خوناف أيوب: كأنك

0

لا أدري لمَ أراك كلّما تنهدت المواويل
وكأنك تعيش في كل أحاديث الجوى
وكأنك الفراق في كل حكايات العشاق
وكأنك آخر يد في كل تلويحات الوداع
وكأنك دموع كل الاشتياقات
وكأنك الندم والزنازين والمنافي
وكأنك وحدك بكل قساوتك تحدث في هذه الحياة
ولا أدري لم أسمع صوتك كلما ذكرت
هل تسكن اسمك؟
إذا كان هذا ممكناً
فسأردده عليّ طيلة العمر
وسأعلق ملمحاً له هنا
على الجدار الخامس قلبي ـ
سأرتبه كجدائلنا المحناة نحن الفلاحات
أتعلم كم نحب جدائلنا في الريف؟
نلين قساوة الحناء بالماء وأغاني الحصاد
نقرأ عليها أسرارنا كالتعويذة
نخفيه من عين الشمس وعين الوشاة
نتركه ينضج على مهله ومهل الانتظار
كنبيذ جنوب القوقاز
نراقبه بشغف من خلف زهر الرمان
وحين يفوح،
كدفء العناق
نطفئ حواسنا غارقات في خيال الحبيب
نحن وهي وجدائلنا…
لكن الذي ألمني جداً
أنني أحببتك أكثر من جدائلي ومن الحناء ومن البلاد…
أمس رأيتك رغم أنك لم ولن تكون هنا
لكني رأيتك،
ضحكنا كثيراً
كنت تقلدني
حين تحدثت عن أرضنا المحتلة
وكدت ان أبكي.
لكنني ضحكت معك عليّ
ضحكت معك على بكائي
ضحكت حتى بكيت
بكيت كثيراً لأنك لم ولن تكون هنا
أهرب من الذين يعرفون كم طللاً لك في روحي
إنهم لا يتركون في الأيام إلا أثرك
تبقى أنت ونحترق أنا والأيام.
لِمَ تعيش في كل الكلمات
هل أنت الأبجدية؟
لِمَ تعيش في كل الوجوه
هل أنت العيون؟
هنا في ذاكرتي خبأتك مني
لا أحد يشبهك
القلاع فقط تشبه بعضها
أشعر بأن غيمة تهطل فقط على القلاع
وفقط عليك..
المطر القديم الذي كنت أحبه
أتذكره؟
كنت أتحايل على الشتاء
كلما لمّ مطره
أتيت إليك لأخبرك أنها تمطر!
رغم أنك كنت هناك تحت المطر ذاته
تلتقط صورة فوتوغرافية لاشتياقك لتلك الغريبة.
أما هنا لم يعد المطر يعنيني
فقط أشعر بالجليد يرفع رايته في عظام الزمن
أتوسد كتف الخيال
عبثاً أحاول القفز من على هذا الوقت
لو أنك لم تكن لئيماً
لم يكن لكل هذا الضياع أن يحدث
لم تكن الرغبة بالركض نحو الحقول لتُقتل
لبقي المطر رفيقاً طيباً،
لبقي الماضي بكل بهائه حاضراً
لبقيت ستائر الدانتيل ترقص للشوارع والمدينة والقطط والمارّة
ولبقيت أنا أضحك على كل شيء
لبقيت أضحك حتى على بكائي.

*القدس العربي