ترجمة صالح الرزوق
في يوم من الأيام وجد صديقان ثالثهما، ولم يحبا أحدا أكثر منه في كل العالم. ومباشرة تعاهدوا أن يعيشوا معا بمكان واحد، وأن يبحروا على متن سفينة واحدة، وأن يحاربوا معركة واحدة بقلب رجل واحد. وبعد ثلاثة شهور قرروا الخروج برحلة استكشاف.
سأل أحدهم الآخر: عن ماذا يجب أن نبحث؟.
قال الأول: الله.
قال الثاني: زوجات.
قال الثالث: عن شيء لا يمكن أن نجده.
واتفقوا جميعا على أن الاقتراح الأخير هو الأفضل، وهكذا انطلقوا مثل موجة واحدة. وبعد قليل بلغوا بيتا له سقف بلا أرض، وحينما دخلوا من الباب الأمامي تحاشوا السقوط في حفرة عميقة في آخر لحظة. ثم تمسكوا بالحافة بذعر بالغ، ونظروا إلى الأعلى ولاحظوا ثريا، كانت براقة كالسيوف، وتتدلى وتلمع وتضيء غرفة واسعة سيأتي إليها الضيوف، وهم يتأرجحون يتأرجحون. كانت الغرفة مجهزة للغداء، والطاولات والكراسي معلقة بسلاسل ضخمة، وكمية كبيرة من السكاكين والأشواك مصفوفة تحسبا من سقوط بعضها، من أيدي المدعوين، في الهوة.
ارتفع صوت بوق وبدأ الضيوف بالدخول من باب جانبي مثبت في السقف. بعضهم كان متعلقا بأسلاك، وشباب آخرون مروا من فوق حبال مجدولة. وبهذه الطريقة وصل جميعهم لأماكن الجلوس المحددة. وبعد التئام شمل الجميع، نفخ بالبوق مجددا، وحانت من التي تصدرت الطاولة نظرة للأسفل وسألت الأصدقاء الثلاثة: عن ماذا تفتشون؟.
عن ما لا يمكن العثور عليه.
أجابت: هذا ليس لدينا. لكن سنمنحكم حفنة من الذهب. وألقى كل واحد من الحاضرين طبقا من الذهب الخالص، مثلما اعتاد دوق البندقية أن يفعل بأدوات طعامه. فقد كان يرميها بالنهر ليظهر كم هو يمقت الأشياء المادية.
أصدقاؤنا الثلاثة لا يستهينون بالأشياء الواقعية، ولذلك حملوا كل ما بوسعهم من أطباق، وتابعوا طريقهم محملين بالكنز، لكن طبعا أبطأ مما سلف. وفي النهاية وصلوا إلى تركيا، وبلغوا قصر حريم المعظم مصطفى 119. كان معظما، وحوله الكثير من السيدات، ولا يمكن رؤية غير سبابته. وبطرفها أشار للأصدقاء ليقتربوا، وسأل بصوت مكتوم: عم تبحثون؟.
ما لا يمكن العثور عليه.
قال بصوت خافت كالأشباح: غير موجود هنا. لكن يمكن أن تحصلوا على بعض الزوجات.
انتاب السرور الأصدقاء، وعندما انتبهوا لما لحق بمصطفى لم يقبلوا كثيرا من الزوجات. كل منهم حصل على ست زوجات وطلبوا منهن حمل طبق ذهبي. ثم هرع الأصدقاء إلى الطريق لمتابعة الرحلة، وعبروا قارات تراكم عليها التاريخ والجغرافيا، وتعلموا بالصدفة خلاصة وحقيقة العالم، ولم يعد ينقصهم شيء يمكن أن يحصلوا عليه. وفي النهاية وصلوا إلى برج في وسط البحر. ظهر من نافذة ضيقة فتحها رجل له وجه يحمل طبقات من السنوات المتراكمة وله صوت مثل الريح، ونادى: عم تبحثون؟.
عما لا يمكن إيجاده.. إيجاده.. إيجاده. فالريح كانت تعكس أصواتهم وتبددها في الهواء.
قال الرجل: لقد أصبحتم بقبضته.
وسمعوا ضجة وراءهم تشبه صوت منجل يضرب الماء، وعندما نظروا باتجاهه، شاهدوا سفينة رقيقة مثل شفرة وهي تدنو منهم. وانتصب الشخص الذي يجدف، وكان يستعمل مجدافا واحدا ليس كالمجاديف الحقيقية. ولاحظوا لمعان قوس المعدن، أولا من هذه الناحية، ثم من الناحية المقابلة. وشاهدوا المجدف يتخلى عن غطاء رأسه. وانتبهوا أنه يقترب منهم ثم ارتجف العالم.
وبدأ البحر ينحسر.
من هم هؤلاء الذين علقت بشعر رؤوسهم الأسماك ونجمات البحر؟.
*القدس العربي