ترجمة وتحرير فريق نون بوست
عند ترويجهم لصفقة القرن التي لم تنشر بعد، قال عرّابوها الرئيسيون إن “الفلسطينيين ليسوا قادرين على حُكم أنفسهم إلى حد الآن” (صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر). أما سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، فقد أكد أن لإسرائيل الحق في ضم أجزاء من الضفة الغربية. ومن جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الصفقة بحد ذاتها من المحتمل أن لا تُنفذ. بوجود أصدقاء مثل هؤلاء، من يحتاج إلى أعداء؟
القضاء على خطة السلام
لقد دمّر عرابو صفقة القرن أي أمل في تطبيقها من خلال ترسيخهم لمكاسب إسرائيل دون خجل ودحض أي احتمال لقيام دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمة لها، فضلا عن تجاهلهم لتاريخ اللاجئين الفلسطينيين الطويل. وقد قضوا على أيّ إمكانيّة لوضع اتفاقية سلام تقوم على مبدأ التعايش السلمي بين دولة ذات أغلبية يهودية جنبًا إلى جنب مع دولة فلسطينية، والتعامل معها كجار متكافئ ومستقر. وقد ظل هذا الوهم بإنشاء دولتين مستقلتين لفترة طويلة مطروحًا على طاولة المفاوضات الدولية، علمًا بأنه استحوذ على المفاوضات لحوالي ثلاثة عقود ولا يزال متواجدًا في جوهر السياسة الأوروبية.
ينتمي كل من كوشنر وفريدمان، اللذين يرفضان ما يعرف بحل الدولتين، إلى طائفة الزيلوت اليهودية المتعصبة ويؤمنان بأن الغلبة ستكون لإسرائيل في هذا الصراع
بعد توقيع اتفاقية أوسلو، لم يكن لدى الطرفين على مدار 26 عاما حلّ سوى المضي قدمًا في عملية السلام. وفي الحقيقة، لم تضع القيادة الفلسطينية، التي تعترف بإسرائيل، نهاية لعملية السلام هذه من تلقاء نفسها. ولم تكن الفصائل الرافضة لاتفاقية أوسلو، على غرار حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي أو حزب الله، سبب انهيار هذه الاتفاقية. وعلى العكس من ذلك، قامت حركة حماس قبل إعادة صياغة ميثاقها، بهدف تقليل الفجوة بينها وبين حركة فتح، بقبول الخط الأخضر لسنة 1967 كأساس للمفاوضات.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو برفقة سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، يصلي على حائط المبكى في مدينة القدس القديمة يوم 21 آذار/ مارس.
ينتمي كل من كوشنر وفريدمان، اللذين يرفضان ما يعرف بحل الدولتين، إلى طائفة الزيلوت اليهودية المتعصبة ويؤمنان بأن الغلبة ستكون لإسرائيل في هذا الصراع، وهما يعتقدان أن كل ما يتطلبه الأمر هو تقبل الطرف المهزوم لهذه الحقيقة والحصول على أموال في المقابل.
هل أُنجِزت المهمة؟
لا تتعدى صفقة القرن كونها أكثر من مجرد إعلان عن اكتمال المهمة، مثلما فعل الجنود الذين قاموا بغزو منطقة الشرق الأوسط. لكن يُعلمنا التاريخ أن مثل هذه التصريحات سابقة لأوانها. ومن جهته، كشف كوشنر، الذي كانت كل جولة يقوم بها تتسبب في كارثة في العلاقات العامة، عن ذلك في مناسبات عديدة لعل آخرها في مقابلة أجراها مع روبرت ساتلوف، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، حيث أعلن أن مسعاه في إيجاد حل للأزمة الإسرائيلية الفلسطينية كان مبنيّا على “الحقيقة”.
وأضاف ووجهه متورّد من السعادة “إن الرئيس ترامب قال إنه سيدرك أخيرًا حقيقة أن القدس هي عاصمة إسرائيل”
تتمثل الحقيقة الأولى في أن القدس هي عاصمة إسرائيل، أما الحقيقة الثانية فتتعلق بملكية إسرائيل لمرتفعات الجولان منذ 52 عاما؛ لذلك هو يعتقد أنه لا ينبغي طرح تساؤلات حول هذا الموضوع نظرًا لأن هذه المنطقة يجب أن تكون جزءًا من إسرائيل. فهل تتمثل الحقيقة التي يتحدث عنها كوشنر في الاعتراف بالواقع أم الحقائق المتواجدة على الأرض؟
أشار كوشنر مرة أخرى إلى هذه “الحقائق” خلال خطابه الافتتاحي في حفل افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، حيث قال: “أنا فخور جدًا اليوم لوجودي في القدس، القلب الأبدي للشعب اليهودي”. وأضاف ووجهه متورّد من السعادة “إن الرئيس ترامب قال إنه سيدرك أخيرًا حقيقة أن القدس هي عاصمة إسرائيل”.
تعني الحقيقة التي يتحدث عنها كوشنر تحقيق القدر الإلهي. ويعتبر كل من كوشنر وفريدمان من أشرس الأعداء للصهيونية الليبرالية التي كانت مشروعًا علمانيًا، لأنهم يعتقدون أنهم مبعوثون في مهمة من قبل الله. وعند الاستماع إلى نفس الخطاب الذي ألقاه كوشنر، حيث وصف إسرائيل بأنها جنة على الأرض، ذلك أنها “المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي يعيش فيه اليهود والمسلمون والمسيحيون ويمارسون فيه العبادة بحرية… والأرض الحامية لحقوق المرأة… وواحدة من أكثر المناطق حيوية في العالم”، ستكتمل حينها الصورة لديك.
أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين يشاركون في اعتصام مناهض لزيارة كوشنر إلى الأردن، بالقرب من السفارة الأمريكية في عمان يوم 28 أيار/ مايو 2019.
بالنسبة لكوشنر، لا وجود لحقيقة أو تقرير مصير أو طموح وطنيّ أو تاريخ أو ماء أو أرض أو بساتين زيتون لغير إسرائيل في الأرض الممتدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، ويجب على الفلسطينيين قبول هذه الحقيقة ببساطة. ويقع تنفيذ كل ما يفكر به كوشنر وفريدمان على أرض الواقع من قبل المستوطنين. فبينما كان مزارعو قرى المغير وكفر مالك يستعدون للاحتفال بعيد الفطر، قام المستوطنون الإسرائيليون بإضرام النار في محاصيلهم. وبينما كان كوشنر يقوم بجولة في الشرق الأوسط، حاول رون ديرمر، سفير إسرائيل في واشنطن، منع مرور قرار مشترك بين الحزبين في مجلس الشيوخ يؤيد “حل الدولتين”.
بدا أن كوشنير فوجئ عندما علم أن غالبية الأشخاص في الغرفة ينتقدون خطته وأخبروه أن الملك سلمان أكد على ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين”.
إن الإدلاء بمثل هذا التصريح بوضوح وحزم شديدين بالنيابة عن أكبر داعمي إسرائيل يعتبر بمثابة تعجيلٍ ببلوغ اليوم الذي ينتهي فيه مشروع تأمين الدولة القائمة على مبدأ التفوق الديني. لهذا السبب، أنا ممتن للغاية لكوشنر وفريدمان لأنهما يقومان بعمل تهديمي جيّد. لكن هناك أسباب أخرى أيضا.
ورشة البحرين
لقد كان من الصعب للغاية إقناع الزعماء العرب بحضور المؤتمر الاقتصادي، الذي أصبح ورشة عمل، المزمع عقده في نهاية هذا الشهر في البحرين حيث كان من المقرر جمع أموال لدعم هذه الصفقة. ويبدو أن كلًا من الأردن ومصر والمغرب وقطر قد وافقوا على حضور هذا المؤتمر، لكن ترددهم في اتخاذ أي قرار واختيارهم الاستماع فقط يستند إلى إدراكهم أنه لا يمكن لرئيس دولة عربي أن يؤيّد مثل هذه الخطة.
لقد قيل إن كوشنر فوجئ بمستوى المعارضة الذي تلاقيه خطته من قبل أصدقائه. وحسب محادثة عبر تطبيق واتساب لكوشنر، قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بجمع مجموعة تركيز تتألف من مسؤولين حكوميين ومثقفين ومحررين في الصحف لاختبار صفقة القرن. وفي هذا الصدد، قال مصدر لصحيفة “واشنطن بوست”: “بدا أن كوشنير فوجئ عندما علم أن غالبية الأشخاص في الغرفة ينتقدون خطته وأخبروه أن الملك سلمان أكد على ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين”.
عندما يُفكر كوشنر في هذه النقطة سوف يفهم أن المحادثات الخاصة التي أجراها مع الزعماء العرب ليست مصدرا موثوقا للمعلومات. ويجب عليه عدم الوثوق في المحادثات السرية نظرا لأنه لا يمكن الإفصاح عنها في العلن.
النضال الفلسطيني
رغم تهميش القضية الفلسطينية بسبب اندلاع الانتفاضات العربية سنة 2011 والثورة المضادة وظهور جماعات تنظيم الدولة، تمكنت صفقة القرن من دفع النضال الفلسطيني مجددًا إلى مركز اهتمام السياسة العربية. وبمجرد عودة موضوع النضال الفلسطيني إلى الأضواء مجددًا، لا يمكن لأي حكومة عربية أن تتجاهله أو تفعل أي شيء آخر غير دعم الصفقة التي يوافق عليها الفلسطينيون أنفسهم. ومرة أخرى، يعد ذلك إنجازًا لا يستهان به ويجب تهنئة كوشنر وفريدمان عليه. وفي الحقيقة، تقدم صفقة القرن فرصة مهمة لأكثر الأشخاص المتضررين منها. وبمجرد معرفة أن الفلسطينيين لن يحصلوا على دولة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي، سوف يُصعب ذلك المهام على القيادة الفلسطينية.
ما الذي يجب فعله؟
تتمثل المهمة الأولى في خلق التنافس والكبرياء والمصالح الشخصية حول قضية توحيد القيادة المؤلفة من جميع الأحزاب. ولا يمكن لأي قائد من حركة فتح الاستمرار في معاملة حماس كعدو أكبر من إسرائيل. ولا يمكن لأي زعيم فلسطيني أيضا أن يمثل شعبه إذا تعرض للتدقيق من قبل إسرائيل وواشنطن أولا.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القمة العربية الثلاثين التي انعقدت في تونس يوم 31 آذار/ مارس الماضي.
إذا كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرغب حقا في إرسال إشارة إلى إسرائيل تتعلق بصفقة القرن، فسوف يوقف تعاونه الأمني مع قوات الاحتلال. وبذلك، سوف يفهمون الرسالة بين عشية وضحاها. أما المهمة الثانية التي يجب عليه القيام بها فتتمثل في تطوير برنامج مشترك للاحتجاج والعصيان المدني. أما المهمة الثالثة فترتكز على استخدام السفارات الفلسطينية حول العالم للضغط على الدول من أجل الحصول على الاعتراف الدبلوماسي بالدولة الفلسطينية والضغط على جل الأحزاب السياسية في أوروبا لجعل عملية الاعتراف أمرا واقعا. وتجدر الإشارة إلى أن اللوبي المؤيد لإسرائيل النشط للغاية في جميع أنحاء العالم لا يمكن محاربته بالتقاعس، لذلك ينبغي على الفلسطينيين التحرك.
نهاية الصراع
تشكل العديد من العناصر أساس نهاية هذا الصراع، ويعتبر عرض حماس الذي قدمته بشأن هدنة طويلة الأجل أحد هذه العناصر. أما جيل ما بعد اتفاقية أوسلو من الشباب الفلسطيني الذي يتوق إلى القيادة فيعتبر عنصرا آخر. أما العنصر الثالث، فيتمثل في الجيل الجديد من الفلسطينيين الذي يرغب في تحرير فلسطين ويعتبر مطلب المساواة حجر الزاوية في المرحلة التالية من هذا الصراع. ويمثل خيار الدولة الواحدة الخيار الوحيد القادر على توحيد جميع الفلسطينيين وتحريرهم في النهاية من الأحياء التي وقع تشييدها لهم بعناية. لكنه الخيار الوحيد غير المطروح على طاولة المفاوضات.
لا أعتقد أن الشعب الفلسطيني، الذي عانى الكثير خلال العقود السبعة الماضية، سوف يستسلم. إن فرضية استسلام الفلسطينيين الآن ضئيلة أكثر من أي وقت مضى
في المقابل، ينتشر نقاش بين أولئك الذين يتابعون أدق التفاصيل المتعلقة بهذه الأحداث الذي يتساءلون عن مدى الحاجة إلى إعلان سياسي، في الوقت الذي يحصل فيه نتنياهو على كل ما يحتاج إليه: القدس ومرتفعات الجولان وقطع التمويلات عن منظمة الأونروا. وقد وقع التعبير عن ذلك بطرق عدة، لعل أبرزها تصميم صفقة يعلمون جيدا أن مآلها سيكون الفشل حتى يتمكن كل من نتنياهو وترامب من تقديم ذريعة للعالم تبين أنه لا يوجد شريك لتحقيق السلام.
خط في الرمل
ما زلت أعتقد أنه سيقع نشر صفقة القرن، على الرغم من أنه كلما تأخر إطلاقها زاد تعارضها مع حملة إعادة انتخاب ترامب. وعلى غرار معايير كلينتون، ستكون هذه الصفقة بمثابة خط في الرمل سيكون الغرض منه دفن جميع الخطوط الأخرى التي رُسمت قبله، ولا سيما الخط الأخضر لسنة 1967 الذي اختفى تماما.
عادة ما تكون الخطط قاتلة مثل الرصاص. وعند السماح برسم هذا الخط في الرمل، قد يقبل الفلسطينيون بالحصول على أموال مقابل ذلك والاستسلام. لكنني لا أعتقد أن الشعب الفلسطيني، الذي عانى الكثير خلال العقود السبعة الماضية، سوف يستسلم. إن فرضية استسلام الفلسطينيين الآن ضئيلة أكثر من أي وقت مضى، لهذا السبب أنا متفائل.
المصدر: موقع ميدل إيست آي + موقع نون بوست