إعادة تدوير
من وراء الشرفة،
يبدو البحر كأنّه نسخةٌ طِبقَ الأصل
عن محيط يتموّج في لافتات شركةٍ سياحيّة.
كان واسعاً لدرجة ألا أفق له،
كان أزرق،
وكنتُ أراهُ من وراء شرفةِ المقهى الذي أنتظركِ فيه،
في مكاننا نفسه،
بقلبي المظلم والبائس نفسه.
منذ أن رحلتِ، أعيدُ تدويرَ نفسي،
أتحدّثُ إليكِ من أجل أن أتحدثَ مع صدإي
أكتشفُ فيّ أطيافاً لا أعرفهم،
حيواناتٍ لم تروّض بعد،
نباتاتٍ غامضة
سلالات معدنية غير مصنوعة،
أبعاداً لا نظام لها إلا الفوضى.
أكتشفُ فيّ حيرتي.
الوقت من حولي يذوب في كأسٍ أحمر
والكونُ زبونٌ أجنبيٌّ يخلع قميصه المُورَّد.
مع ذلك لا زلتُ أنظرُ في السراب وأحاكي ألمي
الكلمات لا شكل لها،
صارت غباراً تنفضه أحصنة المعدن.
أنتظرك في كل الأماكن،
في البيت، في المقهى، في الطريق، على مقود السيارة،
في شاشة الحاسب،
في الكأس، وفي هذا الفأر الآلي.
أنتظرُكِ في كلِّ حرفِ أدقّه على هذا اللّوح المعدنيِّ
أبجديةً لنا،
أنتظركِ عند الفجر
حين تقشرين جروحك،
وتتفتحينَ على ضوء شاشتي
ويخرج جسدك من أسفلت المعدن.
أعرفُ لست إلا أطيافاً وأحلاماً،
مع ذلك أنتظرك.
ها هي الشمس تسقط في سريرها الأزرق
جاء وقت الرحيل،
كلما أعدتُ تدوير نفسي،
جهلتكِ أكثر.
من أنتِ؟
*العربي الجديد