كلما أُعلنت جوائز نوبل ذهب الجميع إلى الحديث عن الفائزين، من هم وماذا فعلوا، كيف استقبلوا خبر الفوز. هذه أشياء اعتيادية نعيشها سنويًّا، أما ما لا نعرفه فهو ما يحدث لعائلات الفائزين الذين تكتسب الجائزة عندهم معنىً آخر، فهي فخر بلا شك، لكنها أيضًا فوز للرهان على من يحبّون. وهذا ما نراه في علاقة أورهان باموق بابنته رؤيا (الكلمة بالتركية كما بالعربية تشير إلى معنى الحلم) المولودة عام 1991، والتي تظهر صورها معه خلال حفل تتويجه بنوبل للأدب عام 2006.

اسم رؤيا موجود في بال والدها قبل مجيئها، فهي سَمِيَة بطلة “الكتاب الأسود“. ووالدها كتب عنها كثيرًا في كتابه “ألوان أخرى”. مع ذلك، فإن رؤيا التي تظهر في صور كثيرة مع والدها تبدو صديقة أكثر من كونها ابنة.

في كتاب “وداعًا غابو ومرسيدس” الذي صدر منذ أشهر، يكتب رودريغو غارسيا، ابن غابرييل غارسيا ماركيز، عن والده بكثير من الحبّ، راسمًا صورة أخرى له بوصفه أبًا له وجدًّا لبناته، فلكونهن يعشن في الولايات المتحدة ويسمعن أن جدهن مشهور دون رؤية أي دليل على ذلك، حتى كنّ بصحبته في مكسيكو ستي ودعاهن إلى مطعم، والمفاجأة للحفيدات أنه ما إن رأى الناس ماركيز داخلًا حتى وقفوا وبدأوا بالتصفيق.

قال رودريغو إن البنات بقين مذهولات لزمنٍ طويلٍ. وروى لنا في الكتاب وجهًا آخر لا نعرفه عن ماركيز في منزله، إذ يأخذ قيلولة يوميًّا ويطلب من ولديه أن يوقظاه إن طال نومه، وكلما فعلا بدأ بالصراخ والتلويح بيديه عدة دقائق حتى يستوعب أنه خارج من كابوس.

*الترا صوت