في المانيفستو الذي أصدره بعنوان «إعلان أوروبي للاستقلال» قام الفاشي المعادي للجهاديّة الإسلامية، النرويجي أندريه بريفيك بشرح كيف استفاد من لعبة Call of Duty: Warfare2 في قتل 78 من الأطفال والشباب في مخيم صيفي يوم 22 تموز/يوليو 2011.
خلال دورة دراسية في السويد شرحت لنا إحدى المحاضرات كيف تمكنت من كشف فضيحة سياسية، حين اكتشفت بالمصادفة أن ابنها يشترك في لعبة فيديو جماعية مع نائب البرلمان الممثل للمنطقة. عند تدقيقها في جدول أعمال النائب المعلنة وجدت أنه كان يدّعي العمل في الوقت الذي كان يلعب فيه.
كانت هناك تقارير ذات مصداقية تزعم أن بشار الأسد رئيس النظام السوري، كان (وربما ما زال) مدمنا على ألعاب الفيديو (وعلى أفلام الجنس الإباحي) كما نشرت تقارير عن أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، متابع للعبة «دوتا 2» وأنه صرف 9046 ساعة على هذه اللعبة، و550 ساعة على لعبة أخرى تدعى «تيم فورترس».
عندما صدرت لعبة Grand Theft IV التي تحتوي هجمات انتحارية وسيارات مفخخة، استنتج بعض مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم من الجهاديين، أن اللعبة تستوحي أعمال تنظيم «القاعدة» الذي نفذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر في أمريكا. مؤلّف اللعبة، ويدعى كريستيان ستوكر، رد بغضب على مزاعم الجهاديين قائلا، إن القول باستلهام «غراند ثيفت 4» من ممارسات تنظيم «القاعدة» يشبه القول إن ذاك التنظيم هو الذي اخترع العنف.
زميل صحافي ومبرمج قال لي، إنه كان يلعب لعبة فيديو يوجد فيها كل عناصر ما درج على فعله تنظيم «الدولة الإسلامية» وذلك قبل تأسيس ذلك التنظيم بزمن طويل، وبهذا المعنى فإن مؤلف «غراند ثيفت 4» لم يفعل غير متابعة سياق موجود. السؤال الذي يطرأ على الذهن، في سياق سياسيّ، هو كم تؤثّر هذه الألعاب على ممارسات لاعبيها، وكيف تؤثر في سياساتهم؟
من «الألوية الحمراء» إلى «القاعدة»
حسب كتاب طبع عام 2006 لكاتب يدعى روجر ستاهل، فإن مستهلكي ألعاب الفيديو الغربيين، أصبحوا «جنودا افتراضيين» بتأثير العلاقة بين شركات التسلية والصناعات العسكرية. يقول ستاهل إن الجيش الأمريكي يقدم استشارات لشركات ألعاب الفيديو، وإن بعض كتاب هذه الألعاب كانوا عسكريين، وإن كثيرا من الشركات توظف جنودا سابقين لاستشارتهم في ألعاب مثل Rogue Warrior وKuma/War. عام 2011 قتل الجيش الأمريكي أسامة بن لادن في باكستان، وخلال أقل من أسبوع نجحت لعبة «كوما وور» في إضافة إمكانية تركيب مشاهد لهذا الحدث في حلقتها رقم 107. حملت هذه الألعاب رسائل سياسية ضمن ما يسمى «الحرب على الإرهاب» التي يعتبرها الناقد الأمريكي إد هولتر «الجيل الثاني من البروباغاندا العسكرية الأمريكية». أكثر من نصف ألعاب الفيديو، التي أطلقت بين 2002-2005 (الفترة التي شهدت اجتياح أفغانستان والعراق) على ما يذكر كاتب يدعى مايكل هتشنس، صوّرت الأعداء كإرهابيين، أو على أنهم خصوم سياسيون للغرب، بعد أن كانت النسبة قبل عشر سنوات من ذلك 20٪. كان الأعداء في الألعاب خلال الستينيات والسبعينيات هم إرهابيين دوليين مناهضين سياسيا مثل «الألوية الحمراء» الإيطالية وحركة «فتح» الفلسطينية، لكن مع ظهور تنظيمي «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» ارتفعت أسهم السردية الدينية للإرهاب.
من اللافت للنظر أن الأفلام الأمريكية التي صنعت حول أفغانستان والعراق لم تحقق نجاحات كبيرة لدى الجمهور، لكن ألعاب فيديو مثل Call of Duty: Modern Warfare2 حققت نجاحا هائلا. في تلك اللعبة كان الأخيار أمريكيين وبريطانيين والأشرار هم «الإرهابيين».
الإرهابي باعتباره رجلا أسمر طويلا!
استخدمت مدارس اقتصادية وسياسية معاصرة فرعا من الرياضيات التطبيقية، يدعى «نظرية اللعب» التي قام العالم الأمريكي من أصل هنغاري جون فون نيومان، وزميله الألماني الأصل أوسكار مورغنسترين، بتطويرها، وتقدم أدوات لتحليل أوضاع يقوم فيها «اللاعبون» باتخاذ قرارات يتم فيها تقدير قرارات اللاعبين الآخرين واستراتيجياتهم، ويعتبر دومينيك كمينغز مستشار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، من الأشخاص المعروفين بإيمانهم بتطبيق هذه النظرية في العمل السياسي، وهو ما شهد البريطانيون آثاره في التكتيكات التي اتبعها دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي تأثير الفضيحة التي سرقت فيها شركة «كامبريدج أناليتيكا» بيانات البريطانيين واستخدمتها للتأثير فيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
يمكننا القول، كخلاصة، إن هناك تأثيرا طاغيا في وقائع السياسة العالمية لألعاب الفيديو بشكل أنتج ثقافة عالمية يشترك فيها الجلادون والضحايا في استلهامها وتغذيتها. لقد كسر العالم الحديث الحواجز بين العالمين الواقعي والافتراضي، وما بشار الأسد، وطائرات الدرون الأمريكية والروسية، والمعارك الحاصلة على الأرض وعلى الإنترنت، والمهاجرون الذين يهربون من الشرق الأوسط، إلا انعكاسات لهذه الانكسارات في الحدود بين الواقعي والافتراضي، وهي انكسارات تؤدي إلى تصدع أوضاعنا وفهمنا، أو تخيلاتنا، لهذه الأوضاع أيضا. يركّز كثير من تحليلات الواقع الحالي، على أدلجة الصور الوحشية بحيث ترى السرديات الأيديولوجية والجغرافية والدينية بطريقة انتقائية تغفل ارتباط ظواهر العالم بعضها ببعض. بعد الحروب التقليدية سادت، خصوصا منذ فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فكرة محاربة طالبان و»القاعدة» وتنظيم «الدولة» بطائرات دون طيار، بحيث انفصل العمل العسكري، الذي كان يستلزم الالتحام أو الاقتراب من الخصم، إلى ضغط على أزرار مثل ألعاب فيديو. يمكن كشف خيوط اتصال بين طرق استخدام بعض الساسة العرب للواقع الافتراضي، والتعامل مع شعوبهم كأنهم خصوم على شاشات كومبيوتر، كما تجاهل الإدارات الغربية لتعقيدات الوضع العربي والتعامل معه بعقلية ألعاب الفيديو، إلى كوارث إنسانية كبرى، وما نشهده اليوم هو حالة غير مسبوقة من الصراعات التي ساهمت في صنعها الحقبة الرقمية والتواصل العولمي الذي توفره.
ارتباط الظواهر ببعضها، يعني أن القنابل والصواريخ التي تقذفها طائرات الدرون الأمريكية والروسية على العراقيين والسوريين والأفغان، تعود مجددا إلى روسيا وأمريكا وأوروبا بأشكال أخرى، لأن العالم متصل، ليس بالإنترنت وحده، لكن باليأس وفقدان الأمل، الذي يجعل البشر تترك بيوتها وتهاجر، وكذلك بالمهووسين في العالم، الذين أسقط أحدهم طائرة جيرمان وينغز وقتل كل ركابها لأنه أراد أن ينتحر، وهناك تنافس بين أمثال بريفيك، من الفاشيين المؤمنين باستئصال المسلمين، مع الجهاديين الذين يقلدون ألعاب الفيديو ويحاولون أن يبزوها بالعنف، في دائرة تضيع فيها البوصلة بين السبب والمسبب.
لخّص أحدهم ما كان يحصل في العالم بهذه العبرة: البرنامج الذي يستخدمه محرك طائرات الدرون الأمريكية ترسل الطائرة رسالة إلى مديرها، الذي يجلس في غرفة في تكساس أو كاليفورنيا تحدد الهدف حسب المواصفات المطلوبة: مشتبه في ملامح عربية، وهذه الملامح، حسب ما يقول مختصون، تعني رجلا أسمر طويلا ونحيلا. السؤال الذي يتوارد للذهن مباشرة هو من هو الشخص الأسمر والطويل والنحيل الذي ستراه طائرة الدرون وتحدده هدفا للقضاء عليه لو أنها حلّقت فوق البيت الأبيض أثناء حكم أوباما؟
*القدس العربي