تطرّق كتاب ومترجمون ومهتمون في اليوم العالمي للغة العربية، بمفارقات هذه اللغة والتناقضات التاريخية والسياسية والفردية المرتبطة بها. علّق الكاتب السوري خضر الأغا حول الموضوع قائلا: «اللغة العربية، شأنها شأن لغات العالم ذكورية»، مستنتجا إنه: «ما لم يتم تأنيث اللغة، سيبقى العالم جلفا وغليظا وفجا»، وهو ما جاراه فيه أبو حيان المصلح، الذي اعتبر أن اللغة العربية «تخبرنا عن حقيقتنا الجندرية (علاقات الهيمنة بين الذكر والأنثى)».
أحد التعليقات القاسية جاءت من الروائي الجزائري الأمين الزاوي، الذي قال إن «لا اللغة العربية ولا الدين ولا السياسة، استطاعت أن توحد أبناء شمال افريقيا، وحده الكسكسي، أو على الأصح سكسو طبق الملك ماسينيسا، هو الذي جمع أبناء هذه المنطقة أخيرا، في ملف موحد قدمته الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، تم إدراج الكسكسي سكسو في لائحة التراث الإنساني من قبل اليونسكو».
ناقض آخرون هذه الآراء ودافعوا عن العربية، كما فعلت القاصة والإعلامية السورية نسرين طرابلسي التي خاطبتها بالقول: «أمي لا تتركيني في مفاوز أبجديات باردة غريبة، لا تشبه ملامحنا، مهيمنة تبتلع هويتنا، وتطمس بمحابر حقدها صحاف حضارتنا»، كما قال الكاتب الفلسطيني السوري محمد شاويش: «قل لي ما هي خلفيتك الأيديولوجية أقل لك ما موقفك من اللغة العربية»، و»كل من لا يطيق أن يجتمع العرب يبذل أقصى جهد لضرب اللغة العربية»، طالبا من قارئه: «اترك عادة السفهاء في الكتابة بالعامية»، فيما رفض ماهر رجا فكرة ذكورية اللغة قائلا إنها «في جانب مهم منها لغة مؤنثة»، مضيفا أن «معظم لغات العالم لا تحتوي إلا على صيغة المذكر في مخاطبة المؤنث في الجمع والإفراد».
أساتذة العربية أسوأ معلمين؟
تطرق كتّاب لجوانب أخرى من المسألة، فقدم الكاتب السوري راتب شعبو نصا عرض فيه بعضا من المفارقات اللطيفة في علاقته بالتعبيرات اللغوية، خلال طفولته، كتحذير المدير لمن لا يأتي للمدرسة بلا مريول «بألا يلوم إلا نفسه»، مشيرا إلى تعثر فهمه لمصطلح «تكافؤ الفرص»، فالفرصة، في المدرسة هي الاستراحة خارج الصف، وكذلك تعبير «امتياز» تنقيب النفط، والامتياز، في اعتقاده هو الإجادة، وكذلك تعبير «يرحمه الله»، ويشاركه في ذلك المترجم أسامة الشامي الذي يستنتج أن «غالبية أساتذة اللغة العربية أسوأ معلمين في العالم».
وردّ الروائي والإعلامي المصري شادي بطرس لويس على جملة المنتقدين لأخطاء الكتّاب في النحو والإملاء والكتابة عموما بالإشارة إلى الأعراض والتشخيصات المرتبطة باضطراب اللغة، مشيرا إلى أن هناك 7 إلى 10% من الناطقين بأي لغة في العالم يعانون منها، ويشرح أن هذه الاضطرابات يؤثر بعضها في اللغة المنطوقة أو استيعابها، والقراءة وفهمها، والكتابة طبعا».
تناول كتاب آخرون بعض قضايا اللغة العربية وإشكالياتها بطريقة تربطها بالقضايا السياسية والاجتماعية، كما فعل شاكر جرار في بحث بعنوان: «قال وقلنا: كيف اكتسب حرف القاف في المحكية الأردنية معانيه ودلالاته»، كشف فيه الخلفيات السلطوية العميقة، المادية والرمزية، عبر مثال استخدامات حرف القاف في الأردن، مقدما لدراسته بما أثارته عبارة «تكلكوش» ليوسف الصقور، رئيس نادي الوحدات الأردني حين تسلم رئاسة النادي عام 2017، والتي قلبت حرف القاف كافا «تقلقوش»، كما يفعل الكثير من أبناء قرى فلسطين، عندما يتكلمون محكيتهم، ما أثار حملة تندر من قبل جمهور نادي الفيصلي، الذي يعد معظم جمهوره من الشرق أردنيين، والاعتزاز من قبل جمهور النادي من الأردنيين الفلسطينيين.
ضعف العربية في عالم الترجمة
في حفره ضمن هذا الموضوع يجد جرار أن حرف القاف في محكيات بعض الدول العربية يحظى بأهمية تتجاوز حروفا أخرى، حيث يعتبر أحد الرموز اللسانية التي تدل على هوية المتكلم أو أصله أو جنسه أو عمره أو طبقته الاجتماعية، وهو يحمل دلالات تؤشر إلى أصل ومنشأ عائلة ـ قبيلة المتكلم (فلاح، بدوي، مدني)، والإقليمية (أردني ـ فلسطيني)، وطبقته الاجتماعية (فقير ـ غني)، إضافة إلى العمر (طفل، شاب، مسن)، والجندر (رجل، امرأة)، كما يشير لأدوار ووظائف مختلفة يلعبها في الفضائين العام والخاص، وبالتالي فهو رمز لساني، اجتماعي، سياسي، عمري، مجنسن.
وكتب الإعلامي والكاتب السوري مؤنس بخاري، عن ضرورة استخدام الأبجدية العربية الموسعة، مشيرا إلى قصور العربية في هذا المجال ما يعيق تدوين تراجم لغات العالم واللغات الأوروبية، بسبب عدم وجود أبجدية عربية موسعة تستطيع تدوين الأصوات جميعا بدقة وبشكل صحيح، مشيرا إلى أن بعض المجامع العربية حذفت عددا من الأحرف «تحت ظن العجمة، بعد إعدام الأبجدية العثمانية المتطورة عن الأبجدية الفارسية ـ الرومية»، وبحذف ستة أحرف من الأبجدية العربية تقلص عدد الأصوات التي تستطيع تدوينها بعد أن كانت تكتب بدقة باستخدام 34 حرفا. ينبه بخاري إلى أن شركة أبل اعتمدت نظام الألفبائية العربية الموسعة في كل أجهزتها، ويراه «النظام الأدق والأفضل لكتابة الكلمات غير العربية في نصوصنا العربية».
عملاق من قش
كتب الروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري، مقالا معمقا يصف العربية في العصر الرقمي بـ»عملاق من قش» يرسم فيه «الخريطة المأساوية لخواء حضور اللغة العربية في الزمن الرقمي»، منبها إلى «تأخرها المرعب للبدء ببناء قاعدة تحتية لحضورها على الإنترنت». المشكلة الكبرى التي يشير إليها سروري هي أن أغلب الدول في العالم لديها بنى تحتية معرفية: مكتبات رقمية متخصصة في شتى المجال، المواقع الرسمية والتربوية العامة والخاصة والجامعات ومراكز الأبحاث، وجميع هذه المواقع التي تحتوي ملايين الكتب والنصوص مسلحة بـ»صلات النصوص الفائقة» Hypertext Links وكلها غنية بوسائط الصوت والصورة والفيديو والصور ثلاثية الأبعاد الموجودة في كل اللغات إلا العربية، ويعطي مثالا بأن أغلب مواد موسوعة ويكيبيديا، خصوصا في المجالات العلمية والثقافية تخلو من الترجمة إلى العربية، فعدد المواضيع المكتوبة بالبولندية مثلا، يساوي عشرة أضعاف ما هو مكتوب بالعربية، وما ترجمته إسرائيل في السنوات العشر التي تلت تأسيسها يفوق كل ما ترجمه العرب منذ بدء القرن التاسع عشر إلى اليوم، وهي لغة بلا مدوّنة «بنك اللغة» أو المعجم الأيتومولوجي (الاصطلاحي)، وليس فيها «متعرف ضوئي للأحرف»، وهو برنامج قاعدي تمتلكه كل لغة، يسمح بتحويل النص المصور بكاميرا أو ماسح ضوئي إلى نص رقمي، وهو أحد عوائق دخول العربية للعصر الرقمي، وهو الذي يمكنها من عبور مرحلة حضارية سحيقة إلى أخرى أرقى بكثير، وهي لغة من دون تقنيات تصحيح ومحركات بحث ملائمة، وهو ما ينذر بأن تحل لغة عربية جديدة مليئة بالأخطاء الإملائية محل الأصلية، بفعل مبدأ سيادة الغلبة الإحصائية، ويكفي لتبيان ذلك، كما يقول سروري إلى وضع كلمة مكتوبة خطأ مثل «يصوموون» أو «مريظ» حتى تصلك آلاف الصفحات تحمل هذه الكلمات المكتوبة خطأ في حين يصحح محرك غوغل الكلمات الخطأ في اللغات الأخرى أوتوماتيكيا، وأخيرا، لا آخرا، فإن العربية لم تدخل عصر الرقمنة بعد لانتفاء الأمور المذكورة سابقا كلها: قارئ ضوئي آلي للأحرف، مدونة لغوية، ترجمة كثيفة يدوية وآلية، برامج تصحيح لغوي ومحركات أبحاث ملائمة».
مجمل هذه الآراء يشير إلى انعكاس أوضاع العرب البائسة على لغتهم، وإلى كون اللغة موضوعا للصراعات الحضارية والسياسية والاجتماعية الحادة، فهي أيضا أداة كبرى في هذه الصراعات.
*القدس العربي