بعد مضي حوالي سنتين على لقائي بصديقي المفلس “أبو سلوم” في مقهى “الحاج غزال” بمدينة إدلب، صادف أنني ذهبت في زيارة للقرى الواقعة في شمال بلدة “معرتمصرين”، التي يسكنها إخوتُنا الدروز..
وفي آخر المشوار، عَرَّجْتُ على قرية “كفتين” بقصد أن أزور صديقي الغالي “أبو يوسف”، وفي مدخل القرية، بالمصادفة البحتة، وجدتُ أبا سلوم واقفاً إلى يمين الطريق، منتظراً أن تمر به سيارة عابرة تقله إلى البلدة، باعتبار أن وسائط النقل العام التي تمر من هنا نادرة. أوقفت سيارتي، ودعوته للصعود، فصعد. بادأته بالمزاح قائلاً:
– أهلين أبو سلوم. شايف أنك جاية على “كفتين”. خير إن شاء الله؟ يعني مفكر تصير درزي؟ فقال لي وهو يضحك بصوت عال: والله العظيم، ورحمة أبوي الذي أورثني النحس وراثة شرعية مع سندات تمليك نظامية، لو كان لـ “النحس” دين أو مذهب لتركتُه واعتنقتُ أيَّ دين أو مذهب آخر، دون أي قيد أو شرط.
قلت: لو أنك منحوس، كما تظن، ما كنت بتلاقي سيارة تشيلك من هالمكان البعيد المنقطع عن العالم، وتوصلك إلى بلدك. خلص أنا راح أوصلك بطريقي.
قال: يعني أنت مفكر توصلني إلى معرتمصرين في طريقك، وبس؟
قلت: طبعاً وبس.. لكان شو بدي أعمل لك؟ أدقّ لك على الطبل؟ أرقص لك رقصة القَبَقْلية؟
قال: وأيش يفيدني دق الطبل والزمر والقبقلية؟ خيو، عد على أصابيعك، بدي تشتري لي عشر علب سجائر حمراء طويلة، وسندويشة كباب نصف قطرها تنين إنش، وكاس عيران، وتضيفني هيطلية في محل “جميعة”، وبعدها تعطيني مية ليرة خرجية. وإذا بتعمل هيك منقعد، على حسابك طبعاً، في قهوة “علي مسيرة” في معرتمصرين، وبحكي لك قصص. أنت مو كلما شفتني بتطلب مني أحكي لك قصص؟!
قلت له: ولكن أنا كنت على وشك المرور بصديقي أبو يوسف، وهلق نحن في “كفتين”، يعني قريبين منه.
سألني: فيه موعد بينك وبينه؟
قلت: لا والله.
قال: هذا أكبر غلط ممكن أن يرتكبه الإنسان.
قلت: ليش؟
قال: تابع طريقك إلى معرتمصرين، واشتر لي الأشياء اللي قلت لك عليها، وأنا أشرح لك الأسباب خلال الطريق.
امتثلتُ لرغبته، وتابعتُ طريقي. وأما هو فقد أعلمني أن الإفلاس المزمن عَلَّمَه الكثير من الحكمة والتفكير والخروج بأشياء بالغة الأهمية. وضحك وقال: إذا بتزور رفيقك بدون موعد، بيصير صديقك متل مرتي!
قلت له: شلون متل مرتك؟
قال: أنا كلما بقول لمرتي أني جوعان، بتروح بتغلي لي شاي! ولما بسألها عن السبب بتقلي: اسأل روحك. الله وكيلك يا زوجي العزيز أبو سلوم ما عاد في بهالبيت غير الشاي. ولكن، إذا بيعرف صاحبك أنك جاي تزوره، بتلاقيه محضّر حاله من ناحية الأكل والشرب والفواكه والموالح. وخاصة هدول جيراننا الدروز، هدول جماعة كريمين كتير.. يعني مو متل مرتي!
المصدر : العربي الجديد