ترفيه وجريمة
رغم أن الترفيه يشغل القسم الأكبر من حياتنا الاستهلاكية ويتضمن ذلك الأغنيات والمسلسلات والألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي يبقى الحديث في هذه المواضيع غير محبذاً، وأذكر كيف تجنب بعض المتابعين الإشارة لعمل أنتج سنة 2017 بعنوان شوق للمخرجة “رشا شربتجي” الذي لا يمكن وصفه بأقل من جريمة وتزييف لتاريخ قريب يتعلّق بمعاناة النساء السوريّات من التنظيمات المسلّحة لأنه وصل إلى درجة من السوء لا يمكن استيعابها.
في المنفى
لم تكن الأعمال التي يقدّمها شباب الثورة تلقى انتشاراً كبيراً؛ ومن ذلك ما تمّ تصويره بتقنيات بسيطة وظروف مادية وأمنية صعبة يليها أخطاء المونتاج وقدّمت أفكارها بأسلوب فج وعبّرت عن واقع معاش ومشاكل عاجلة، ومنها ما تمّ تقديمه في كوميديا سوداء أو قصص واقعية وهي تجارب كان لها صداها في وقتها ولو على صعيد المدينة التي تم تصويرها أو تسجيلها فيها أو على صعيد جمهور الإذاعة التي عرضتها، فمن تلك الأعمال ما عرض على قنوات فضائية وإذاعات مثل إذاعة “شو في ما في” و”أورينت” وغيرها.. وأحد تلك المسلسلات تمّ تصويره في إسطنبول وعرض على قناة Aj+ ويقدم مجموعة من الشباب العرب في منفاهم بعد الربيع العربي فلا يمكن التقليل من أهمية هذه الأعمال السورية الخارجة عن سيطرة الرقابة والمولودة في بيئة جديدة وإن كانت في معظمها مشاريع آنية تنتهي بتفرّق صناعها في دول عربية وأوربية تمنعهم من تطوير التجربة وصناعة أعمال أقوى فلم يدخلوا في منافسة مع صانعي المحتوى الترفيهي على الانترنت أو الإنتاج التلفزيوني التقليدي.
الناجي الوحيد
الدراما السورية صناعة مكرّسة ويتم التحكم بها بشكل شبه تام سواء من النظام أو الفضائيات العربية ولهذا انخفضت نسبة متابعتها بعد الثورة السورية، مع هذا يظلّ انتظار المتابعين لأعمال تنتج من صنّاع الدراما السورية وتقدّم مستوى جيداً، مثل: “غداً نلتقي” أو “قلم حمرة” لكن تلك التجارب لم تتكرّر وصارت التجارب التي تلتها مثل العراب ودقيقة صمت التي حاولت أن تقدم طرحًا جريئًا تقابل بفتور أكبر ويكون الخلاف حولها شديداً من قبل متابعيها وحتى مسلسل الواق واق لم ينجح كمسلسل الخربة مع أن كلاهما للكاتب والمخرج نفسه.
وبينما يبحث الجمهور عن تلك الاستثناءات النادرة تبقى القاعدة على حالها: البيئة الشامية باب الحارة وأخواتها أو دراما الإرهاب في بقعة ضوء وعناية مشددة وأعمال نجدة أنزور أو الأعمال المشتركة اللامعة القشرة فارغة المحتوى مثل الأخوة والهيبة وحتى الأعمال التاريخية التي اختفت مؤخراً أو تم تسييسها وتسخيفها عند وجودها مع أن إنتاجهما يتم بظروف جيدة وجهود عربية مشتركة أو الأعمال الاجتماعية السورية التي باتت تشكو من فقر الإنتاج وغياب الأسماء الكاريزمية التي كانت تجذب الجمهور ولا مكان لها خارج الموضات الدارجة.
بعد عدة سنوات
للكاتب بسام جنيد والمخرج عبد الغني بلّاط يقدّم أسرة سورية في عام 1989 وتضم ثلاثة أبناء وبنت:
نورس موظف رعديد محطّم الشخصية، نموذج من يوالي النظام بسبب جبنه وضعف شخصيته رغم أن والده علمه الاستقامة والنزاهة لم ينفع هذا وانتهى به الأمر ليشاهد السرقات وهو صامت وعندما تقوم زوجته وأخاها بسرقة أموال الأسرة لا يتمكّن من فعل شيء، بل يؤدي به خوفه على العائلة إلى وضع الحشيش لأحد المعارضين والتسبّب بسجنه كي لا يشكل خطراً على أسرته.
معروف رومانسي حالم يتخبّط في الحياة بين الواجب الإنساني والحب ويبقى وفيًا لكليهما وحياته يعبث بهل القدر كأبطال الأساطير الإغريقية يوليسوس وسيزيف أو شخص يواجه الحياة بلا أفكار مسبقة ويتخبط بين نور التي يتزوّجها لأسباب إنسانية وهند حبيبته التي يتركها بسبب زواجه.
جمال مثقّف صاحب مبادئ، نموذج المعارض الذي يحاربه المجتمع والنظام ويسجنه ويحرمه من اكمال الدراسة ومن ثروة العائلة ويبدو عدم اتساقه مع المجتمع وطريقة طرحه لأفكاره كوميديًا جداً فمثلا عندما يزور منزل حبيبته ويشاهد آية الكرسي يبدي تبرّمه من أن أسرتها ليست مسيحية وهذا ما سيحرمه من الصراع مع هذا المجتمع المتخلّف وكذلك عندما يخبر جارته نصف الأمية أنه لا مشكلة لديه لو أن أخاها أقام علاقة جسدية مع حبيبته في لحظة ضعف ولكن مشكلته أنه يشك أنه نشأت بينهما عواطف مشتركة في فترة سجنه بينما هي تبدي تبرمها من هذه الثرثرات وفي مشهد ثالث عند خروجه من السجن يجد حبيبته قد قضت تلك السنوات في تعلم الموسيقى ليختلفا على اسم ملحن أغنية حبيبي يسعد أوقاته هل هو زكريا أحمد أم السيد مكاوي ليحرمها بذلك من التفوق عليه حتى في مجالها.
أميرة مناضلة نسوية تعمل على إكمال دراستها العليا وتربية أطفال الأسرة أخيها الرابع الذي توفيت أمها عند ولادته وابن أخيها معروف.
رغم أن بناء الشخصيات كان موفقًا والقصة جميلة رغم تلكؤ سردها وإزعاج المشاهد أحيانًا هناك كثير من المشاهد والحوارات المفتعلة في المسلسل.
ولن أتكلم عن الملابس التي قد لا تتوافق مع تلك الفترة ولا إصرار صنّاع العمل على عرض علب السجائر والاحتفاء بها في جميع المشاهد لأن التدخين جزء من حياة الشارع السوري وهم لم يحاولوا إقحام مشاهد جريئة كالمشروب والجنس بهدف جذب المشاهد
لكن هنالك مفارقة أساسية: فالعمل يقدم قصصا سورية جميلة بطريقة لائقة بعيداً عن تجريح المجتمع واتهامه بالتخلف ويكتفي بالتلميح ويترك الأمر لخيالنا فبعد مشاجرة جمال مع أحد زعران رجال النظام يأتي سجن جمال وأبو زياد وبذلك يتم الدوران عن أسباب السجن بقصة لا تدخل العقل كأنه يطلب منا أن نكتب نحن القصة من جديد كما نريد ويكتفي بقول أن التمرّد في تلك الفترة مصيره السجن.
ولا ننسى أن العمل كله عبارة عن حكايات يرويها معروف سنة 2014 لكاتبة لا يعرفها ويقابلها بالصدفة مما يتيح لنا المجال للتشكيك بذاكرته أو درجة الجرأة التي يملكها وهو يروي تلك القصص في دمشق المليئة بالأمن والحواجز بعد عدة سنوات.
دراما اجتماعية
منذ نجاح الدراما السورية في التسعينات أصبح الأمر سجالًا بين العمل الاجتماعي والموضات الدارجة؛ فبعد ظهور أعمال هيثم حقي تم خطف الجمهور بفنتازيا نجدة أنزور ليأتي مشروع حاتم علي الاجتماعي وتليه دراما التشويق والإبهار لهاني السعدي ويوسف رزق وفي تلك الفترة ظهر كتاب واقعيون لهم مشاريعهم بينما كانت البيئة الشامية تمدّ أذرعها وتتشعّب.
تقديم عمل اجتماعي بسيط يضعنا في مواجهة المشاكل والتناقضات، وربما يمكن الحديث عن جمهور وفي لهذه النوع من الأعمال على خلاف جمهور الموضات الدارجة الذي يأتي ويذهب، وأن الوفاء لم يرتبط بمخرج معين كهيثم حقي أو حاتم علي أو ليث حجو، بل إن هناك نوعًا من التراكم الذي انقطع مؤخراً.
دراما محلية بتكاليف بسيطة هي ميزة الدراما السورية التي اختفت مؤخراً من ساحة المنافسة ولا نعرف هل سيعود ظهورها، بشكل جيد، بعد عدة سنوات؟
*خاص بالموقع