رائد وحش: صورة بحاجة إلى ترميم

0

محزنٌ جدًّا استعمالُ هذه الحرب، بخرابها وآلامها، في سبيل صناعة دعاية إنسانية للغرب الذي يريد أن يُظهر نفسه متعاطفًا بلا حدود مع أوكرانيا دولةً وشعبًا من جانب، وصلبًا موحّدًا كما يجب للحضارة أن تكون في وجه البربرية الروسية من جانب آخر.

محزنٌ أيضًا أن تكون الصورة التي يرسمها الإعلام تنحو إلى تبسيط الأمور بطريقة مانوية؛ خير وشرّ، ظلام ونور.. لتكون القصة في النهاية قصة بلد كبير يريد ابتلاع بلد صغير. وبينما تعاني أوكرانيا من العنفَ والدمار وخطر التقسيم وضبابية المستقبل، يبيح الغرب لنفسه أن يجعلها خندقًا يفصله عن عالم الشرّ الروسي.

يسيطر على المشهد العالمي سعيٌ حثيث لطرد روسيا، لا من السياسة والاقتصاد، بل حتى من المجتمع الإنساني كله، وعلى نحو غريب نوشك معه على تخيّل خرائط العالم لم تعد تحتوي بلدًا اسمه روسيا بعد الآن.

يفهم المتابع أن تُطرد روسيا من سياسة العالم، ومن اقتصاده أيضًا، لاعتدائها على استقلال الدول والشعوب، ولأسبابٍ غربيّة عديدة، منها دفع نظام بوتين إلى الانهيار، ومنها قطع الطريق على الدولة الروسية حتى لا تشكّل خطرًا مستقبليًا في موقعةٍ أو تحالف محتلمين، وكذلك للتخلص من عبء الاعتماد عليها في قطاع الطاقة، لكنّ ما لا يمكن استيعابه على الإطلاق هو أن تدفعَ روسيا، بلدًا وناسًا، فاتورةً تترتب أساسًا على طاغية مغرور، ناهيك أصلًا أن أمرًا كهذا لم يحدث لألمانيا في حقبتها النازية، فمن الذي توقّف آنذاك عن قراءة كتب الألمان ومشاهدة أفلامهم والاستماع إلى موسيقاهم؟

نعرف جيدًا أن في عالمنا المعاصر جانبًا تجاريًّا للثقافة والفن والرياضة، لكن على الرغم من بؤس هذه النظرة الربحية الجائرة يمكن النظر إلى إخراج روسيا من هذه الحقول بوصفه إجراءً اقتصاديًا في الصميم، إنما على مدى طويل جدًا، فلن يتسنى للرياضيين الروس أن يفوزا في البطولات الدولية، ولن تأتي المنتجات السينمائية والموسيقية لتنافس منتجات الغرب. وحيث جرت العادة أن يأتي السلام بعد انطفاء النيران، عبر التقاء الدول واتفاقها، إلا أن هذه الإجراءات تأتي لكي لا يُترك لروسيا أي مجال للتعافي، ولتبقى جريحة حتى بعد زمن الحرب، وضمن هذا المسار يصبح الخلاص منها مضمونًا.

ساعدت الحرب على أوكرانيا الغرب في أمرين؛ التوحُّدُ من الداخل، إذ أعلنت الأحزاب والقوى جميعها موقفًا واحدًا، وتقاربُ جميع البلدان في تحدٍّ مزدوج يريد التحرّر بصلابة من الاعتماد على الطاقة الروسية من جهة، والاندفاع بذعر نحو الاحتماء بالولايات المتحدة من جهة أخرى.

هناك نقطة مهمة للغاية تحكم عملية الهيمنة نراها في الصور النمطية. فهذه الصور ترسمها جماعة لتكون تعبيرًا عن التراتبية الهرمية الاجتماعية التي تحدّد الأعلى والأدنى. وحين نرى أنه لطالما ركّزت الصور النمطية الغربية جهدها على الروس والصينيين والعرب، فهذا يعني أنها بالغت بذلك لأنّ هؤلاء هم أكثر من يشكّل خطرًا، ولا بدّ من الحط من شأنهم، وبالطبع ليست صدفة أن جميعهم من أبناء الثقافات القديمة. من وجهة النظر الغربية؛ صحيح أنهم عظماء في الماضي لكنهم اليوم مجرد مجانين. وحين يستغل الغرب هذه الحرب الجائرة بحق أوكرانيا فإنه يحتاج إلى ضعفاء، ولأنّ إضعاف روسيا جرى دومًا عبر الصور النمطية بل يكن النظر إلى إعلان الحرب عليها، في جوانبَ لا تتصل بالحرب، إلا على أنه شكل ساطع لإعلان الهيمنة عليها عبر طردها.

ربما من الواجب أن نتذكر أن بدايات انتشار فيروس كورونا شهدت نقمة هائلة على الصين، وصلت في كثير من الأحيان إلى حدّ اتهامها بتصنيع الفيروس عمدًا، أو عدَّهُ “فيروسًا صينيًّا” بحسب ترامب. وربما لولا جدية الجائحة في الفتك خلال السنتين الماضيتين لجرى للصين ما يجري لروسيا.

مجرمة هي روسيا بوتين. شعوب شتى ذاقت من قمعها ومجازرها خلال العقدين الفائتين. مواطنوها سُجنوا. معارضوها تجرعوا السمّ. لكنَّ هناك روسيا أخرى، روسيا الناس والمكان، التي تستحق أن تكون شريكًا في عالم أفضل يُصنع بالتعاون والتقارب لا بالإقصاء والنبذ.

*الترا صوت