حسام الدين محمد: مايكل أنجلو السودان ومؤذن تركيا وسافو الإمارات!

0

أثارت لوحة «خلق آدم» لفنان عصر النهضة الإيطالية مايكل أنجلو، أزمة كبيرة داخل السودان، انتهت باستقالة الشخص الذي حمّل مسؤولية نشر صورة للوحة الشهيرة في مادة التاريخ لطلاب الصف السادس الابتدائي، وهو عمر القراي، مدير المناهج في وزارة التربية والتعليم، وتجميد مقترحاته لإعداد مناهج تربوية جديدة.
بدأت المشكلة بانتقادات شديدة وجهها أئمة مساجد ورجال دين، كما أفتى «مجمع الفقه الإسلامي» وهو جهاز حكومي، بحرمة تدريس هذا العمل الفني، باعتباره «يسيء للذات الإلهية» كما أصبح مادة للنقاش على وسائط التواصل الاجتماعي، وبين الصحافيين والمثقفين، وحسم رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الأمر، بوقف مقترحات مدير «المركز القومي للمناهج في السودان» لأن «قضية إعداد المناهج تحتاج إلى توافق اجتماعي واسع».
في تقديمه لاستقالته، اتهم القراي الحكومة الانتقالية بـ«الإذعان لأصوات أنصار الرئيس المعزول عمر البشير» فدافع عنه كثيرون، مثل هالة أبو شامة، التي اتهمت الحكومة «بالفشل مرة أخرى أمام الإسلامويين» فيما رأى البعض أنه «لا يمكن الخروج من حكم متطرفين إسلاميين، والوقوع بيد متطرفين جمهوريين، فالاثنان الشيء نفسه مع اختلاف المناهج».
أحد المعلقين، أبو الحسن الشاعر، رفض «مناصرة الأوباش الذين يعارضون التغيير والتعديل والحذف والإضافة، لمنهج مرحلة الإنقاذ البائدة، بهدف المماحكة السياسية والعقائدية الصرفة» ولكنه، وبعد شرح طويل من الكاتب للوحة وسياقها الديني التوراتي والمسيحي، يخلص إلى أن القراي قدم تبريرا فجا لحشر اللوحة ذات الأبعاد الفلسفية العميقة، حشرا في منهج أطفال في الصف السادس، وأنه أخطا بقبول هذه اللوحة، وليس غيرها من أعمال مايكل أنجلو العديدة والرائعة «التي لا تخلق مثل هذا الإشكال العقدي الذي ورط فيه نفسه وغيره وشغل الناس بأمر ليس له ما يبرره إطلاقا، ولا هو من الضرورات» مضيفا أن «المنهج يقتضي بالضرورة النظر في «الفئة المستهدفة وقيم المجتمع، وجماع ثقافته وتقبله لفكرة ما والبيئة العامة السلوكية».

مناهج في دياجير الظلام

تقدم المعركة السالفة نموذجا لـ«معارك» العرب الحديثة، وهي معركة تشتبك فيها محرّكات الأيديولوجيا والسياسة، التي يغطّيها دخان كثيف من «كليشيهات» المعارك، ويشترك المعتركون في استخدام الاستعارات الشهيرة المستمدة من النور والظلام، فيجد بعض مناصري القراي مثلا أن موقفه ضد «الظلاميين» سيكتب «بأحرف من نور» فيما يتحدث معارضوه عن كيف «تقفز المناهج لدينا إلى دياجير ظلام» وتقدم «ثقافة رديئة» و«وقيعة اجتماعية».
مثال آخر على هذه المعارك، حصل ضمن سياق جغرافي وثقافي آخر، حين أشعل أكرم إمام أوغلو (أي أكرم بن إمام) رئيس بلدية إسطنبول الكبرى (أحد أقطاب حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي) فتيل أزمة «تتريك الأذان» خلال فعالية أقامها بمناسبة إحياء للذكرى 747 لوفاة الصوفي الشهير جلال الدين الرومي، حيث رُفع الأذان وقرئ القرآن والأدعية باللغة التركية، كما شارك نساء ورجال، في تلك الفعالية، بشكل مختلط في فقرة لرقص المولوية الشهير.
اتخذ الحدث، بسرعة، طابعا سياسيا وأيديولوجيا كثيفا، لأنه ذكّر الأتراك بمجموعة من الأحداث، بدأت خلال ثلاثينيات القرن الماضي، حين حظرت الحكومة الأتاتوركية عام 1932 رفع الأذان باللغة العربية، وتبع ذلك، في عام 1941، تشريع يحظر الأذان بشكل كامل، إلى أن فكّ هذا الحظر عام 1950 في ظل الرئيس عدنان مندريس، أول رئيس ينتخب ديمقراطيا في تركيا، الذي شنقه الجيش بعد انقلاب عسكري عام 1961.
وكما استخدمت جهات النزاع في السودان خلطة المصطلحات اللاهوتية ـ العلمانية (الظلام والتنوير) فقد حصل تخليط مناظر في تركيا، وهو ما يمكن أن نستنتجه من تصريح كاتب تركيّ، يدعى نوح البيرق، حين قال إن «حزب الشعب الجمهوري عُجن برهاب الإسلام، وأولئك الذين صوتوا لإمام أوغلو بعد قراءته سورة ياسين في مسجد أيوب قبل الانتخابات، هم مسؤولون عن هذا العار» فمقتضى التصريح يفيد باستخدام ممثل «الشعب الجمهوري» المعجون، على حد قول الكاتب، برهاب الإسلام، للرأسمال الرمزي الإسلامي هو أيضا في سبيل تعزيز أجندته السياسية المعادية لحزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، في تبادل غريب للأدوار، اقتضاه الظرف.

ممنوع «تقليد النساء»

حدث ثالث يجري التخطيط له على حدود التصدّعات السياسية والأيديولوجية العالمية والإسلامية والعربية، وهو مؤتمر دولي من تنظيم «الأكاديمية العالمية للعلوم والهندسة والتكنولوجيا»! حول «الهوية الجنسية وحقوق المثليين» تستضيفه إمارة دبي في 6 أيار /مايو المقبل، ويجري ذلك، حسب موقع LGBTQ Nation المناصر لقضايا «مجتمع الميم» (تجمع للمثليين، مزدوجي الميل الجنسي، والمتحولين جنسيا، والداعمين للمثلية) ضمن خلفية تعديلات قانونية إماراتية أبرزها تخفيف القيود على شراء الكحول، قوانين الطلاق والزواج، وتوفير حماية أكبر للنساء. أشارت المجلة إلى مفارقات الموضوع، بدءا من المادة 177 من قانون العقوبات، الذي يحكم بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات للمتهمين بممارسة أفعال جنسية مثلية، والمادة 359 الإماراتية التي تعاقب بالحبس والغرامة «كل رجل تنكر بزي امرأة، ودخل مكانا خاصا بالنساء أو محظور دخوله آنذاك لغير النساء» كما أن الزنا والفسق جريمتان يعاقب عليهما بالإعدام، وهناك توثيق لاعتقالات في الإمارات بحق أشخاص بسبب ميولهم الجنسية، وحكم عام 2008 على سائحتين مثليتين بالسجن لإظهارهما عاطفتهما على الشاطئ في دبي، وقبض على امرأتين متحولتين من البرازيل في ملهى ليلي بتهمة «تقليد النساء» وواجه اسكتلندي وضع يده على رجل، في حانة السجن 3 سنوات.
بالمقارنة، ففي السعودية المجاورة، صدر قبل أيام حكم بإعدام متهم تشاديّ «مارس اللواط» بموجب حد الحرابة، وحسب ويكيبيديا، فإن الجنس المثلي يعاقب عليه بالسجن في الكويت، مصر، سلطنة عمان، قطر وسوريا، ويمكن أن يعاقب عليه بالإعدام في إيران، السعودية، قطر، الإمارات.
تتراكب هذه الأحداث على خطوط الاشتباك السياسي والأيديولوجي الحادّة، وقد تموضعت الحادثة السودانية على حدود الصراع الجاري بين «العلمانيين» و«الإسلاميين» ورغم رحيل رأس النظام السابق، فيمكن القول إن الوضعية الانتقالية الحالية تجمع النظامين السياسيين في سرير واحد، وتتراكب الحادثة التركيّة أيضا، وبطريقة مقاربة يشتبك فيها المفهوم التقليدي للإسلام والطريقة المولوية، مع مفهوم جديد لكنّه يذكر بأحداث سياسية أليمة.
أما في الحالة الإماراتية، فتصل الغرابة إلى أقصاها، في ظل تراكب «ميول» الانفتاح السياسي (التطبيع مع إسرائيل) والتسامح الديني (تجاه اليهود والمسيحيين) والتخفّف من الإلزامات الإسلامية عموما، مع واقع التصلب الأمنيّ والتدخّلات العسكرية الإقليمية، بما في ذلك بناء السجون، واستئجار مرتزقة للقيام باغتيالات، وقمع المعارضين.

*القدس العربي