حسام الدين الفرا: الأدب يُطعم كبَاباً !!

0

كثيراً ما قيل لصديقي : اتركِ الأدب والشِّعر، وتفرّغْ لأمر يُفيدك، لتجني منه مالاً، ( ولا تكن فقري ) .

إلا أنه لم يستمع للنصيحة، وكان يصرف قسماً من راتبه على شراء الكتب والمجلات، والجلوس في المقهى، واحتساء القهوة التي يفضلها عادة إكسبريس ( نص كبسة )، ويشير إلى عامل المقهى بيده راسماً إشارة ( نص ) .

الطاولة التي يجلس عليها تضمّ مثقفين من مشاربَ مختلفة، لذا من الطبيعي أن يحتدم النقاش أحياناً، ليصل الصوت إلى الطاولات الأخرى التي يجلس عليها أناس عاديون لا يحملون لواء الثقافة والأدب .

يتغامز هؤلاء بين بعضهم ويقولون : ( والله خوش مثقفين ) .

إذا مثقفونا أصحاب ( القارورة ) هكذا يفعلون فعلى الدنيا السلام .

سألت صديقي ما قصة القارورة ؟

قال : إن أحد الأشخاص، وهو من ريف حلب وضع آلية، لتمييز المثقف، عن غير المثقف، وهي : السؤال عن اسم زجاجة المياه، إذا أجاب الشخص أنها         ( عارورة ) أيْ قارورة فهو مثقف، وإذا أجاب        ( عنينة ) أيْ قنينة فهو ليس مثقفاً .

صاحب المقهى كما يقول صديقي محبّ للأدباء والمثقفين، يحفّز عمال المقهى للاهتمام بهم، وكثيراً ما قدّم لهم ضيافة، ومشروبات على حسابه .

ولم يخلُ المقهى يوماً من بعض عناصر الأمن، والمُخبرين الذين يجدون فيه ضالتهم للتنصت، ومعرفة ما يجري ويقال،

وبشكل خاص ما يصدر عن طاولة المثقفين الذين كثيراً ما يجاهرون بكلامهم السياسي دون خوف .

مع أن بعض الجالسين على الطاولة يطالب بخفض الصوت، لأن هناك مَن يسترق السمع، في الطاولات المجاورة .

الذهاب إلى المقهى، واقتناء الكتب والمجلات أصبح إدماناً،

لا يمكن الاستغناء عنه، وكم انتقده أهله بسبب ذلك .

يقولون له : لم يبقَ مكان في البيت يتّسع للكتب والمجلات .

اعملْ لك عملاً تستفيد منه مالاً، ويُطعمك خبزاً .

فكان يزداد صديقي تعلّقاً بالأدب والثقافة، بل وصل به الأمر أنه أراد طباعة كتاب له، وذهب إلى وزارة الإعلام، ليحصل على موافقة الطباعة أصولاً، وأخذ بعد شهور المخطوط ممهوراً بالموافقة، ليبدأ رحلة الطباعة، والبحث عن ناشر، وقبل ذلك كله عن تمويل .

سمع صديقي من مدن أُخرى أن هناك قرضاً، من مصرف التسليف الشعبي، لمساعدة الكتّاب في تمويل الطباعة، فذهب إلى موظف المصرف، وسأله عن كيفية التقديم والشروط المطلوبة .

أجابه الموظف : إنني لم أسمع بهكذا قرض .

رد صديقي : في المدن الأخرى أخذ أصدقائي مثل هذا القرض .

قال الموظف : يعني كيف يُعطى هذا القرض، وما الضمان، وكيف نأتي نحن للكشف ؟

وأردف : ههه . ما في غير إنك تفتح محلّاً وتكتب    ( آرمة ) عليه ( هنا مكتب الأديب فلان الفلاني )، ونأتي إليك من أجل الكشف والتوثيق .

قال له صديقي : اسألِ الإدارة في العاصمة .

قام الموظف بسؤال الإدارة، وأيقن أن هناك ما يسمى قرض كتاب، فتقدّم صديقي بالأوراق المطلوبة، إضافةً إلى إحضار كفيلين موظفين .

يقول صديقي بأن هذا القرض لم يكن معروفاً في مدينته، وقام أصدقاء كثيرون بالتقدم له، والحصول عليه، حتى إن من بين معارفه شخصاً كانت عنده تجارب غير ناضجة في الكتابة، ولا يطرح نفسه كاتباً، سمع بهذا القرض وحصل عليه عدة مرات، دون أن يطبع، ليعينه على ظروف المعيشة

السيئة .

طبع صديقي كتابه، ووضع نسخاً منه برسم الأمانة في مكتبات مدينته، ولم يتقاضَ ثمنها بعد ذلك، كما اقتنتْ منه مديرية الثقافة عشرات النسخ، وهذه سُنة متبعة تشجيعاً للكتّاب .

لكن ذلك لم يغطِ سوى جزء ضئيل من تكلفة الطباعة، وفائدة القرض الذي حصل عليه، مع أنه استفاد منه في تدبير بعض شؤونه .

يتابع صديقي سرده : إنه يهوى الأدب، ولا يريده مجالاً للتكسب والفائدة، ولم يتهافت من أجل إحياء أمسيات أدبية كثيرة، كما يفعل بعض أصدقائه الذين لديهم خطة مبرمجة من أجل ذلك، يدورون على عشرات المراكز خلال السنة، من أجل الاستفادة من المكافأة المالية .

ويتابع : بأن المرّاتِ التي استفاد منها مادياً هي قليلة جداً،

ومنها أنه دُعي يوماً مع أدباءَ آخرين للتحكيم، والتعليق على نشاط لأحد منتديات الشبيبة، وبعد أن انتهتِ الأمسية أصرّ القائمون بالنشاط، على دعوتهم للعشاء، في أحد المقاصف، وتناول ما لذّ وطاب من أنواع الطعام والشراب، وإهدائهم بعض الهدايا التذكارية .

رجع صديقي إلى البيت، وبيده الهدية، وقال لأهله : تقولون  الأدب والشِّعر لا يُطعم خبزاً . ههه . أنا أكلتُ كباباً .