لعل أشد المتشائمين من تطورات الوضع اللبناني المتسارعة نحو الهبوط الشاقولي ، كما المراقبين للشأن الكُردي الداخلي
بشقيه ( إقليم كردستان العراق و مناطق الإدارة الذاتية في سوريا ) المهرول في مكانه في شتى المجالات ، لما توقعوا هذه السلبية الشديدة على الخارطة الجيوسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي تضع الكيانين في خانة المراوحة السلبية و السلبية المتصاعدة .
إن أوجه التشابه بين الوضعين اللبناني و الكُردي كثيرة ، فمنها السياسية المتهالكة و المستهلكة و الكامنة في اللا سياسة و خاصة على الصعيد الدولي و ترويج و تدويل و عرض القضايا السياسية و الاجتماعية كما هي على أرض الواقع في المحافل الدولية و الإقليمية و الدول الكُبرى ذات النفوذ الإقتصادي و العسكري و ذات الثقل السياسي القادر على حلحلة الأمور الداخلية بشكل من الأشكال ، إن لم نقل بسهولة كبيرة تصل لحد تغيير معايير و مفاصل الحكم في الكيانين .
إن تحكم القوى الإقليمية التقليدية كتركيا و ايران و النظام السوري يجعل من الساسة في الكيانين الكردي و اللبناني مجرد أدوات تنفذ أجندات لا طائل منها بالنسبة للشعبين على أساس المصلحة القومية و خدمة المجتمع في الداخل و الخارج و بهذا تصبح المنابر السياسية لا فائدة مرجوة منها لا سيما أنها مختارة بعناية لتنفيذ مآرب تلك القوى الإقليمية لمحاربة قوى داخلية أخرى في الكيانين على أساس المجابهة مع لاعب سياسي خارجي آخر .
أما على الصعيد الاقتصادي الذي هو عصب الحياة و الإستمرارية في هذه البلدان فحدث و لا حرج ، فالفساد في أوجه و السرقات الموصوفة الفردية منها و الحزبية و العصبية و العشائرية المحسوبة على قوى متحكمة بمفاصل الحكم تصل لحد إفلاس الخزينة و تدمير العجلة الاقتصادية ما يؤدي الى تضخم مرعب و تدني القدرة الشرائية لدى المواطن الذي بالكاد كان يجد قوت يومه ليسد به رمق أسرته .
أما بالنسبة لتهريب الأموال بالعملة الصعبة الى الخارج فهذا أمر مُسلم به و الإضطلاع على دراسات و متابعات المنظمات المختصة في العالم عموماً و أوروبا خصوصاً تؤكد على صحة نقل الأموال بسبل غير شرعية و بالإلتفاف على القوانين النافذة و المرعية ( وعلى عينك يا تاجر ) و كل هذه العوامل بالإضافة الى غياب الرقابة الحقيقة إن لم نقل عدم وجود رقابة و تحكم بعض المتنفذين الأثرياء و المدعومين بغطاء سياسي و أمني بدخول السلع الإستهلاكية و الضروريات من الغذاء و الدواء و الآلات و الإلكترونيات التي أمست من أركان العيش العصري جعلت من الكيانين مجرد مزارع ترعاها أيدٍ و رؤوس لا يمكن محاسبتها ، بالتالي الوصول أما الى الإنفجار الأمني و الشعبي أو الإنهيار التام و بالتالي فشل الكيان كما يطلق عليه دولياً و هذا يؤدي الى وضع اليد من قبل مجلس الأمن الدولي و الهيئات الدولية المختصة لإدارة الفشل حتى الإنتهاء من هذه الكارثة و محاكمة أو طرد المسؤولين عن هذا الفشل .
في كل من كردستان و في شمال الشرق السوري كما في لبنان يعتبر العنصر البشري من أهم مقومات الإنتاج و دوران حركة العجلة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية كما في كل الدول و الكيانات التي تطالب بحق تقرير مصيرها و الخروج من عباءة الأوصياء و ذلك بفرض نَفَسٍ يجبر الآخرين على دعمها و الحوار معها و الثقة بها على أسس موضوعة و بشكل علمي و أكاديمي و من منطلق الكفاءات و وضع الرجل المناسب في المكان المناسب و من خلال استقدام العقول الهاربة و استخدامها كأشخاص غير محزبين و غير منحازين لجهة على حساب الشعب و هذا ما يسمى التكنوقراط من أجل الإرتقاء في الساحة الداخلية و الدولية .
و لكن للأسف ما يحدث هو العكس و على جبهتين متوازيتين ، الأولى هي هروب الأدمغة و الأكاديميين من العوز و من الإضهاد الفكري و السياسي و غياب الجسم القضائي المحايد و الذي هو أساس أي كيان قومي و وطني على مبدأ فصل السلطات و بالتالي الملاحقات الأمنية غير المبررة بدعوى الحفاظ على وحدة الكيان و هذه حجة واهية و مغرضة و كل الشعوب الشرقية تعاني و تعلم ماهيتها . أما الجبهة الأخرى فهي تتمثل بالتضييق من كافة المجالات و دفع الناس للهروب نحو ملاذ آمن و بالتالي إتاحة الفرصة لفريق ما بالتحكم بمقاليد السلطة و التفرد في قيادة المجتمع دون أي معارضة تذكر .
إن للحديث فصول و شجون ، فالشعبان الكردي و اللبناني يستحقان فرصة أكبر في العيش بكرامة و حرية و التمثيل السياسي فهما يمتلكان من الأدمغة و الكوادر و الخامات البشرية ما يؤهلها بأن تكون بين مصاف الدول الكبرى و خاصة بأنها تمتلك الثروات و الموارد الطبيعية الضخمة التي وهبها الله إليها .
*خاص بالموقع