-١-
هذا الشرخ ليس في سقف الغرفة
أو الأرضية
ليس في وجه حبيبتي
الميتة
أو شجرة اللوز
ليس في أضلاعي
أو رئتي
منذ أربعين عامًا
وأنا على وشك السقوط
-٢-
أول مرة دخلت البحر
غرقت
لم أعرف هل أنا في حلم
كنت سعيدًا
جدًا
في الكون الأزرق الضاغط
الناعم
حتى أخرجني عمي
وضربني على ظهري
وأجبرني على بصق
البحر كله
وبقيتُ أشاهده من مسافة أمتار
بينما يكمل بقية الأطفال السباحة
أو تزجرهم أمهاتهم كي لا يصبحوا مثلي
-٣-
صورة صغيرة
في عمر السنتين
أنا وعمي وأختي الصغيرة
يقول عمي إنني كنت مختلفًا
وقد علمني كيف أصافح من يأتي،
وكيف أنطق الحروف بوضوح
رغم أنني تأخرت في الكلام
ما الذي تغير؟
عشت حياتي صامتًا، خجولًا،
لا أعرف استخدام الكلمات
أتوقف أحيانًا لأسأل أمي إذا قال لي أحدهم: “الله يسلمك”
بماذا أجيبه؟
ولا أتعلم أبدًا
-٤-
ضائع بين التلاميذ في الصف الأول
تجدني معلمة ما
وتقول لي:
“منذ ساعة أبحث عنك”.
ولم يدم مكوثي في صفها خمس دقائق
فقد أخذتني معلمة أخرى
إلى صفها لأبقى سنةً كاملة
وعندما كنت أعود إلى صفي
لم يأبه أحد ليدي المرفوعة
للإجابات
وكانوا يضعونني
في المقعد الأخير
-5-
تشعل فيك النار
وترميك في البحر
لتصبح قطعةً فنية
تشبهها
آلاف القصائد لعبت بي
العب في النار كما تشاء
أعطها كل شيء
خذ وقتك
ولكن في البحر
عليك أن تغرق فورًا
وبلا جدال
انتهى
-6-
تستمع إلى أغنية
بينما تلعب لعبة
وتشرب مشروبًا ساخنًا
كأن الحياة ورم
أو التهاب
تذيبه بالكمادات الساخنة
وتنتظر شيئًا آخر
/
عند لعب الورق
يصبح الجميع
مطربين رومانسيين
إذا ظهرت أغنية في التلفزيون
ومع ألعاب الكمبيوتر
والأندرويد
يصلح أي شيء
ليذيب الورم البعيد
وبينما يقتل هرقل الأعداء
تعرف أن هؤلاء المصطفين
خلف باب غرفتك المغلق
أوهى
وأضل سبيلا
-7-
عندما أنظر إلى قائمة أسماء
أتذكر ما قلته لحبيبتي
أن النساء الأخريات
إذا ضربناهن في خلاط
نحصل على كوكتيل
بطعم عصير الجرابات
كم كنتُ صادقًا وكاذبًا
ربما لهذا يلفظنا البحر
-8-
كرهت حبيبتي الأولى
يوم رأيتها تعلك علكة
وما تزال النساء تجعلنا علكة في الأفواه
/
هل نكتب القصائد ليعلكها الناس
ويبصقونها
/
ربما عند هذا فقط
يشبهون البحر
-9-
ودخلت في نفق
ومات الكائن البحري
لهذا لم آبه لكل ما يحدث على السطح
بل صرت متماسكًا أكثر
كأن هذا الصبي الجديد
المتساقط الشعر
بحار متقاعد
أمن الناس خيانته
ويمكنهم الثقة به
وبأطماعه المضمحلة
…
وبينما كنت أسير في النفق
ناسيًا عروس البحر
ناسيًا حبيبتي
ناسيًا اسمي
ماشيًا على أنغام النفق
ومنعرجاته
…
أتت عشتار
في صباح خريفي
…
أردت أن أقنع نفسي
أنها أنقذتني
ولكن في لحظة ظهور عشتار
أصبحتُ مسخًا
بينما رأيتُ جمالي
في عيونها
وثقتي بوقفتها
ودهائي بثعابين شعرها
…
وامتلكت النار من جديد
أنا القابع في جوف الأرض
بلا هواء ولا ماء
كان يمكن أن أكون سعيدًا في النفق
وما فعلته من أجل الخروج
هذا الهروب الذي استمر
سنوات وسنوات
دمّر كل شيء
…
لم يبق لي صديق واحد
ولم يبق لي وجه
ولم يبق لي قصيدة
بل كنتُ أنثر كل شيء من حولي
حتى خرجت إلى الهواء
بعد نبوءة عشتار
التي قالت في ظهورها الأخير
بعد سنوات
بقي لك أربعة أشهر فقط
متنبئةً بموتي
وتوحدي مع النفق
/
كذبتْ عشتار
وانهار النفق
وخرجتُ بعد أكثر من سنة
أعزلًا وحيدًا
محرومًا حتى من الجدران التي كنت أضربها
حرًا من جديد
فقيرًا للأبد
وحزنت لأن عشتار
عشتار أجمل من رأيت في حياتي
عشتار التي أخرجتني من النفق
بقيت هنالك تحت الركام
-10-
نحن المحكومون بالسجن المؤبد
نتسلى بإطلاق الأسماء
على الأشياء
-11-
في صباحات آذار المشمسة
تنزل الملائكة
لتسير بيننا في الطرقات
وفي أماسيه
تلاقينا الرياح الغربية
وتدخل رئاتنا
لتخبرنا بكل نعومة
أن أجسادنا ليست لنا
وأننا لسنا من هذا العالم
وأن هذه اللحظات
المحترقة في الصباح
الغارقة في الليل
بشيرٌ ونذير
-12-
سجلت غائبًا في معسكر الجامعة الأول
رغم حضوري
وطردت من الثاني
وألغيت المعسكرات التي تريد قتل جزء
صغير فيك
فلا وقت للبحر
لا وقت حتى للطقوس
الأمر مختصرٌ على أيام
وعليك أن تعود وتشتري
بطاقات الهاتف
وتكلم أهلك
يعرفون أن الأيام هي السجن
فتركوها لك
يعرفون أنهم حاصروك جيدًا
ولا بحر هنا
فابقَ
ابقَ إلى الأبد
جميعهم كرماء ويعطونك أملًا
حتى صديقك الذي لم يمرر لك الكرة يومًا
في المدرسة
يريدك أن تجد عملًا
يريدك أن تحلم بذلك
ثم يستحوذ على الكرة من جديد
ويخفي وجهه
لن تعرف أيُّهم هذا
وأيُّهم ذلك
وأيُّهم تلك
في مدينة بلا وجوه
يقول الناس أشياء جيدة
لا يوجد تحتها شيء إنساني
ويقابلونك بوجوه مبتسمة
مهتمة
وهم يرزحون بأغلالهم
لهذا أحاول أن لا أكذب
أنا لا أهتم
ولو مات الجميع
فجثتي ما زالت تثقل كاهلي
وأعجز عن دفنها
في مهاوي الريح
ومنذ زمنٍ
نسيت البحر
-13-
عاش جدي مئة عام
دون أن يفعل شيئًا
قضاها نصفها في فراشه
وأقل من نصفها في الطرقات
وقال كلمات معدودات
ومضى…
عندما ولدتُ كان في الخامسة والثمانين
لم أعاصر سوى غروبه
الأخير
امتلك خمسة أشياء تزيد عن السأم
يريد أن يلفظها ولا يستطيع
يضع فراشه منذ العصر
في غرفته المشتركة مع جدتي
التي يزورهم فيها جميع
الناس
اختار زاوية لا تمس
ولا يقترب منها أحد
وإلا سيضربه بالعكاز
كانت أيامه هادئة جدًا وصاخبة جدًا
-14-
لم تكن حياتي صاخبة أبدًا
ولم تكن هادئة أبدًا
أحمل توترًا
دائمًا
لألف سبب
ولا آبه له
…
استغرقت سنوات لأفهم
لماذا يرى الناس القمر جميلًا
ولماذا يحبون الورد
وعشرين عامًا
لأعرف أن البصلات المزروعة
في أرض الدار
هي الزنابق المذكورة في القصائد
وثلاثين عامًا
لأقوم بتجارب في الحياة
ولأصل إلى النتائج التي كنت أعرفها مسبقًا
وأفشل في التعبير عنها
وتسعة أشهر كي أجرؤ على
وضع البحر في قصيدة
…
هل أجرؤ على لفظ البحر
بعد أن لفظ كل شيء
كم أنا غريب عن الأدب
وكم أنا غريب عن نفسي
كلمة لا تعرف شيئًا
التي أعدها وسامًا
في لغة الأدب والفلسفة
عار يلاحقني في الجهات
…
نعم لا أعرف شيئًا
والإنسانية نادرة جدًا
ولهذا أتلاشى
-15-
تسألني طفلة الآن: هل تعمل
أجيبها: نعم
هذه النكتة الوحيدة في هذا النص
ولا يهمني إن لم تضحكوا
فالأيام التي ترميكم في أعمال السخرة
ولعق الأحذية
وتجعل طعمكم كعصير الجرابات
مضحكة أكثر
من قصائدي
والأيام التي أذلتكم
وحولتكم إلى وحوش في الوقت نفسه
حتى فقد اللوز مراره
واللثغة متعتها
لن أقابلها إلا
ببصاقة تسبح في الملح
ولكم أن تقرفوا
فالقرف الشعور الضروري المنبوذ
بين المشاعر
كرمز أغضبني في موقع فيسبوك
ثم قل لي، أنت الذي وصلت إلى هنا
ماذا تريد من قراءة هذا النص
انقلع
نعم انقلع
اذهب واقرأ نصًا متكاملًا
ككمال أمك
ودعنا نعمل
-16-
أصبحت البلاد جنة
والقصائد بيضاء
وصار وجه الشمس أبيض
كالغسيل
…
- لماذا كلمة حمار تثير الإنسان إلى هذا الحد؟
- لأن جميع الأشياء المهمة حدثت
دون أن تراها
- ربما نصلح جميعنا مقاومين
في جيوش الحياة
-17-
امتلاك العينين
اللسان
القلب
الرأس
وما بعد العذاب
ولماذا كل هذا
وإلى متى تراقب تلك الألعاب
-18-
ولماذا نحتاج إلى الخيال أصلًا
عندما تكون الحياة متحجرة؟
/
عندما تؤلمني أسناني
أحاول أن أتذكر يومًا واحدًا سعيدًا لأغير الموضوع
فلا أستطيع
عندما تؤلمني أسناني
أعرف أن البروفين أهم من الأكسجين
-19-
لا تنتظر من شيء أن يوصلك
إلى موتك الناضج جدًا خلف الباب
-20-
كانت أطرافي تتجمد
وأنا أكتب
أو أدرس
في غرف بعيدة
بينما أشاهد التلفاز مع الأسرة
في غرف دافئة
لم يسقط البحر من التلفاز
ولم تصل العصافير
إلى غرفتي الباردة.
-21-
من يعرف الشتاء والنار جيدًا
يتمنى أن يستمر الصيف إلى الأبد
ولو لم يعش
ولو لم يكتب
ولو قضى كل الوقت
يراقب سماءً زرقاء وطائري سنونو
-22-
لو كنت تعمل
هل ستكتب هذا
هل العمل اغتصاب للإنسان
-23-
طفل وعجوز على بعد أمتار
كلاهما يكنس الأرض
بظله
وبينهما أتقافز كالأبله
…
يجب أن يموت الشاعر شابًا
وإن كان طفلًا
وإن عاد طفلًا
وإن…
لا يجب أن تأسره الكلمات
أو يصدق شيئًا مما قاله
-24-
بين أحجار قليلة
في أرض جافة
تولد فكرة ممطرة
كطقوس لتحضير الأرواح.
ينظر الناس إلى الجسد القابع
في الغرفة
ويوشكون على دفنه.