سعد عبد القادر
باحث وناشط سوري من الجولان لاجئ في فنلندا
مجلة أوراق- العدد 17-18
أوراق الملف
استمرت الجهود العربية المشتركة لبلورة عمل عسكري مشترك لاستعادة الأرض المسلوبة خلال حرب عام 1948 وحرب الأيام الستة عام 1967، ولهذا واصلت الحكومتين السورية والمصرية استكمال استعداداتهما للمعركة المرتقبة وتحضير القوات العسكرية للحظة الحسم، في حين استمر تدفق السلاح السوفياتي لكلا الدولتين، ففي نيسان (أبريل) 1973 تسلمت مصر أول دفعة من صواريخ السكود المتوسطة المدى وأخرى أرض جو مما ساهم بتعزيز اتخاذ قرار الحرب لدى الرئيس المصري أنور السادات الذي أقنع بدوره الرئيس السوري حافظ الأسد بضرورة وضع خطة عسكرية مشتركة للهجوم الذي سوف يأخذ شكل هجمات متزامنة على كل من الحدود الشمالية والجنوبية لفلسطين المحتلة (إسرائيل)، وعليه عملت الدولتان (مصر والاتحاد السوفياتي) على تزويد سوريا بصواريخ أرض جو مضادة للطائرات لتأمين الغطاء الجوي لدمشق وحمايتها من الطائرات الإسرائيلية العسكرية.
إزاء التعنت الإسرائيلي الرافض لفكرة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وفي ظل تطورات دولية متعددة ومختلفة شن الجيشان السوري والمصري يوم 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 حربا مشتركة ضد إسرائيل على الجبهة الشمالية (الجولان) والجبهة الجنوبية (قناة السويس)، وحققت المفاجأة العسكرية للضربات الأولى إنجازات عسكرية هامة.
بينما كان مجلس الوزراء الإسرائيلي منعقداً لمتابعة آخر التطورات المستجدة بدأت المعلومات تتوارد بعد الساعة الثانية والدقيقة الخامسة من بعد ظهر يوم السبت وتفيد عن بدء الحرب، فيما كانت إسرائيل تحتفل بيوم كيبور (عيد الغفران)، خلال المعارك الأولى استطاعت القوات السورية التقدم على كافة محاور الجولان حيث تم تحرير الجزء الأكبر منه خلال الأيام الأولى واقتلعت القوات السورية العدد الأكبر من المستوطنات الإسرائيلية وخاصة ما هو موجود جنوب الجولان، كذلك استطاعوا في هذه المنطقة التوسع إلى خطوط ما قبل عام 1967 وتعمقوا في أطراف أرض فلسطين المحتلة عام 1948 حيث استطاع الجنود السوريون بالفعل الاستحمام في بحيرة طبريا ودخلوا بلدة خشيبة، أما في شمال الجولان توغلت القوات السورية داخل الجولان كما احتلت مرصد جبل الشيخ.
ومن المفارقة الغريبة أن الرئيس المصري السادات أعرب يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي عن تمسك مصر بالتوصل إلى سلام في الشرق الأوسط وليس إلى تسوية جزئية، وكذلك بأن مصر لا تعتزم تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة، واستخلص كيسنجر بعد اطلاعه على رسالة السادات بأن مصر لا تنوي استئناف عملياتها الهجومية ضد إسرائيل متجاوزة الأرض التي حررتها، ويعتبر الأستاذ أمين هويدي أن هذه الرسالة كانت عملاً غير مسبوق لإخطار العدو لنواياه المستقبلية حول الأوضاع المستجدة دون الالتفات إلى رأي حليفه الذي يقاتل في الشمال مما أفسح المجال أمام إسرائيل بتوجيه آلتها العسكرية ضد سوريا دون تركيز الضغط على الجبهة الجنوبية، والجدير ذكره أن القوات السورية واصلت تقدمها فوصلت إلى تل أبو خنزير غرب القنيطرة كما حاصرت القنيطرة نفسها ، في اليوم الثالث للمعارك استطاعت إسرائيل تحويل سير المعارك لصالحها خاصة بعد أن استخدمت إسرائيل قواتها الجوية بشكل كثيف على الرغم من الخسائر التي تكبدتّها، وبعد حشد قواتها بدأت هجومها المضاد مستهدفة فك الحصار عن القنيطرة واحتلال تل فرس الاستراتيجي القريب من القنيطرة.
أمام فشل الهجوم المضاد الإسرائيلي صباح يوم 9 تشرين (أول أكتوبر) اليوم الرابع بسبب المقاومة العنيدة السورية، عمدت إسرائيل ليل 9-10 تشرين أول (أكتوبر) إلى قصف المدن السورية، فيما تحولت القنيطرة إلى مسرح قتال وحشي بين الطرفين وذلك لاعتبارين سوري يرى أن القنيطرة عاصمة إقليم سوري، وإسرائيلي يعتبرها موقعا حيويا للدفاع عن الجولان، أما في الجنوب والوسط فقد استطاعت القوات الإسرائيلية رد القوات السورية إلى خارج خط وقف إطلاق النار لعام 1967 باستثناء تل الفرس وتل عكاشة الذين بقيا تحت السيطرة السورية.
مع حلول اليوم الخامس للمعارك (10 تشرين أول أكتوبر) أصبح وضع القوات السورية صعب، فالخسائر مرتفعة والوضع العسكري متدهور فعمدت سوريا إلى حشد الفرقة المدرعة الثالثة المولجة حماية دمشق والمكونة من 500 دبابة في الميدان وأصبحت دمشق مكشوفة عسكرياً ووجه القائد العام للقوات المسلحة السورية نداء إلى نظيره المصري يطالبه فيه المساعدة للتصدي للعدوان الذي يستهدف دمشق وحمص لكن ذلك كان أمراً صعباً في ذلك الوقت، فاتصل السوريون بالعراقيين ووافقوا في بادئ الأمر ولكنهم عادوا واعتذروا بحجة عدم توفر الوقت الكافي لقاذفاتهم للقيام بالعمل العسكري المحدد والعودة إلى قواعدهم، كما شهد هذا اليوم فك الطوق عن القنيطرة.
الجدير ذكره أنه خلال مساء هذا اليوم وعند الساعة الثامنة عقدت قيادة الأركان الإسرائيلية اجتماعاً لاتخاذ قرار حول الوضع على الجبهة الشمالية: إما تعزيز المواقع على الخط الأرجواني (خط وقف إطلاق النار لعام 1967) أو مواصلة الهجوم نحو سوريا، ولدى دخول دايان وزير الدفاع الإسرائيلي إلى الاجتماع عمد رئيس الأركان إلى عرض وجهتي النظر أمامه وكان دايان يعتبر أن استمرار الهجوم والتوسع داخل سوريا سوف يجبر الاتحاد السوفياتي على التدخل للدفاع عن دمشق، إلا أن بن اليعازر رئيس الأركان أيد الاقتراح الثاني “على اعتبار التقدم إلى مسافة 12 ميل عن دمشق يفسح المجال للقوات الإسرائيلية ببناء خط دفاعي قادرة منه على تهديد دمشق بالمدفعية”.
وخلال هذه الفترة ولمدة ثلاثة أيام 8،7، 9 تشرين أول (أكتوبر) واجهت القوات السورية الضغط الإسرائيلي بعد أن ركزت إسرائيل عملياتها العسكرية ضد سوريا على جبهة الجولان، وبعد انسحاب القوات السورية إلى خطوط عام 1967 وإزاء الضغط الإسرائيلي أدركت سوريا حقيقة الموقف المصري الذي أوقف التوسع والضغط على إسرائيل في سيناء مما سمح لإسرائيل باستفراد سوريا وبأن السوريين يقاتلون وحدهم.
مع نهاية اليوم الخامس (10 تشرين أول أكتوبر) وللمرة الأولى من بداية المعارك أصبح لدى قادة وجنود العدو الإسرائيلي بعض الوقت للتفكير ومراجعة حساباتهم وذلك على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدوها على الجبهة الشمالية، ومن المعلوم أنه مع بداية اليوم السادس من الحرب (11 – 10 – 1973) كانت القوات الإسرائيلية قد أعادت القوات السورية إلى خط وقف النار السابق وتواصل خرقها للأراضي السورية بعد اختراقها خط الدفاع الذي أقامه السوريون، فيما فشلت القوات الإسرائيلية من استعادة مرصد جبل الشيخ، ومن أهم العوامل التي أثرت على القيادة العسكرية الإسرائيلية لتركيز هجومها على الجبهة الشمالية دون الجبهة الجنوبية في تلك الأثناء عدة اعتبارات:
-العمق الذي وصل إليه الجيش السوري خلال عملية تحرير الجولان.
– خوف إسرائيل من تحرير سوريا لمدينة القنيطرة وما يشكله ذلك من دفع معنوي للقوات السورية.
– الأخذ بعين الاعتبار فيما لو تم تحرير الجولان من قبل السوريين مقدار الخطر الذي سيتعرض له سهل الحولة الحيوي والعمق الإسرائيلي.
– فيما لو قدر للعمل العسكري الإسرائيلي المضاد النجاح، فإن إسرائيل تهدف إلى تحقيق تحطيم معنويات السوريين بعد اقترابها من دمشق وإنزال ضربة قاسمة بالجيش السوري ترغمه على طلب وقف القتال والخروج من المعركة خاصة بعد شعور السوريين بالخطر على دمشق.
في هذا الوقت بدأت المساعدات العربية اللوجستية والعسكرية بالوصول إلى سوريا لدعم الخطوط العسكرية المتقدمة أمام الهجوم الإسرائيلي المضاد، حيث وصلت قوات عراقية وأردنية ومغربية وكويتية وسعودية كان لها الأثر الكبير بثبات الموقف السوري على الجبهة الشمالية.
خلال اليوم السابع استمرت القوات الإسرائيلية بالتوسع داخل الجولان السوري (خرق الأراضي السورية لما بعد وقف النار عام 1967) وعلى محاذاة الطريق المؤدي إلى دمشق.
تمكنت القوات الإسرائيلية خلال اليوم الثامن من توسيع الخرق داخل الأراضي السورية على المحورين الشرقي والشمالي الشرقي ولكن التقدم كان بطيئاً، ومع وصول التعزيزات العربية إلى سوريا تهددت ميمنة القوات الإسرائيلية المتقدمة إلى دمشق مما أجبرها على التخفيف من وطأة الهجوم ورافق ذلك إعادة تفعيل الهجوم المصري على الجبهة الجنوبية لأسباب مختلفة مما ساهم من تخفيف الضغط على القوات السورية، وبذلك نجت دمشق نظريا من الخطر الإسرائيلي، ومع عودة بدء الهجوم المصري تحولت العمليات الإسرائيلية إلى عمليات محدودة وبطيئة على الجبهة السورية.
مع حلول اليوم السادس عشرة (21 – 10 – 1973) هاجمت القوات الإسرائيلية النقاط الاستراتيجية على جبل الشيخ وذلك منذ الصباح الباكر، وسيطرت على أجزاء مهمة من هذا الجبل وعند المساء خفت حدة المعارك خاصة بعد إعلان وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت رقم 338، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، إلا أن إسرائيل لم تلتزم وقف إطلاق النار بشكل كامل واستمرت خلال اليومين السابع والثامن عشرة محاولات السيطرة على بعض المناطق من جبل الشيخ، وفي 24 تشرين أول (أكتوبر) أبلغت سوريا الأمين العام للأمم المتحدة موافقتها على وقف إطلاق النار، وهكذا مع انتهاء العمليات العسكرية كانت إسرائيل قد استعادت الجولان وجبل الشيخ إضافة لمركزين سوريين على جبل الشيخ وخرقت الأراضي السورية حتى مشارف قرية سعسع، وأصبحت تسيطر على منطقة بطول 23 كم حتى سعسع وحوالي 25 كم عرضاً من قرية بيت جن في الشمال مرورا بتل شمس على الطريق المؤدي إلى دمشق وتل زعتر وتل المال في الجنوب، وتقدر المساحة تلك التي سيطرت عليها إسرائيل بحوالي 600 كلم مربعا.
ومن المعلوم أن إسرائيل لم تلتزم وقف إطلاق النار رقم 338 الصادر بتاريخ 22 – 10 – 1973 وخاصة على الجبهة الجنوبية، لهذا أصدر مجلس الأمن الدولي تباعاً – القرارين 339 تاریخ 23 – 10 – 1973، و340 تاريخ 24 – 10 – 1973 لتأكيد وقف إطلاق النار، وفي 26 – 10 – 1973 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 341 وحدد فيه آلية لتنفيذ قراره السابق رقم 338 عبر إرسال قوات تابعة للأمم المتحدة للفصل بين القوات المتصارعة وذلك لمدة ستة أشهر، كما تحدث القرار عن نقاط ومهام وتمويل هذه القوة، في هذه الأثناء بدأت تظهر بوادر الدعوة لعقد مؤتمر في جنيف ولدى انعقاده لم تحضره سوريا إلا أن هذا المؤتمر ساهم ببلورة اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل.
بعد التقيد بوقف إطلاق النار في منطقة الجولان لم يكن وضع القوات العسكرية على الأرض مطابقاً لما كان عليه قبل بدء المعارك يوم 6 تشرين الأول (أكتوبر)1973، على الرغم من استطاعة القوات الإسرائيلية رد القوات السورية عن مختلف المناطق التي حررت في الجولان وذلك لخرقها الأراضي السورية بعد الهجوم المعاكس الذي شنته يوم 11 – 10 – 1973 بعد إعادة فرض سيطرتها على معظم الجولان، فيما استطاعت القوات العربية المشتركة من إعادة شن هجوم مضاد ضد القوات الإسرائيلية انتزعت بعض المواقع والأراضي من الإسرائيليين مما سبب تشابكا وتداخلا في الأراضي والمواقع، وكانت النتيجة النهائية خط متعرج مع برودة ملحوظة على مختلف المحاور خاصة بعد أن ركز الإسرائيليون هجماتهم على الجبهة الجنوبية (المصرية) لتحقيق خرق عسكري ما على هذه الجبهة، ومن ثم استمرت حرب الاستنزاف حتى الوصول إلى اتفاق فصل القوات.
على الرغم من أجواء الفرح التي عمت العالم العربي بعد انتهاء الحرب، إلا أن الخيبة أصابت السوريين الذين اعتبروا أن الرئيس السادات قد ضللهم وكذب عليهم، حسب دعاية نظام الأسد، فهم اعتقدوا أن المعركة ذات التنسيق المشترك ستخاض في الوقت نفسه إلا أن السادات ترك السوريون يواجهون الإسرائيليين بمفردهم في الوقت العصيب ولم يتحرك ثانية إلا في وقت متأخر نسبيا، حتى أنهم خسروا تلك النتائج الإيجابية التي كسبوها مع بدء المعارك والتي كانت قد ساعدت السوريين خلال التحركات السياسية التي رافقت الحرب، وخلال المفاوضات اللاحقة .
استناداً لما تقدم فقد زعم نظام الأسد وجود محاولات للسادات إخفائه معلومات المفاوضات التي أجراها مع إسرائيل قبل الحرب وبإشراف الولايات المتحدة الأمريكية محاولة تضليل وخروج عن الإجماع العربي، هكذا كانت الحرب ذات توجهين مختلفين لحلفين لديهما وجهتي نظر مختلفتين: مصرية تريد تحقيق عمل عسكري يساهم في بلورة مبادرة سلمية أخذها سراً على عاتقه، وسورية دعائية تهدف إلى إحراج موقف الدولتين العظميين لإيجاد حل سلمي وعادل لكل الأطراف في سبيل إيجاد حل نهائي للمشكلة الفلسطينية الشماعة الدائمة لحاكم دمشق.
قراءة لحرب كرسي الأسد حرب تشرين التكريسية:
– تمكن حافظ الأسد ببيانه 66 في حرب 1967 من تسليم الجولان وكانت حرب 1973 فرصة لتثبيت حكمه طوال ثلاث عقود أخرى.
– لم تكن حروب الأسد سوى مسرحيات تبدأ بالخطب الرنانة وتنتهي بالانسحاب الكيفي والهزيمة، وحتى اليوم لم تصدر دراسة فعلية حول قرارات الأسد الغبية في الحروب ولا في تمثيليات السلام. وأخطائه في قراراته وتكتيكات الجيش السوري في حرب 1973 رغم نجاح القوات السورية في البداية، كما لم تقم لجنة لمحاسبة المسؤول الرئيسي عن فشل عام 1973 كما لم تكن عام 1967 قبلها.
– لم يكن نظام دمشق يسعى فعلياً لتحرير الجولان ولا إعادة النازحين إلى قراهم وبلداتهم.
– طالما أثبت نظام الأسد أنه فاشل في الحرب والسلام.
– توصل حافظ الأسد لاتفاقية فصل القوات المذلة ولم تخرج بعدها طلقة واحدة من سوريا في الجولان السوري المحتل.