حوار ســــياسي مع شاعر راحل: هكذا تكلّـم فيصـل بليبـــل

0

بسام البليبل، محام، كاتب وشاعر سوري، يقيم في فرنسا

أوراق 19- 20

نقد

                        يَــــفْنَى جوبيتـــر ويبــــقى إيــــقاع الشـــاعر

                                                         ج. كاردوشي

لم يتسـنَ لي أن أجري هذه المحاورة الشــعرية مع فيصل بليبــل في حياته، فرجعت إلى دوواينه وأوراقه التي آلت إليَّ بعد وفاتــه، أبحث لأســئلتي الحائرة عن إجابات، فكـانت هذه المحاورة الشـــــعرية التي قد تــدخل ذات يـوم فيما يمكن تسـميته بأدب مســامرة الأموات.

هل ســمعتم قبل هذا اليــوم من حاورَ مَوتى     

من تُرى من بعد عيسى مثل هذا السرّ يُؤتى

ليــس ســرّاً أن يُنـاجى عبقريّ الفكرِ راحلْ     

غادرَ الدنيــــا ولكن فكــرهُ في الكونِ ماثــلْ

هكذا التاريخُ من صنـــعِ العظامِ الغابـــرينْ      

إنّــــــهم أحيـــــاءُ والأحيـاءُ حيناً ميّــــــتينْ

فاسمعوا الفيصلَ ما قد قالَ للجُلّى وأنشــــدْ      

همّه القــــدسُ، ونـجديٌّ إذا ما الهمّ أنــــــجدْ

يعربيُّ الفكرِ لا يكتـــــبُ إلّا في السّياســـه      

ليسَ يَخشــى حاكماً كلّا ولا يرهبُ باسـَــــه

قد قَضَــــــى والشــعرُ بــــاقٍ ليس يقضـي      

هكذا الشــعراءُ تبقى حينــما الحكّامُ تمضـي

*

السؤال الأول :

أميرُ الشــعرِ شــــوقي وهو فردُ       وحــــافظُ ُ شـــاعرٌ للنيــلِ يـحدو

وأمّا شــــاعرُ العـَـربِ المُجَــلّي       فـذا البـــــدويُّ ما جــاراهُ نِــــــدُّ

وأنتَ الشــــأعرُ القومـيُّ قــالوا        فمـاذا أنـتَ إن ذكــروا وعـــدّوا

فيصل بليبل :

أنا دمشـقُ دمي في كلِّ رابيــــــــةٍ       من أرضِ أندلـــسٍ حتى خُراســـانِ

أنا الشـآمُ ولولا الشام ما ســــطعت       شمسُ العروبة ِفي مصرٍ وبـــغدان ِ

أنا الذي لم يزل يـُـــهدي الجلاءُ له      زهراً بهيَّ الشذى من روضِ نيسانِ

بالراحتيـــنِ دمائـــي كنُتُ أحملــها      للبــذلِ ما كان يوم البـذلِ أســــخاني

يُغري الحُطامُ رجالأُ لست أذكرهم       فليـــذكروا أيَّ شــيءٍ كان أغرانـي

تتلو دمشــقُ ويتلو ســادةٌ نُجـــــُبٌ       قصائــــداً ضُمِّنت ديني وإيـــــماني

مهلاً ســتقرأ ديواني العصورُ غداً       له الخــلودُ وما قد ســــــطّروا فــانِ 

الســؤال الثاني :

قالـــوا يســــاريٌ وقالو يـــــميني      بــــل مؤمنٌ بـــل ملحدٌ بالديـــــنِ

إنّي بحثتُ عن اليقيـــنِ فلـم أجــدْ      إلّا لديـــــكَ تبــــصّري ويـــقينـي

فيصل بليبل :

كنـــتُ في ميعةِ الشـــبابِ يسارياٌ       وكان اليســـــارُ قِبــــلةَ ديــــــني

وأتانا اليســــــار والخزيُ والعارُ        فأصبحتُ في يـــــمين اليميــــنِ

( وأضاف فيصل بليبل مجيباً عن الشِــق الثاني من السؤال المتعلق بدين الشاعر )

يـــــقولون هذا ملحدٌ يـــالجهلـهم        ألَا إنّ محرابــي من الطهرِ أطهـرُ

فقد عَمَرَ الإيـــــمان قلبــي يافعاً         فكيــف وأكفاني لها الموت يَنشــرُ

سيفصلُ ربي بين قولي وقولـِهم         وما كان سرّي غير ما كنتُ أُظهرُ

 السؤال الثالث :

إنّي سألتُ وكان قصدي واضحاً    ياشــــــاعراً له في السياسةِ منبـــــــرُ

ماذا تــــقولُ عن التحزّبِ سيّدي     في أمّــةٍ أحزابــــــها لاتحصـــــــــر

فيصل بليبل :

حزبي الحزبُ أحرفي وكتـــابي      يـــعربيٌ يســـمو على الأحــزابِ

حزبي الحزبُ كلّ حفنــةِ رمـلٍ      من بــلادي وكلّ شـــبر تـــــرابِ

حزبيَ القدسُ والهضابُ وســـــينــــاء وأهلُ الخيـــــامِ أهلُ الـــــعذابِ

حزبيَ الثورةُ التي تشــــتهي الأطــــوادُ من ريـــــحها بطونَ الشِعابِ

إنّ حزبـــــي أقوى وإنّ كتــابي       ســــوفَ يُتلى من قبلِ كلِّ كتابِ

السؤال الرابع :

قالـــوا بأنّكَ مثلما الشـــــــعراءُ       لكَ في الأمور تبـَــصّرٌ وذكــاءُ

وتنبـــؤٌ والشـــعرُ بعضُ نُبــوة ٍ      ببــــريـــقهِ تتكشـــفُ الأشــــياءُ

ياشــاعراً يرنـو بعيني مرســـلٍ      ولأذْنِـــــهِ فيـــما نـأى إصــــغاءُ

هلّا رفعتَ الصوتَ تُنـــذر أمّـةً      من قبل ماحاقتْ بـــــها الأرزاءُ

فيصل بليبل :

أجل وســـــبعينَ إنذاراً فما سمـعوا      حتــــى كــــفرت بـــقيثاري وألحاني

أنذرتـهم قبلَ إســــرائيل قلتُ لــهم       جــــاء الغزاةُ بــــــهطّالٍ وهتّــــــانِ

وقبل أن يــــذهبَ الأردنّ قلتُ لهم       فقـــــدان يــــافـا وهذا النهر ســــيانِ (1)

ناديت عشرين عاماً ليس يسمعني       إلّا الــــكرام أحبـــــائي وإخوانـــــي

أمّا الجماهيـــرُ فالبــيداءُ دونــــهمُ        ودونَ بيـــدائهم ســــجني وســجّاني

بالأمسِ أطفأ ديواني “جــمالُ “ولم       يــــغادر البعثُ مصبـــاحاً لديوانــي (2)

قد حيل بيني وبين الشـعب زج به       في حانِ “فلحوط” أو حانوت “قبّاني”(3)

مهلاً ســتقرأُ ديواني العصورُ غداً       لـــه الخلــودُ وما قــد ســـطّروا فانِ

السؤال الخامس :

ماعسى يُخبرنا من قالَ أشعاراً وأرســلْ

إنّ نـــهراً لك يَــا أردنّ يوماً لا يُـــحَوّلْ

ماعسـى قال لك الأردنّ والنهرُ الحزينُ

حينما النهرُ غدا في لحظةٍ في الغابرينْ

فيصل بليبل :

قال لي الأردُنُّ والأمواجُ تـُــرغي مُزبـِـــداتْ

ذهب الأردنُّ فاعطـــي النيـــلَ عهداً والفراتْ

طــــالما ناديــتُ في المحنــــةِ وا معتـــصماهْ

ودعا الكونـــــغو فما أســـــمعهم إلّا نـِــــــداهْ

شـــــرفُ العُربِ غدا موطيء أقدام اليــــهودْ

وبكاء العرب للكونغو ” ولومومبا “الشــــهيدْ (4)

يضرب العدوان حولِ المسجدِ الأقصى خياما

وبنـــــو يَعرُبَ للعـــالمِ يبنــــون الســـــلا مـا

أيها الشــــــاعرُ عُدْ واقرأ على الدنيـا رثــائي

ليـــسِ لي والعُرب قومي غير دمعِ الشــعراءِ

السؤال السادس :

ماذا تــــــقولُ لأمــــةٍ     كانت كخيرِ السـالفينْ

للناسِ أرســـلها الإلـــــــــــهُ هدايــــــةً للعالمين

واليومَ خُلفٌ واختتصــــامٌ ثم خـــسرانٌ مُبيــــن

ماذا تـــــقول لأمــــةٍ     باتت تــلومُ الحاكميـن

فيصل بليبل :

لا تلومي الحكامَ يانكبةَ العُـــــربِ ولومي شعباً مضاماً مُهانـا

يحرنُ البغلُ حين يُرهقهُ الجــــــــورُ ويـــــأبى لربــّـه إذعانـا

ويــــقود الحكامُ قومــي إلى الهُــلكِ فلا يشــهدُ الطريقُ حِرانا

لهفَ نفسي قومي قطيـــــعٌ من الشــاءِ يوالي رعاتُهُ الذؤبانــا

في حِمانا تجري الأمورُ كما تهـــوى الرزايا وما يشاء عِدانـا

أيُّها الحاقددونَ دمرتــــمونا     لم يغادر إعصاركم بُنيــانـــــا

أيُّها  الحاقـــدونَ انتــم يهودٌ     يا لمَكرِ اليــــهودِ كيف أتانـــا

لاتذيـــعوا هنا دمشــق فإنّـا     لادمشــــقاً نرى ولا بَـغدانــــا

مُسِختْ مِصرُ والشآمُ وبغدا   دُ فأضـحتْ أطوادُها كثبــانـــــا

أيُّها الحاقدــدونَ يالعنــةَ التاريــــــــخِ  يا داءنـــا ويا بلوانــــا

أيّ ديــنٍ لكم فإنّا نـــــراكم     تـــكرهون الأنــجيلِ والقرآنــا

( واستطرد فيصل بليبل في وصف الحكام العرب )

ذكـــــروا أنّ لنـــــا خصماً شــــــديدَ الغدر لـُـــــدّا

صـَــــدَقوا لكنّـــــهم لم يـَــــذكروا الخصــــمَ الأَلدّا

إنّما الأعــــــــداءُ حكـــــامٌ أذاقونــــــا الهــــــــوانْ

هم أواســــي ذِلّــــةِ العُربِ وهم صــرفُ الزمـــانْ

لا تســـــلني عن يـــــمينٍ حاكـــــمٍ أو عن يســــارْ 

كلهم قــد أرخصَ الشــعب َولم يُـــــغلِ الديــــــــارْ

أيّها التــــاريخُ لا تتــــــركْ من الأنبــــــأءِ شـــــيّا

حِلفُ إســــرائيل والحـــــكام لن يبقى خفيـَّــــــــــا

السؤال السابع :

(ليس يُغني عن الظماءِ السرابُ       نحن مســــتكتبون لا كتّــــاب ُ(5)

نحنُ مســـتكتبون يُـــملَى علينــا       أجرنا العطرُ فاســقاً والشرابُ)

أقســــم الله بـاليـــــراعِ وخــــطٍ       صادق اللفظِ ليـس فيه كـِــذابُ

ماعســــى كتابنــــا قـــد دهـاهم       واســـترقّ الأقلامَ وهيَ حِرابُ

فيصل بليبل :

يا لأقــلامِنــــا بــــها أقســـــمَ اللهُ ويخبـــو شــعاعُها في دُجـَانـــــا

تســتباحُ الديـــــارُ، والنـــاسُ في الكربِ، ويَـــجني كتّابنا الريحانا

يرسلونَ الحديثَ شــعراً حديثاُ        ثم يبـــغون بينـــهم تـــرجمانا

ليتــــهم تـــــرجموا غـــداةَ حزيــــــرانَ كتـــــاباً مضرجاً بـــدمانا

إنّ عنـوانَـــــهُ رهيبٌ ويــخشـــــــون أن يـــــذكروا العنــــــوانـــا

كلنـــا يتـقي الرقيبَ ويَخشـــى      من ســـياط ٍلا تـعرفُ الرحمنَ

ولو انّا مثل الرجــالِ لكنّــــــا       نحن نبغي من ” الرقيبِ ” بيانا

يا لضـــعفِ النــــفوسِ في طلب ِالعيـــــشِ ويا سـوأةِ الأديبِ جبانا

السؤال الثامن :

يا شــاعراً جعل الســياسةَ مذهبا      ما ضــــرَّ لو أعطيتَ قلبَك جانبـــا

فالبعض يبصرُ في البلادِ حبيبـةً       ويكون من صوتِ البواترِ مُطرَبـَـا

كـــم شــاعرٍ للقدسِ قـال مغازلاً      إنّ الفؤادَ إلى وصـــالكِ قد صَبــَـــا

ماذا تـــقول إذا فؤادك قـــد هفـا       ورأيت في القدسِ الحبيبــــةِ كاعبا

فيصل بليبل :

أنا والقــــــدس أيـّــــها الشــعراءُ      آذنتنـــــا ببينـــــــها أســــــماءُ

 آذنتنــــــا عروبــــــــةُ القدسِ بالبيـــــن وأخشـــى أن لايــــكون لقاءُ

حَــــدثونا عن الربيـــــع فقلنـــــا      كلّ أيـــــامنا جميـــــعاً شــــتاءُ

ما عرفنــــا شعــرَ الطبيعةِ والحــبّ فقـــد عاث في الحمـــى الأعداءُ

السؤال التاسع :

عجبـــــاً ليأســــكَ أيَّهذا الشاعرُ    والقدسُ عائــــــدةٌ ومثلك يُنـــــكر

بالســـلمِ عائـــدةٌ ورغم عداتنــا    فســـل الجرائدَ والإذاعـــةُ تـُخبرُ

فيصل بليبل :

أنا والقدسُ ما سـمعنا الإذاعه     تنطق الشهر ليسَ تصدقُ ساعه

ما قرأنـــا جرائداً ســــطرتها     للشـــياطين ريشــةٌ ويـَـــــراعه

ما قرأنـــا ولا سمعـــنا ولكن     كلّ أخبــارِنا حديث الإشــــاعه

السؤال العاشر :

الـقدس تقــــــولُ لــقد ذهبتْ       وســــواكَ بعودتِــها يَــــقطعْ

وأرى فيــــــروزَ مهــلـلــــةً        لســــــيوفٍ مُشــــهَرةٍ  تلمعْ (6)

( الآن الآن ولـيــس غـــــداً        أجـــراس العـودة فلتــــقرعْ )

ماذا قــد قلـــتَ لفيـــــــروزٍ        ولمن قـــــد صَــفّقَ للمطلـعْ

فيصل بليبل :

قـــالت فيـــــروزُ مغـــــردةً       وقلـــوب الناـــس لها تسـمعْ (7)

الآن الآن وليــــسَ غـــــــداً       أجراسُ الـــعودةِ فلتــــــقرعْ

من أيــــنَ العودةُ يـــــاهـذي       الـــعودةُ يــــــلزمها مــــدفعْ

والمدفــــعُ تلــــزمه كـــــفٌ        والكــفُ  يــكونُ لها إصبتعْ

والإصــبعُ منـــــهمكٌ يــلهو        قد شــــبع الجوعُ ولم يشـبعْ (8)

لا يــــا فيــــروزُ ومعــذرةً         أجــراسُ العودة لن تـــقرع ْ

دُقَّ الخــــازوقُ بأســـــفلنـا        من شَـــرمِ الشيخِ إلى سَعسعْ

( المحاور يحاول تغيير مجرى الحديث )

السؤال الحادي عشر :

تجيبُ عن السيــاسةِ كلَّ حيـن ٍ      وفي غيـــــرِ الســياســةِ لا تجيبُ

ألا في الحــبّ مُتســعٌ لشــــعرٍ      وشِــعرُكَ واضحُ المعنى خصـيبُ

فكم من قــالِ للأوطانِ حبـّـــي      وآخــــرُ قـــــال تيّمنـــي الحــبيبُ

وللأهــلِ الــــكرامِ وللمبـــادي       وللأخـــلاقِ كم غنّـــى أديـــــــبُ

فمن هو حبُّ فيصــلَ إنْ تغنّى       وهل للحــبِّ عنـــدكمو نــــصيبُ

فيصل بليبل :

أمّا أنـــــــا فأُحــــبُّ نفســــــي       وأُحـــبّ صومعتـــي وكأســـــي

وأحــــــبُّ أنــــــظر حين أصبــــــــــــــــح للجمالِ وحـــينَ أمســــي

وأحـــــبُّ تــــــلكَ المحســـناتِ سَــــــقينَ حِرمانــــــي وبـــؤســــــي

وأحــــبّ ” مينـي ” للنســــــاءِ      وللرجــــــــالِ أحــــبّ ” مكســـي “

وأحــــبّ حســــــناءَ اللغـــاتِ       أكـــــاد أغـــــدو مــثل قيـــــــــسِ

وأحــــبّ لو شــــعري شــعيرٌ       كـــي أقايـــــــضه بـــــدبــــــــسِ

وأحـــــبّ أن يُـــــلقى علــــى ” عبد الســــــلام ” ببــــعض تَعســـــي (9)

وأُحــــبّ أعــــــرفُ صنـــــــع جِـــــنٍ زاده أم صــنــــــع إنـــــــــسِ

وأحـــــبّ شــــــعباً كـــــان يــــــأبَى الضيــــــمَ في العهدِ الفرنســــي

وأحــــبُّ عهــــــد البـــــــــرلمــان وللجــــــلاء تحـــــــنُّ نفســـــــــي

وأحــــبّ نـــــــقدَ الحـــاكميـــــنَ صـــــــراحةً مـــن دونِ  همـــــــسِ

وأحــــبّ لـــــو قلمــــي تُــــــــفك قيـــــــــودهُ ويـــــــطولُ حبســـــي

وأحــــبّ ذمـّــــاً من عبيــــــــدِ الحـــــــزبِ لا مـــن عبــــدِ شمـــــسِ

وأحــــبّ شـــــــرعاً لا كشرعِ الإشــــــتراكييـــن يُــــعلي كلّ جبـــسِ

وأحـــبّ أغـــــدو مـــثلَ أقطـــــــــابِ الحــــكـومةِ رجــــلَ كرســــي

وأحــــبّ لـــــو جــــفّ الفـــــــراتُ ليشــــــربَ الفــــلاحُ ببــــــــسي

وأُحــــبّ لـــــو عـــــادت إلينـــــــا حــــــــربُ ذبيــــــانٍ وعبـــــــسِ

وأحــــبّ لـــــو بــــــــالَ الخَســــيــسُ من الرفــــــاقِ على الأخَــــسِّ

وأحـــبّ لــــــو عــِـــرق الحســـــينِ قطـــعتُه وأرحــــــتُ نفـســــــي

وأحـــبّ يـــــوماً غيــــــــر أيـّــــــامـي وأمســــاً غيـــــــر أمســــــي

وأحـــبّ لــو طـــــارت رؤوسُ عصــــــــابةٍ ويــــــطير رأســــــــي

وأحـــبّ طـــــوفــانـــا يُـــــــــطهر أرضنـــــــا من كـــــل رجـــــس ِ

وأحـــبُّ ..

( المحاور مقاطعاً الشاعر خشية اســتطراده )

السؤال الثاني عشر :

دعنــا من الحُــبّ يابــركانَ عاطفةٍ      وحـــقّ للحبّ يــوماً إن تــجافاكـا

وإن خـــشيتُ على نفســــي قذائـفهُ       فأنتَ في مأمنٍ ـ لاشـكَّ ـ في ذاكَ

فما عســاكَ عن الأديــــانِ تُخبرني       وديــنُ قومِكَ ديـن الحقِّ يـَــهناكَ

فيصل بليبل :

أرى ديني يـغايرُ ديــــنَ قومي       ولســتُ أخالـهُ دينــــاً جديــــدا

فـإنّ المجـــدَّ كان وليـــس ديـنٌ       ولن يلقى سـوى المجدِ الخلودا

وربّــــي قــــربُهُ شـــممٌ وعــزٌّ      فلا يبغـي ركـوعاً أو ســــجودا

أعــودُ إليــهِ يومَ الحشــرِ حرّاً       إذا عــــادوا لبــــاريـهم عبيـــدا

وربـّـــي وهــو جبـــارٌ عنيـــدٌ       يــحبّ المرءَ جبّـــاراً عنيـــــدا

إذا صــعّرتُ خـدّيَ يــومَ جُـلّى      رأيــتُ الله مغتبــــطاً ســـــعيدا

وليــس لديــهِ من ذنبٍ عظيـــمٍ      ســوى أن لا أكونَ فتىً نجيـــدا

وليــس لديــهِ من ذنب ٍعظيــمٍ       ســـوى أن لا أســودَ ولا أذودا

أَلا لـــو يــدخل الثـوارُ دينــــي      لــراحت تخطف الطيرُ اليهودا

وأضـحت نارُ غَضْبتِهم تــلظّى      وباتت ” تل أبيب ” لهم وقــودا

ألا لو …

( المحاور مرة ثانية يحاول تغيير مجرى الحديث )

السؤال الثالث عشر :

ألا يــا ليتَ تُــــــخبرنـي          بـــمعنى الفــــنِّ للـــــفنِّ

بعــــيداً عــن أحــــاديثٍ          ســـتلقى نفــسَ مُضطَغِنِ

فإنّــــي مُشـــفقٌ حـــــذِرٌ         علــى نفســـي ألا  إنّـــي

فيصل بليبل :

لا وربـّـي ما الفـنُ للفـنِ إلا        فريــــةٌ تلحق الفنونَ هوانا

إنما الفنُ للقضـــيّةِ للشـعبِ         وقل للخَبـــالِ حينك حــانا

إنها الحــــربُ والمصـــيرُ فيا كتاب هـــلّا واجهتــم الميــدانا

كم بكينــا على الربـــوعِ وأجهشــنا فماذا أجدَى الربوعَ بكانا

ترجموا ويـــحكم كتـــابَ حزيرانَ تفيدوا تشـــرين أو نيـسانا

أنتـــم الرشــــدُ حينما يمتطي الحكام جهلاً ويـطلقون العــنانا

أنتم الشعبُ وحدكم إن مضى الشعبُ قطيعاً لا يسـأل الرعيانا  

أنتم المبصـــرون في ظلمـــة الجلى وآهٍ مـــا أكثر العميــــانا

( المحاور ينهي الحديث وقد يأس من إخراج الشاعر من إجاباته السياسية )

شــكرٌ تَحُفُّ به التَّـجِلّه      وأمامَ شـِـعرِكِ ما أقَلّه

أتضيفُ شــيئاً ســيّدي      للقارئيـــنَ وللمَجـَـــلّه

فيصل بليبل :

الليــــــلُ تغشــــاهُ الشــــدائــدْ     والغيـــــمُ قد كَـفرَ الفراقـــــدْ

خانـــتْ رســــالتُـــــها العقائدْ     ومعلـمُ الإصـــــلاحِ فاســـــدْ

والشـعبُ يمشــي وهو راقـــدْ     هــــذا أوانـــــكِ يا قصــــائدْ

               لو كان في وطنـي جرائـدْ

باسـم الرئيسِ سرى الهواءْ     والغيـــمُ حلّق في الســــماءْ

سـُـــحقاً لأقلامِ الريـــــــاءْ      الســــالحاتِ على الحيــــاءْ

هل تــلك أقلام العقائــــــدْ      هذا أوانـــــك يا قصائــــــدْ

               لو كان في وطني جرائـدْ

أوطاننـــا وهي الغوالـــي        أضـحت تبـــاح ولا نُبــالي

في دولـــــةٍ للكــرنـــــفالِ        بالـــــوا على هامِ الـرجالِ

أكبادنـــــا قبــــل الجلامـدْ        هذا أوانـــــك ياقصائـــــدْ

               لو كان في وطني جرائـدْ

قولُ الإلـــهِ اليــومَ (نون)         لاتقـــرؤا ما يســـــطرونْ

ليــسـوا كـِــــراماً كاتبيــن         لكنّـــهم مســــــتكتبـــــونْ

إبليس يخطب في المساجْد        هــذأ أوانـــك يا قصائــــدْ

لو كان …..

              *     *     *     *

وما يزال الشاعر فيصل بليبل منشدا وسيبقى ..!

هوامش

فيصل بليبل: 1919- 1984- له ديوانان مطبوعان (قصائد مزقها عبد الناصر) و(وافيصلاه)

والعديد من المخطوطات التي لم تحظ بموافقة النشر منها الدروب الى حزيران، أهل حزيران، أصنام في السماء .. ومن أقواله في لقاء صحافي معه بعد هزيمة حزيران مُعرفاً بنفسه:

“ولدت على ضفاف الفرات 1919، ومتُّ على ضفاف بردى 1967، ولم أدفن بعد”.

قال عنه الدكتور أحمد بسام ساعي: يُعد فيصل بليبل من أبرز رواد النظرة المستقبلية في الشعر السياسي الحديث.

1- الأردن / نهر الأردن : المقصود تحويل مياه نهر الأردن للنقب، عبر ما أســـمته إســـرائيل/ مشروع الناقل الوطني للمياه/ الذي أسـست له خطة السنوات الــسبع (1953- 1960) وقــد استطاعت بعد هزيمة حزيران 1967 أن تستولي بالكامل على المنابع الشمالية لنهر الأردن.

2- جمال: الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وموقف الشـــاعر فيصل بليبل منه في ديـــوانه (قصائد مزقها عبد الناصر) الذي مُنع من التدوال وتم جمعه من المكتبات.

3- فلحوط: الدكتور صابر فلحوط، كاتب وشاعر بعثي، أذاع بلاغات انــقلاب الثامن مـن آذار 1963 من إذاعة حلب، حيث كان يخدم في كلية الضباط، تولى العديد من المناصب الحزبيــة والرقـابيـة،  مديــــــر الدعاية والأنبـــــاء، مديـــر عام دار البعث، رئيـــس تـــحرير جريــدة البعث، الرئيــس الفخري لاتحاد الصحافيين السوريين ….. الخ.

4- لومومبا: باتريس لومومبا، مناضل كنغولي، ذو ميول اشتراكية، أول رئيس وزراء منتــخب في تاريخ الكونغو أثناء الاحتلال البلجيكي لبلاده، قتله البلجيكيون سنة 1961 بعد ســـنة واحدة من توليه الحكم بموافقة أمريكية. لقي اهتمام وتعاطف عربي، ولاسيما من مصر وعبد الناصر الذي أولى عائلة لومومبا اهتمام خاص.

5- ليس يغني عن الظماء الســـراب: هذا البيت والذي يليــه من قصــيدة للشـاعر فيصــل بليبل بعنوان (إلى رئيس اتحاد الكتاب العرب).

6- لسيوفٍ مشهرةٍ تلمع: إشارة إلى أغنية فيروز “سـيفٌ فليُشــهر” أو “الآن الآن وليس غداً”.

7- قالت فيروز مغردةً: القصــيدة التي كتبـها فيصل بليبل رداً على أغنية فيروز، (الآن الآن وليــس غداً / أجراس العودة فلتـقرع) ونُسـبت خطأً إلى نــزار قباني، وهي واحدة من قصـائد فيصل بليبل في مخطوط ديوانه (الدروب إلى حزيران) الذي مُنع من النشر.

8- قد شبع الجوع ولم يشبع: وفي رواية أخرى: في طيــ … الشعب له مرتع .

9- عبد السلام: مداعبة من الشاعر فيصل بليبل للأديب الكبير د. عبد السلام العجيلي.