دينا علاء الدين: اللاثنائية الجندرية.. روح حائرة بين عالمين

0

حين نتحدث عن الهويات الجندرية اللا نمطية فأول ما يخطر ببال الناس هو حالات العبور الجنسي، مثل حالة ملك الكاشف، فهي الآن امرأة بالكامل بعد الالتزام بعمليات التصحيح اللازمة، لتتلائم مع تصورها بخصوص نفسها كامرأة. أما الأشخاص الذين لا يلتزمون بالثنائية الجندرية فلا يرون أنفسهم كرجال أو نساء كاملين.

ولكن هل هذا الشعور حقيقي؟ وكأنك في المنتصف بين الذكورة والأنوثة، أو ألا تكون أي شيء على الإطلاق مما عرفناه دائمًا.

الدكتورة منى زين، الأستاذة بالجامعة البريطانية المتخصصة في اضطرابات الراشدين، ومن بينها الاضطرابات الجنسية، تقول إن الأمر حقيقي ومثبت علميًا “أن تشعر بأنك غير متلائم مع الأدوار المجتمعية وطرق التعبير التي يحددها لك المجتمع حسب جنسك البيولوجي، كأن تميل الفتاة لتقصير شعرها أو لعب الكرة، أو يميل الفتى لتطويل شعره وارتداء الحُلي”.

وتضيف أنَّ أسباب ذلك الشعور “لا تزال غير محددة ما بين الأسباب التربوية والاجتماعية والبيولوجية والنفسية، لا يمكن الإقرار بسبب واحد وموحد، وفي النهاية كل الدراسات فيما يخص هذا الشأن هي اجتهادات. لكن المؤكد هو أن الأمر خارج عن سيطرة الفرد ولا يخضع لتحكمه”.

ترى زين أن المجتمع ليس مطالبًا بالتقبل، لكن ما يمكنه تقديمه هو “الاحترام وعدم الإساءة للآخر بسبب تعبيره عن نفسه، فكما أنه لك طريقتك الخاصة في التعبير عن نفسك يمكن للآخر أن تختلف طريقته”.

ولكن، حتى مع الدعم والتفهم الذي تقدمه زين لأحرار الجندر فإنها تتحفظ على إطلاق حرية تعبيرهم عن أنفسهم “زي ما المجتمع مطالب يحترمك أنت كمان مطالب تحترم المجتمع، فيه حاجات ممكن نتناقش فيها زي أن الولد يطول شعره أو يلبس خواتم لكن فيه حدود المجتمع بتاعنا محافظ ومش هيتقبلها”.

وتبقى الآمال

عاد بدر لمصر واستقر بها منذ سنة. لم يستسلم لهذا المجتمع المحافظ أو لعدم تقبل أهله. الآن وفي الخامسة والعشرين من عمره بلغ المنطقة التي يمكن له الشعور بالارتياح عندها. ورغم انقطاع شقيقته الكبرى عن التواصل معه، فإن بقية أسرته وشقيقاته بدأوا في إبداء تقبلهم بعد سنوات طويلة من الشجارات، “بقوا فاهمين هويتي بعد بحث ونقاشات كتير، بالذات إن دكتوري الأخير كان صديق لبابا وشخصني باضطراب الهوية الجندرية، وده خلى بابا يتقبل إن مشكلتي حقيقية”. 

الآن، ومع قبول أفضل لذاته، لا يتضايق بدر من معاملة البعض له كامرأة وآخرون كرجل، كما لا يمانع استخدام أي ضمائر في الإشارة إليه “بقيت فاهم أن هويتي تشمل كل حاجة، بحس أني قادر أجمع بين مميزات العالمين، عالم الذكورة والأنوثة”.


اسم مستعار بناءً على طلب المصدر.

** المنصة لا تشجع على تناول أي عقاقير دون استشارة طبيب.

في أحد المتاجر الصغيرة في البحرين صيف 2017، اشترت أمينة* لنفسها أول شفرات حلاقة رجالية، كطالبة محدودة الدخل بلا خلفية مسبقة أو خبرات كافية عما يتعين عليها شراؤه، حصلت على أردأ نوع.

بحماس مغلّف بالتوتر أخفتها في حقيبتها حتى وصلت المنزل. اختبأت في الحمام وبدأت تحلق رأسها. حين انتهت نظرتْ للمرآة وابتسمت. لطالما راودتها الفكرة لكنها خافت. تعلم أنها بمجرد الخروج من الحمام، ستصطدم بفزع والدها وزوجته، وثورتهما العارمة، لكنها شعرت أن الأمر يستحق.

“دايمًا الشعر كان مرتبط بالجندر، الولد شعره قصير والبنت شعرها طويل. كنت باخد تعليقات من زمايلي وأهلي عن شعري القصير وأنه بيخلي شكلي صبياني، قلت خلاص الشعر اللي تاعبكم ده نخلص منه. في تصوري ساعتها أني لما أتخلص من شعري هبقى بتخلص من جندري وفي لحظتها فعلًا حسيت بالتحرر ده”.

نشأت أمينة في مصر وسط أربع أخوات، والتحقت بمدرسة للبنات فقط، وفي هذا الوسط المشبّع بالأنوثة لم تشعر أنها تشبه قريناتها. أقرب أصدقائها كان ابن خالتها الذي اعتاد أن يدعوها “أحمد”، ولكن ذلك لم يضايقها. وكان لديها صديق مقرّب يشاركها اهتماماتها؛ لعب كرة القدم والبلايستيشن والألعاب القتالية، أما والدها فأحب الأمر لأنه منحهما أرضية مشتركة أكثر اتساعًا.

بدأ الفارق يتسع أكثر عند عتبة المراهقة. في الثالثة عشرة، وبينما كانت الفتيات في دوائرهن مشغولات بالأحاديث عن جذب انتباه الشبان والتجمل، كانت أمينة ما تزال ترتدي القمصان الولّاديّة الفضفاضة، بشعر قصير واهتمامات صبيانية ونزعة للتورُّط في الشجارات “صاحباتي كل ما بيكبروا كانوا بيميلوا للأنوثة أكتر، وأنا لسة واقف عند نفس المرحلة. كانوا feminine قوى وأنا كان بيتقال عليا الشمحطجي”.

مش زي البنات

في الخامسة عشرة من عمرها كانت في زيارة لصديقتها الأقرب مشاعل*، كانت غرفتها مشبّعة باللون الوردي وبوسترات لنجومها الذكور المفضلين على الحائط وأدوات التجميل وفرد الشعر مرتبة على التسريحة. تذكرت أمينة غرفتها، الرسومات التي علقتها لشخصياتها الكرتونية المفضلة، البلايستيشن والسيديهات الخاصة به، شعرت بأن غرفتها غرفة لعب بينما غرفة صديقتها أشبه بالمنتجع. توقفت مشاعل عن فرد شعرها بالمكواة للحظة ونظرت لأمينة “انتي بنت بس مابتتصرفيش زي البنات”.

لم تعرف أمينة حينها أنها ستستدعي تعليقًا بتلك البساطة بعد عشر سنين، كأول ملاحظة واعية من الآخرين لهويتها الجندرية المختلفة “حاولت أبين إني متضايق بس لقيت كلامها منطقي، أنا ماكنتش شبههم وده مازعلنيش”.

في المرحلة الثانوية انتقلت أمينة للبحرين وانضمت لمدرسة جديدة مختلطة، وفي أول يوم دراسي استدعتها المشرفة الاجتماعية لتعلق على شعرها القصير وتطلب منها إطالته. علمت أن التعليقات ستتوالى في البيئة الجديدة، وأنها قد تتعرض للتنمر.

مصطلح “بوية” كان يطلق على الفتيات “المسترجلات” كنوع من الوصم، وهو ما لم تريده، فبدأت بمحاولة تقليد الأخريات من أجل الاندماج، انتهت حالما أنهت المدرسة الثانوية. في الإجازة الصيفية قبل بداية الجامعة قصَّرت شعرها وعادت لارتداء ملابسها المعتادة والتصرف على راحتها. 

وفي عام 2014 التحقت بالجامعة، وهناك قابلت الشخص الذي دخلت معه علاقتها العاطفية الأولى. “همت” كان الاسم الذي اختاره لنفسه. كان يكبرها بأربع سنوات، وبدا ذا معرفة واسعة، ويحب خوض نقاشات طويلة مع زملائه. 

 كان همت يعرِّف نفسه بأنه non-binary أي غير محدَّد الهوية الجندرية، وكان المفهوم جديدًا على أمينة، فبحثت على الإنترنت وفهمت القليل. شعرت بأن المصطلح منطقي وقد يصف ما شعرت به على الدوام، لكن الأمر بدا جديدًا وغريبًا “في 2014 ماكانش لسة فيه النوع ده من الحوارات، ومكنتش بلاقي ناس كتير شبهي وماكانش عندي الشجاعة الكافية إني أتخذ المصطلح ده تعريف لهويتي. أنا في الآخر كنت في جامعة محافظة وكل البنات حواليا كانوا بعبايات سودا وكنت لسه بحاول أندمج”. 

أن تكون غير محدد الهوية الجندرية يعني أنك لا تشعر بالانتماء للثنائية الجندرية المحددة سلفًا من ذكر وأنثى. قد تمثّل هويتك الجندرية المغايرة مزيجًا متفردًا ما بين الذكورة والأنوثة، أو ربما لا تمثل أيًا من صفاتهما أو تميل لصالح إحداهما على الأخرى.

ذو الروحين

مفهوم اللا ثنائية الجندرية ليس مستحدثًا، بل تمتد جذوره في ثقافات عديدة، منها سكان أمريكا الأصليين الذيين تبنوا مفهوم ذي الروحين (two spirit) ويصف أولئك الذين يجمعون بين صفات الذكورة والأنوثة.

لم يكن أصحاب هذه الهوية المغايرة منبوذين في مجتمعهم، بل اُعتبرت هويتهم هبة إلهية تضعهم في مناصب قيادية، فهم يجمعون بين حكمة ومعرفة الروحين. وكان مسموحًا لهم ارتداء الملابس بحرية والتعبير عن هوياتهم. وتغير ذلك مع الاستعمار الأوروبي المحافظ ذو الخلفية المسيحية الذي نبذ بعنف كل ما لا يميز بوضوح بين أدوار الرجل والمرأة ويفصل بينهما. 

الآن، ومع بزوغ وعي جديد بالهويات المغايرة والمهمشة، تعترف عدة ولايات أمريكية باللا ثنئاية الجندرية.

خفوت أمينة 

بعد الانفصال عن همت دخلت أمينة علاقتها العاطفية الثانية في عام 2015. بعد ستة أشهر، وفي مكالمة هاتفية، أفصح لها شريكها عن ميوله الجنسية وأنه يميل للذكور والإناث. أخبرته أمينة أنها لا تشعر بأنها امرأة ولكنها لا تشعر كرجل أيضًا، فردَّ بأن الأمر لا يمثل فارقًا بالنسبة له.

كانت تلك المرة الأولى في حياتها التي تشارك فيها شعورها ناحية هويتها الجندرية المغايرة. مشاركة الأمر مع شخص يقبله كان مهمًا لها. بجانب الهوية المغايرة بدأت أمينة تتسائل بخصوص ميولها الجنسية وشعرت أنها قد تميل جنسيًا للذكور والإناث أيضًا.

حين بلغت عامها الواحد والعشرين كانت ما تزال تعرِّف نفسها كامرأة، قبل أن تتعرف على جوش من أحد تطبيقات المواعدة. كان جوش يستخدم ضمائر المذكر والمؤنث سواسية في الإشارة لها. سألها صراحة إن كانت تعرف نفسها كـ non-binary، سألته عن سبب ملاحظته تلك فأخبرها أن الأمر واضح جدًا للعيان.

ميلاد بدر

بدر كان الاسم الجديد لأمينة. “كنت عايز اسم ملوش جندر ومش مرتبط بدين أو ثقافة معينة، يكون شبه أسامي اخواتي عشان يليق، ويبقى سهل على عائلتي تناديني بيه للي مهتم إنه يحاول”.

في عام 2017، حين بلغ بدر عامه الواحد والعشرون، وبعدما تعرف إلى جوش حلق شعره، واستخدم صيغة المذكّر لميله للجانب الذكوري، ولعدم وجود صيغ محايدة في اللغة العربية. واستخدم خافي صدر (binder) حصل عليه من أحد أصدقائه العابرين جنسيًا.

بدأت أسرة بدر بالتساؤل وخلق الشجارات، “ايه اللي حصل؟” كان السؤال الأبرز. لم يعرف بدر كيف يفسّر الأمر حتى أخبره طبيبه بأنه قد يكون مصابًا باضطراب الهوية الجندرية “كنت بتضايق من صوتي الأنثوي، فيه ناس كانت بتفتكرني ولد لحد ما تسمع صوتي. كمان ماكنتش مرتاح مع جسمي ومعالمه الأنثوية، لحد ما رحت الجيم وبدأت أكوّن عضلات وارتاح مع جسمي أكتر”.

في 2019 لم يعد بدر يشعر أن إخفاء صدره أو تكوين عضلات أمور تكفي ليشعر بارتياح تام مع جسده. بشعور غامر بالاكتئاب لم يعد خيار الاندماج أو الالتفاف حول الشعور بعدم الانتماء ممكنًا. بدأ بخلق عزلة اختيارية “كنت بخاف أتكلم قدام الناس عشان صوتي”.

 كالعديد من الأشخاص الذين تابعهم على وسائل التواصل الاجتماعي من العابرين جنسيًا وغير محددي الهوية الجندرية، فكّر بدر في استخدام الهرمونات**.

اقترح الأمر على نوح* صديقه المقرب الذي عرف نفسه كرجل عابر جنسيًا. في البحرين لم تكن الهرمونات متوفرة في الصيدليات كما أن الرعاية الطبية اللازمة لم تكن متاحة. هناك خيار العبور الجنسي ليس مطروحًا، طبيًا كما قانونيًا، الأمر الذي ذكره الطبيب النفسي لبدر مسبقًا “ممكن تكون غير محدد الهوية الجندرية لكن مافيش شيء تقدر تعمله بخصوص ده أو أقدر أقدمه ليك، كل المتاح قدامك دلوقتي أنك تستنى تخلص دراستك وتسافر”. بدا الانتظار غير مريح. 

أصر بدر على استخدام الهرمونات رغم اعتراض أسرته، و عن طريق أصدقائه حصل على الهرمونات التي يأخذها الرجال في الجيم لبناء العضلات. الأمر الصعب كان الحصول على الحقن. كان من غير الممكن أن تحصل عليها من الصيدلية بالسهولة التي يتم بها الأمر في مصر. حينها كلف صديقه نوح، الذي كان من السعودية، أن يهرب بعض الحقن معه من السعودية للبحرين.

الجرعة الأولى

في شقة نوح أُعدت الجرعة الأولى من الهرمونات لبدر ؛ “أول ما التستوستيرون دخل جسمي حسيت بفرق، وفي خلال يومين بدأت أحس أني أحسن نفسيًا”. 

بدأت التغييرات بالظهور خلال شهر مما شجع نوح للبدء في أخذ الهرمونات مع صديقه. بعد عامين وصل بدر للمرحلة التي شعر عندها بالارتياح مع صوته وهيئته. أصبح صوته ذكوريًا، أكتافه عريضة، ملامحه الذكورية أبرز، وبدأ شعر ذقنه يظهر. على الرغم من ذلك، خشيَ أن يتحول إلى رجل كامل إن تابع الهرمونات.

بعد الخروج من قالب التصنيف كامرأة لم يرغب بدر أن يصنّف رجلًا. وحين شعر أنه وصل إلى ما يبقيه في المنتصف تقريبًا، حيثما يريد، أوقف الهرمونات تمامًا “بقيت ممكن أتعامل كراجل أو كست. أحيانًا بحس إن الهرمونات هي اللي أنقذت حياتي”.

حلم غير مكتمل

مقابل إدراك بدر لاختلافه ورغبته أن يستمر في تلك المنطقة الوسطى، هناك من لا يزال عالقًا في جسد لا يعبر عنه، في منطقة جغرافية متحفظة لا تسمح بالتغيير.

في محافظة الدقهلية شماليّ مصر، تسكن جوي التي وُلدت كذكر، لكن في العشرينات من عمرها شعرت أن لها هوية جندرية مغايرة لما فرضه عليها الواقع، وحينها انهار عالمها كما كانت تعرفه.

لم تشعر جوي بالتوافق مع هويتها كذكر، ولكنها على الجهة الأخرى لا ترى نفسها كامرأة، وإنما مزيجًا متفردًا بين الهويتين، أي “لا ثنائية الجندر”.

ما زالت جوي تعيش بمنزل أهلها، وتتمنى لو كان بإمكانها الاستقلال والحصول على رفاهية الاختيار فيما يخص جسدها وتعبيرها عن هويتها، لكن عدم استقلالها عن أسرتها عرقل ذلك “لو عملت اللي أنا عايزاه أهلي عمرهم ما هيتقبلوني وهفضل أشوف في عنيهم الأسى، وليه عملتي فينا كده”.

تتمنى جوي لو بإمكانها الاحتفاظ بشعرها الطويل وارتداء فستان دون أن يضايقها الآخرون في الشارع أو أن يُنظر لها بنظرات استنكار وكلمات “يا واد يا بت” تلاحقها. أن تتملك رفاهية النظر في المرآة دون أن يلاحقها وصم الآخرين الذي يثقل على عاتقها الشعور بالانزعاج الجندري.

لا يسع جوي بدء العلاج الهرموني، أو حتى ارتداء الملابس التي تريحها، أو الإفصاح عن هويتها لـعائلتها والمحيطين بها، أو اللجوء لعون طبيب نفسي مناسب، ولذا تعاني حاليًا الاكتئاب.

بعد فقد وظيفتها، بسبب “بيرسنج” في الأنف، وبقائها في المنزل بدأت بالقيام بالشيء الذي تحبه، وهو التصميم، الذي تعبر به عن هويتها وقضيتها.  

وهو ما تعتبره نضالًا ضد سلطة اجتماعية وسياسية لا تعترف بأمثالها “أنت هتحرمني من التمثيل بشخصيات تشبهني باللغة اللي اعرفها، و بامتلاكك للأدوات والفلوس اللي تساعدك على التحكم باللي بيوصلنا، عن طريق التسلط على حركة الترجمة وصناعة المحتوى. بس هتلاقيني بواجهك في الفضاء الرقمي بحكاياتي وصوتي”.

ضمائر حرة

في اللغة الإنجليزية يمكن استخدام ضمائر محايدة مثل it/they/them، وبات استخدامها الآن شائعًا في الإشارة للمفرد في حالة كونه أو كونها حر أو حرة الجندر. أما في اللغة العربية فلا يسع بدر وجوي استخدام ضمائر غير منمطة جندريًا، ولذلك يستخدم بدر ضمائر مذكرة لشعوره بميل أكبر نحو الذكورة حتى لو لم يكن ميلًا تامًا، بينما تفعل جوي العكس “بحاول أستخدم لغة حرة الضماير في الإشارة لنفسي بس اللغة صعبة التطويع”.

الكاتب والمترجم نائل الطوخي يرى أن “الاحتياج الملح هو اللي بيعمل فرق في اللغة. يعني لو فئة أحرار الجندر بقت منتشرة في المجتمع وبقى فيه احتياج ملح لتسميتهم ممكن ساعتها تتواجد ضماير محايدة تفرض نفسها على الشارع. الميكانيكي مثلاً بيخترع أسماء جديدة وغريبة لأسماء أجزاء الأجهزة لأنها شيء حيوي ومحتاجه في حياته اليومية. اللغة في النهاية بدأت بكلام الناس وتسمياتهم للأشياء والاختبار الحقيقي لأي شيء جديد على اللغة هو استخدامهم ليها”.

ويتخذ نائل من المفردات التي تتعلق بالمثليين مثالا “المثليين فرضوا نفسهم على الشارع وبقى ليهم مسمياتهم حتى لو كانت ليها طابع سلبي، فالطابع ده ممكن يتغير مع الوقت. كلمة مثلي بدأت أساسًا في الألفينات على إيد المثقفين ودلوقتي مابقاش شيء غريب أنك تسمعها في الشارع”. 

الكعكة الجندرية

حين نتحدث عن الهويات الجندرية اللا نمطية فأول ما يخطر ببال الناس هو حالات العبور الجنسي، مثل حالة ملك الكاشف، فهي الآن امرأة بالكامل بعد الالتزام بعمليات التصحيح اللازمة، لتتلائم مع تصورها بخصوص نفسها كامرأة. أما الأشخاص الذين لا يلتزمون بالثنائية الجندرية فلا يرون أنفسهم كرجال أو نساء كاملين.

ولكن هل هذا الشعور حقيقي؟ وكأنك في المنتصف بين الذكورة والأنوثة، أو ألا تكون أي شيء على الإطلاق مما عرفناه دائمًا.

الدكتورة منى زين، الأستاذة بالجامعة البريطانية المتخصصة في اضطرابات الراشدين، ومن بينها الاضطرابات الجنسية، تقول إن الأمر حقيقي ومثبت علميًا “أن تشعر بأنك غير متلائم مع الأدوار المجتمعية وطرق التعبير التي يحددها لك المجتمع حسب جنسك البيولوجي، كأن تميل الفتاة لتقصير شعرها أو لعب الكرة، أو يميل الفتى لتطويل شعره وارتداء الحُلي”.

وتضيف أنَّ أسباب ذلك الشعور “لا تزال غير محددة ما بين الأسباب التربوية والاجتماعية والبيولوجية والنفسية، لا يمكن الإقرار بسبب واحد وموحد، وفي النهاية كل الدراسات فيما يخص هذا الشأن هي اجتهادات. لكن المؤكد هو أن الأمر خارج عن سيطرة الفرد ولا يخضع لتحكمه”.

ترى زين أن المجتمع ليس مطالبًا بالتقبل، لكن ما يمكنه تقديمه هو “الاحترام وعدم الإساءة للآخر بسبب تعبيره عن نفسه، فكما أنه لك طريقتك الخاصة في التعبير عن نفسك يمكن للآخر أن تختلف طريقته”.

ولكن، حتى مع الدعم والتفهم الذي تقدمه زين لأحرار الجندر فإنها تتحفظ على إطلاق حرية تعبيرهم عن أنفسهم “زي ما المجتمع مطالب يحترمك أنت كمان مطالب تحترم المجتمع، فيه حاجات ممكن نتناقش فيها زي أن الولد يطول شعره أو يلبس خواتم لكن فيه حدود المجتمع بتاعنا محافظ ومش هيتقبلها”.

وتبقى الآمال

عاد بدر لمصر واستقر بها منذ سنة. لم يستسلم لهذا المجتمع المحافظ أو لعدم تقبل أهله. الآن وفي الخامسة والعشرين من عمره بلغ المنطقة التي يمكن له الشعور بالارتياح عندها. ورغم انقطاع شقيقته الكبرى عن التواصل معه، فإن بقية أسرته وشقيقاته بدأوا في إبداء تقبلهم بعد سنوات طويلة من الشجارات، “بقوا فاهمين هويتي بعد بحث ونقاشات كتير، بالذات إن دكتوري الأخير كان صديق لبابا وشخصني باضطراب الهوية الجندرية، وده خلى بابا يتقبل إن مشكلتي حقيقية”. 

الآن، ومع قبول أفضل لذاته، لا يتضايق بدر من معاملة البعض له كامرأة وآخرون كرجل، كما لا يمانع استخدام أي ضمائر في الإشارة إليه “بقيت فاهم أن هويتي تشمل كل حاجة، بحس أني قادر أجمع بين مميزات العالمين، عالم الذكورة والأنوثة”.


اسم مستعار بناءً على طلب المصدر.

** المنصة لا تشجع على تناول أي عقاقير دون استشارة طبيب.

***موقع المنصة