ومن ألوان القول وفنونه: الفَذْلَكة.. وتتجلى على هيئة سلوك مَرَضي، إذ يحاول المريض المُتَفَذْلِك أن يثبت للآخرين أنه فهيم، ومثقف، وديناميكي، فتراه يوشِّي حديثه بأقوال مأثورة، وحكم وأمثال، ومواعظ، ومحطات كلامية من قبيل: برأيي المتواضع، في اعتقادي، في الحقيقة، في الواقع، أنا أرى.. وأعرف متفذلكاً يحفظ أبياتاً من الشعر يدحشها في ثنايا حديثه ليثبت لنا أنه: فهيم ومتعلم ومتثقف، وفوقها: متأدب.
كان الأستاذ حسيب كيالي يكثر من نحت الكلمات التي يمكن ضمها إلى صفات المتفذلكين، فيقول: فلان متعالم (أي مدعٍ العلم)، وفلان مُتَيَاسر (أي مدعٍ اليسارية) ومُتَفَيْقِه (أي: مدعٍ الإلمام بالفقه).. وهكذا.
ولبعضهم هواية باستخدام المصطلحات الأجنبية، مع أن قاموسه بالمصطلحات الأجنبية فقير معدم.. وهنا تحضرني حكايتان طريفتان، أولاهما أن مجموعة من الصديقات والأصدقاء جاؤوا لزيارتي حينما كنت أقيم في مدينة الريحانية التركية سنة 2013، وكان بينهم شاب لا أعرفه من قبل.. وخلال الجلسة شرع ذلك الشاب يتفذلك علينا مستخدماً مصطلحات فلسفية منحوتة بطريقة عسيرة ومقعرة، وبعد أن سرد لنا سلسلة من الأفكار غير المترابطة، وغير المفهومة، قلت له بكل تهذيب وجدية:
– يا أستاذ فلان عذراً، لماذا لا تتحدث بشكل طبيعي، مثلنا؟!
فرد علي بحديث أطول بكثير من سابقه جعل أفواهنا نحن الحاضرين تنفتح على مداها من الذهول، بإصرار غريب على الفذلكة واستغباء الناس.
وأما الحكاية الثانية ففيها أن رجلاً معقداً سافر إلى إحدى الدول الأوروبية، وأثناء وقوفه أمام موظفة الجوازات شرع يتفذلك متحدثاً بالإنكليزية، وقال كلاماً لا مناسبة له، من قبيل: إنني أتيتُ إلى هذا البلد الجميل لكي أتفسح، وأتزوج، وأتفرج على الجمال والأوابد والحيوانات الأليفة، وإنني مخلص لبلدي وأحب قائدي لأن قائدي يريد تطوير الجولان واستعادة الأرض المحتلة ويقف في وجه العالمية الصهيونية. دواليك حتى بلغ قمة الانفعال، وأراد أن يقول للموظفة: أنا سائح، فوقع في خطأ فاضح، سببُه التشابه بين كلمتين إنكليزيتين، إذ قال:
-I am terrorist.. يعني: أنا إرهابي!
وبسرعة فائقة تقدم منه عناصر أمن المطار، واعتقلوه، ولولا أنهم اكتشفوا أنه متفذلك لأرسلوه إلى محكمة الإرهاب!
المصدر : العربي الجديد