حكمت درباس: حجْر صحّي في مملكة ماري: الوقاية والعدوى في سورية القديمة

0

ربما تكون الرسائل الثلاث التي تضمّها محفوظات قصر ماري (تل الحريري قرب مدينة البوكمال السورية)، وتتعلّق بسياسات الحجر الصحي، الأقدم في التاريخ حول هذا الموضوع. وماري مملكة سورية رافدية قديمة ازدهرت من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد حتى سقوطها في يد حمورابي، ملك بابل (1762 ق.م). تقدّم المحفوظات الضخمة لهذه المملكة معلوماتٍ قيّمة عن التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي لـ الشرق القديم في الربع الأول من الألف الثاني قبل الميلاد.

والرسائل الثلاث متبادلة بين زمري-ليم، ملك ماري الأخير (1775-1762 ق.م)، وزوجته شِبتو، حلبيّة الأصل. وهي تعود إلى نهاية عهده، حيث كان يقود حملة عسكرية في مناطق حوض الخابور الأعلى.

ونلاحظ أن النساء المذكورات في الرسائل يحملن أسماءً حُورية (نسبة إلى الحوريين، وهم أقوام هندو-آرية عاشت في الجبال الشرقية والشمالية لبلاد الرافدين). ويبدو أنّهن من السبايا اللاتي جلبهن زمري-ليم إلى قصر ماري بعد الغزوات التي قام بها في الشمال. وبما أنّهن غريبات، فليس من المستبعد أنّهن تسبّبن بانتشار أمراض غير معروفة في ماري.

الرسائل مكتوبةٌ باللغة الأكديّة وبالخطّ المسماري (على رُقُمٍ، ألواحٍ طينية)، وقد نُشرت في المجلّد العاشر من سلسلة “محفوظات ماري الملكية” بالفرنسية (Archives royales de Mari)، وأرقامها على التوالي 14، 129، 130. وقد قمتُ بترجمتها عن اللغة الأم مباشرةً، آخذاً بالحسبان ما جاء في الترجمة الفرنسية لها. وفيما يلي توضيح لبعض الرموز المستخدمة في الترجمة:

– [    ]: مقاطع مجتزأة قصيرة في النصّ، نسبةً لتلف الرُّقَيْم، وقد أُعيد تركيبُ المعنى داخل القوسين المعقوفين استناداً إلى نصوص موازية.

– (    ): الكلام بين القوسين الهلاليين مضافٌ إلى الترجمة استكمالاً  للمعنى والصياغة.

– …..: النقاط تشير إلى عدد من الأسطر المحذوفة نتيجة التهشّم.


الرسالة الأولى

“قل لسيدي: هكذا تقول شِبْتو، أَمَتُكَ.

[القصر] سالمٌ، والمعابد والمشاغل سالمة.

[حيث] المدينة (تهشُّم بضعة أسطر)…..

[قالوا] لي الآتي: ‘لن يجدي العلاج مع المرأة’. [سألتُ] عن اسمها. تدعى أشْتَكّا. أسكنتُ هذه المرأة حالياً في البيوت الجديدة. [شرابها] وطعامها منفصلان، ولا أحد (يُسمح له أن) يقترب من سريرها وكرسيّها. ليأتِ سيدي وليفعلْ ما يراه مناسباً”.


الرسالة الثانية

“قل لشِبْتو: هكذا يقول سيُّدك.

سمعتُ أن نانّا مريضةٌ بـ(داء) سِمُّم1. بما أنها مقيمةٌ في القصر غالباً، فلا بدّ أنّها ستعدي نسوة كثيرات. الآن، أعطي قرارات صارمة: لا أحد يشرب من الكأس التي تشرب منها، ولا أحد يجلس على الكرسي الذي تجلس عليه، ولا أحد ينام في السرير الذي تنام فيه، لئلّا تعدي نسوة كثيرات. إن مرض سِمُّم هذا مُعدٍ”.


الرسالة الثالثة

(من زمري-ليم إلى شبتو)

“….. بخصوص سُمّودُم، التي كتبتِ إليّ عنها، [بسبب مرض] هذه المرأة ستُصاب نسوة كثيرات بعدوى مرض سِمُّم إياه. [يجب أن تقيم] هذه المرأة في بيت منفصل، فلا يزورها أحد. أمّا إذا لم يكن هناك بيتٌ منفصل، وهذا ما أخشاه. فطالما أن الفؤول المتعلقة بسُمّودُم سيّئة2 [فلِمَ] الانشغال بعلاج هذه المرأة؟ سواءً [ماتت] هذه المرأة أو عاشت، ففي الحالتين ستصاب [نساء] (أخريات) [بهذا] المرض. لتَمُت هذه المرأة معزولةً. إن هذه المرأة مناسبة لحجرات الطوارئ. أعطي الأوامر بأن تُحمَل النساءُ التي مثلُها إلى حجرات الطوارئ، وحجرات الطوارئ بشكل مناسب…..” (تتمّة النص مهشّمة).

(العربي الجديد)