جبر مراد: الحب والانكسار في رواية “ربع وقت” لسوزان خواتمي

0

تخوض الكاتبة السورية سوزان خواتمي في “ربع وقت” تجربتها الأولى في السرد الروائي بعد أعمالها القصصية، وسبق أن قرأت لها مجموعة “فسيفساء امرأة” الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب، وكانت حافلة بعوالم نسائية متضاربة تحاكي جمال ومظلومية هذا الكائن الإنسي الرائع.

شخصيات مغلوب على أمرها بمصائر معلقة

“ربع وقت” رواية صادرة عن دار ميم للنشر في الجزائر، تحمل عنواناً موارباً يحيلنا إلى أكثر من معنى. يتنامى فيها السرد خلال فترة تمتد ما بين 1990 تقريباً و2012 أي فترة التحولات الحقيقية في سورية التي أسست لما هي عليه الآن .

شخصيات الرواية محدودة العدد بدت واقعية بسيطة في تعاملها مع الحياة، وفي ردود أفعالها، ومغلوبة على أمرها في علاقتها مع السلطة. يجدها القارئ مألوفة، وقد يكون في محيطه الصغير من يشبهها ويتقاطع مع سلوكياتها.

تحضر نائلة، كشخصية محورية، وهي الأكثر حضوراً وتنامياً مع الأحداث، والأغرب سلوكاً، ففيها التمرد والأنانية والخروج عن المألوف في حبها وعلاقتها. تملك روحاً حرة وثابة ترتبط بعلاقة زواج مع ثلاثة رجال، اثنان بقيا مولعان بها؛ وهما زوجها الحالي المحامي سليم، وطليقها الأول بكر الذي اقترنت به بعد علاقة حب في سن الفتوة، أما الطليق الثاني والذي تعرفت عليه وأحبته وهي على ذمة بكر عندما كانت في حالة حداد على والدتها، فقد تخلى عنها أول مرة في لندن ليلتحق بدورة لمدة اسبوعين ( حسب قوله: تفتح له آفاق جديدة ) والمرة الثانية عند دخولها السجن بسبب مقال صحفي نشرته عن فساد في بناء منشئة رياضية.

شخصية نائلة المركبة والتي تتراوح بين الأنانية والشهوانية والحرية والفشل في تجربة الأمومة، ليست باختصار ابنة مجتمعها في تعاملها مع الحياة، فهي لا تشبه مها زوجة طليقها بكر، أو جاراتها اللواتي ظهرت منهن أم حسام المرأة الثرثارة المغلوبة على أمرها مع زوجها.

أما الرجال الذين ظهروا في الرواية، فكانوا يخونون نسائهم بمبررات واهية، ومع هذا لا يفتقدون النبل والنخوة والمحبة .

بشيء قريب من الدقة تصور الرواية خروج المظاهرات في جامعة حلب من خلال مشهد مؤلم وعنيف، ونقلت الكاتبة الأحداث بعين المتابع الموضوعي إلى حد كبير، فلم تطلق أحكام قيمة، بل تركت ذلك للقارئ، ولكل قارئ قيمه الخاصة به.

توظيف الحوارات:

[من نافذة خليل يبزغ الفجر]

عبارة نقرأها في بداية الباب 12 من الفصل الأول لتُقحمنا في تعاطف علني مع هذا الشاب وتعقيدات حياته، وخلال فصلي الرواية لمعرفة مصير نائلة وسبب اعتقالها، جاء السرد خجولاً وتمهيدياً في البداية، إلا أنه تصاعد حتى النهاية بشكل سلس وغير معقد، وبدون الاستعراضات السائدة لبعض الكتاب.

تقول نائلة : [حلب ثمرة جوز قاسية ولكن ما أن تكسر قشرتها حتى يظهر لك لبها الطيب ].

في “ربع وقت” تم توظيف الحوار لينقل على لسان الأبطال نصوص ومعان تميزت بعمقها، يظهر ذلك في الحديث الذي دار بين جوانا ورفيقها خليل:

 – لم تنم ! النوم كائن جميل ومسالم .

– إن كان كذلك بالفعل فما الذي أيقظك ؟

– لا أعرف .. ربما لاكتشف لغة الصمت.

– الصمت أم السكون ! يقال وفق المذهب الصوفي: التمست قلة الحساب فوجدتها في الصمت أما سقراط فيقول : تحدث حتى أراك !

– ما من شيئ مضر بالصحة أكثر من الفلسفة على الريق .

– وفق رأي هيللر: الصمت له أنواع ، هناك صمت التريث واستقراء الواقع قبل الكلام ويدعى الصمت الحكيم، وهناك التوقف عن الفعل وعدم المشاركة والكف عن الانتقاد والذي يؤدي للاعتصام والعصيان ويسمى الصمت الفاعل، وهناك السكوت وتمارسها الأنا الحرة إما بسبب العجز عن التواصل أو بسبب الجهل بمايدور حولها ، أو بسبب الإحساس بالاغتراب عن المجموعة ويسمى صمت المتلقي….هذا إضافة إلى المراوغة التي يستخدمها المسؤولون والسياسيون، فتعابيرهم التي لا تفسر شيئاً تجعل الكلام كعدمه، ويسمى صمت المتحدثين.

كما احتوت الراوية على مقاطع لكتاب آخرين بشكل غير مقحم، وبدون عسر. تقول جوانا الابنة الوحيدة لنائلة مستعينة بمأثور لابن بطوطة ” فالسفر .. يعطيك منزلاً في آلاف الأماكن ويتركك غريباً في وطنك ” وفي موقع آخر ترد مقدمة رواية دروز بلغراد ” أيقظني الهدير وارتجاج الأرض. أين أنا ؟ “

ربما ستقدم لنا خواتمي عملاً جديداً آخر يستمر بنفس الشخوص، فهم لم يصلوا إلى نهايات يقينية، وبقيت مصائرهم معلقة، فنائلة تتعافى من السجن، وابنتها الوحيدة جوانا الغامضة اللا مبالية والمحبة للفن والمسرح تتحسن علاقتها بوالدتها، ولا نعرف ماذا جرى لباقي الشخصيات.!

لن أكشف تفاصيل العمل أكثر مما فعلت، ولكن أقول بأنها رواية تلتقط مشاهد الحياة وتنثرها في وجوهنا المرهقة، إنه عمل ابداعي متماسك يُقرأ بيومين بمتعة ومحبة.

*موقع الكتابة