خمس قصائد من ديوان: تتغيّر الأمكنة ولا يتغيّر القلب *

0

فواز قادري، شاعر كردي سوري

مجلة أوراق – العدد 14

الشعر

قوس قزح

: من أي طائفة أنتَ؟

سألتني الفراشة قبل أن تطير البيوت

قبل أن تنكّس الأشجار رؤوسها وتفزع الطير

طائفتي: الأجنحة والمدى

خبز مجبول بعرق الحرية والحب

يعرفني الحجر الذي بلا بيت

وتعرفني ضحكة العاشقة

في الربيع نلتقي يا فراشة الحب

وكل وقت ربيع

كل قصيدة مهر قليل لزرقة السماء

أخضر قلب الفراشة

جناحاها مهرجان ورفيفها قوس قزح.

*****

هروب

 قالت الحرب:

“ليس جميع الذين هربوا من الموت سيّئين”

سيسافر الشاعر عندما ينتهي من دفن المقابر

سأجلس على أوّل رصيف

من المحتمل

أن تمر طائرة خالية من الأسلحة

لن أنتظر رسالة من حرب جديدة

في التلفاز سأتفرج لآخر مرّة

على رئيس برتبة زعيم عصابة

وأبارك الذباب الذي يزيل صوره

من الجدران وأبواب البيوت والمسالخ

لن يرث الذين شاركوا بالجريمة

أي شيء من ثروات الحرب

حبة قمح أو ذرّة سكّر واحدة

سأنتظر امرأة قلبها على لسانها

وأسمعها تغني في الساحات للغرباء والعابرين

سأعتذر من البقرات ومن حليب الشارع

لم يكن عند أمي وقت حتى تربيني كما يشتهي الخوف

شربتني ماء المطر وحليب فرحها

لهذا تفتّح قلبها بأزهاره على لساني.

*****

ولد

ولد وبنت يكتشفان المحرّم والممنوع

يصادر الخوف الفرح من عينيها فيفزع النهار

يهتزّ الشجر القريب وتفرغ الغيوم

لا يتوازن الوقت والمكان

ليس كل ما يصيح من أجله الديك يكون

تتعثّر الأناشيد وتتلعثم الموسيقى

أنا الفتى الذي خجل من ارتجاف شفتيها

أقبلة كانت أم زلزال؟

حرّك الهواء درفة النافذة المكسورة

فصار كل صوت أو حركة

فضيحة بأجراس وطبول

 ماذا تفعلان سألت أمي؟

خجلت وتلعثمت البنت

تبسّم الولد: “نلعب يا أمّي نلعب”

ولم أقل بماذا!.

هشّ أنا يا إلهي!

عمر صلابتي قصير

حين يتعلّق الأمر بخسائر الحب

عمر وردة أعطش وأذبل

مثل بلادي أتفتت وألتأم

أتكسّر مراراً بأشكال شتّى

مرّة أصدر صوت كأس يتهشّم

على أرض من ألماس

ومرة يحتضنني جسد امرأة من حليب

وأصير صحوة الرنين قبل الكسر

يسيل الضوء من ظلي المذبوح

ومرّة كخروف العيد الفتي

نافورة من الدم تخرج روحه

ولم يشبع مأمأة من الدنيا.

***** 

زهور

مشيت وكان الليل حارس الخوف

رأتني جنازة ومشت خلفي

 تبسّم الشهداء وضحكت نساء مكلّلات بالسواد

هذا ليس كل شيء

لم تقل الأشباح كل مالديها

أعين الأمّهات محمّلات بدموع لا تجف

كتبت قصيدة تشبه الرثاء

سال دمع أرملة في وضح حرمانها

تقسّم نهديها بين رجلين

أثر المرحوم على الشفاه والجسد

ويد غريب لأوّل مرّة

تأتيها بالزهور.

*****

شاعر

 أصاحب الأشجار التي تثق بالطيور

أنا الشاعر الأمّي الذي يتقن الحب

لي رغائبي وقصائد الغيب

تعرف صديقاتي الشجرات جميع اللغات

ولكنها تشير ولا تتكلّم

النهر أيضاً يتموّج ولا يتكلّم

الطيور تعرف السماوات

وتعرف من أي جهة تتزيّا الشمس بالصباح وتطلع

وأنا الأمي لا أعرف شيئاّ

ولكني أكشف على كل شيء

تسألني الجهات عن بلادي

أدير رأسي أدمع ولا أقول

أعرف الكثير عن عينيها

ولم يسألني عنهما أحد

وحين أشتاق أدير قلبي إليها

رغم أنني ضعيف بالجغرافية وأمام سطوة الأشواق

أعرف في الحب كل خطوة أولى

كل خطوة في العشق هي خطوة أولى

لا تتشابه مع أخواتها وجاراتها

أضيع في النور وأترك الليل خلفي

كل خطوة في القصيدة هي خطوة أولى

لا تتشابه وأنا أقترب وأبتعد منك

أغادرك أتكلم بإشارة المجانين ولا أسكت

اسمعيني كما تصغين لزخّة من المطر

حنيني يوجع مثل عينيك

تبكيان وتصمتان وأظل أشتعل

وأنا الأمّي أعرف لغة حب واحدة

لغة بآلاف النوافذ والأشرعة.

*****

* تتغيّر الأمكنة ولا يتغيّر القلب   

ديوان جديد معد للطباعة سيصدر قريبا عن: الدراويش للنشر والترجمة