تطرق الأستاذ كمال إلى مفهوم اللغة. قال إن اختراع اللغة كان لأجل أن يتفاهم الناس فيما بينهم، ويتمكنَ واحدهُم من الإخبار عن شيء ما، أو السؤال عن شيء ما، أو التغزل بحبيبته، أو الصراخ طلباً للنجدة.
أكد أبو الجود على صحة كلام الأستاذ كمال، وأضاف:
– كلام دقيق، نعم. ثم، ومع مرور الزمن، اختلطت اللغة المكتوبة باللغة المحكية، بلغة العيون.. مثلما حصل مع محمد عبد الوهاب وراقية إبراهيم في السكتش الكوميدي “حكيم عيون” الذي كتبه حسين السيد وقُدِّم في فيلم “رصاصة في القلب”.. في السكتش تأتي “راقية” إلى عبد الوهاب وهي تعاني من وجع في أحد أسنانها (سِنِّتي بتوجعني)، وإذ تفتح فمها لتريه السن يقول لها: أنا مش شايف غير صفين لولي (لؤلؤ). ويخبرها، حينئذ، أنه حكيم عيون، ويفهم، كمان، برموش العين. ولعل أجمل المقاطع هو حين يقول لها: علشان تبطلي تاكلي جْلاس، وتْدَوَّبي في قلوب الناس.
من هنا تكتشف راقية أن عبد الوهاب قادر على “قراءة الأفكار”.. إنته تقدر تقرا أفكاري؟
يعود الأستاذ كمال للحديث محاولاً إغناء الفكرة فيقول:
– قراءة الأفكار لغة أدبية أعلى بكثير من اللغة العادية، لأنها تمتلك قوة في الحدس والتحليل والاستنباط.
ويقول أبو الجود غير عابئ بملاحظة كمال:
– ولكن فأل محمد عبد الوهاب يخيب في ذروة المشهد حينما يسألها إن كان الشخص الذي يسكن قلبها موجود هنا؟ فتقول: بالطبع لأ.
حينما وصلنا في الحديث إلى هذه النقطة ضحك صديقنا أبو سلوم وقال: يا أخي أنت وهو قديش بتحبوا الفلسفة والحكي اللي بلا طعمة؟ أنا هلق بدي أخدكم لعند ابن عمي الأخرس ونحكي أنا وهو، ومنفهم على بعضنا من دون أي صعوبة.
كنا، في تلك الأيام، نعيش في الحد الأدنى للمعيشة، مفردات حياتنا بسيطة، وطموحاتنا لا تتجاوز أن يعيش واحدُنا حياته بشرف، ويموت على الإيمان، وحينما يأتي الأحياء على ذكره بعد موته يترحمون عليه ويقولون:
– هي شهادة لله، كان رجلاً طيباً.
لذلك لم نجد ما يمنعنا من مرافقة أبي سلوم إلى بيت ابن عمه الأخرس، وشاهدنا فصلاً تمثيلياً إيمائياً حياً، ومع أننا لم نكن نفهم ما يقولونه بالإشارة إلا أننا كدنا نموت من شدة الضحك على انفعالاتهما ومقدرتهما على رفع مستوى الصوت وخفضه، والتعبير بعضلات الوجه وحركة الأيدي.
بالفعل هذه الدنيا عجيبة. والإنسان هو الكائن الأكثر إثارة للعجب على الإطلاق.
المصدر : العربي الجديد