جاكلين سلام: سلطة الحذاء وأيروتيكا الكعب العالي

0

1

تصبح الحياة معقدة حين يكون للون الحذاء، كعبه، ونوعه.. سلطةً أيروتيكية وسلطة مادية. دعيت مرة لأن أكون عريفة حفل يعنى بثقافة الشرق الأوسط في مدينة تورنتو الكندية.

لبست في قدمي حذاء أحمر كعبه عال. وكنت أمشي بحذر كلما خرجت إلى المنصة. أثناء الاستراحة أخذنا نتحدث مع الحضور، تقدم أحدهم وأعرب عن إعجابه بالتقديم ثم قال: “قتلني حذاؤك يا سيدتي” فضحكت وقلت: “لقد قتلني حذائي أيضًا وأريد أن أرميه وأذهب حافية إلى البيت”، وكنت في نهاية النهار متألمة من هذا الحذاء الذي أرتديه كي يناسب طول الفستان ولزوم الأناقة، في صالة متحف عريق وحضور مهتم بالفنون.

2

النساء العاملات في المكاتب الرسمية للشركات الكبرى التي تدير عجلة الاقتصاد، وفي المبنى الرسمي للقضاء والمحاكم هناك لباس متعارف عليه، بموجب كلام شفهي أو مكتوب، مفاده أن على المرأة العاملة في المواقع الحساسة أن ترتدي الماكياج والحذاء ذا الكعب العالي أثناء تأدية عملها، ويجب أن يكون طول الكعب ليس أقل من 5 سم. كما أن هناك تفاصيل أخرى بخصوص مظهر المرأة: يجب أن لا تظهر جذور الشعر الرمادي الذي تعرض للصبغة. يجب أن تضع الماكياج وتعمل على تجديده طوال فترة العمل. يجب أن تلتزم بزي بمواصفات معينة. يجب أن ترتدي الكعب العالي.

إحدى الموظفات الإنجليزيات واسمها نيكولا ثورب، في قسم السكرتارية لشركة كبرى، لم يسمح لها بالبقاء في المكتب والعمل بحذاء زاحف لا كعب له. امتعضت المرأة وهي ممثلة أساسًا، وعلى إثرها قامت المرأة بحملة جمع تواقيع ضد هذا القرار العنصري القائم على التفرقة، والذي يعود بالمرأة الى القرون السالفة إذ يوصي بهذا النوع من القيود عليها في موقع العمل. جمعت السيدة ثورب 15 ألف توقيع مناصرة لحرية المرأة في اختيار الحذاء الذي يناسب قدميها وذوقها في موقع العمل. وانضمت لمناصرة حملتها نساء في مراكز سلطة عالية في هيئة الأمم المتحدة.

3

كان الكعب العالي أساسًا مخصصًا للرجال من طبقة الملوك والأعيان في فرنسا. وكان الملك لويس الرابع ممن يلبسون الحذاء العالي الأصفر أو الأحمر. كان راكبو الخيول أيضًا يرتدون نوعًا من الأحذية التي لها كعب كي تمنكهم من ركوب الخيل بثبات. كان ممنوعًا على الفقراء تقليد الملوك وارتداء الكعب العالي. ثم انقلبت المفاهيم وصار الحذاء ذو الكعب العالي مخصصًا للمرأة ومرتبطًا بالاثارة الجنسية في ذهن شريحة كبيرة من المجتمع.

ثمن الحذاء له سلطة على الآخرين، ماركة الحذاء وتصميمه أيضًا. ومهما كان ثمينًا وجميلًا سنجد النساء في آخر الحفلة بعضهن يمشين حافيات بسبب الجرح الذي تسبب به الحذاء. آخر عرس حضرته، كانت العروس في النهاية تمشي حافية وفي يدها فردة الحذاء تحتضنه غير عابئة بأحد بعد أن انصرف المصورون. أحذية كثيرة تلبس مرة واحدة ثم ترمى.

الحذاء سلطة. وبعض السلطات تصور وترسم ويعبر عنها بالحذاء الذي يدعس مجازًا ودون رحمة كرامة المواطن وحقوقه، سواء أكان رجلًا أو امرأة.

4

في كندا، ومنذ عدة سنوات، حاول الرجال مناصرة المرأة وتفهم متاعبها الجسدية حين تجبر على ارتداء الحذاء العالي لساعات طويلة في مكاتب العمل أو حفلات رسمية أو مؤتمرات. قاموا بمظاهرة في شوارع تورنتو وارتدى الرجال أحذية نسائية عالية الكعب للفت الأنظار إلى هذه التفرقة، في ما يخص لباس المرأة والكعب العالي جدًا.

5

يشير التدوين بأن أولى الكتابات المحفوظة على الرقم الطينية كانت من وحي الكاهنة السومرية الشاعرة  أنخيدوانا، لكن التاريخ لم يخبرنا شيئًا عن أحذية النساء في ذلك العصر. هناك آثار للزينة والتجميل والحلي، ولكن لم يعثر الاركيولوجيون على أحذية نفرتيتي، ولم يعثروا على قبرها بعد أن عثروا على قبور ملوك الفراعنة الآخرين. كانت رقبتها الطويلة رمزَ إثارة وقوةً وجمالًا باهرًا، كما تقول الأساطير.

6

في كتاب بعنوان “اللغة في عينها”، تقول الكاتبة الكندية سوزان كرين أن أستاذها في الجامعة وفي حقبة الستينات، كان يعطي للطلاب “عناوين للبحث والكتابة” ويخصص بعضها لجنس الذكر، دون الأنثى، وكما تشير الكاتبة إنها تجرأت وكتبت عن مرحلة من التاريخ والحرب في العصر الروماني واليوناني. وقالت: “أن البروفسور عنفني، واعترف إنه لم يعطني العلامة المستحقة ذلك أنني وقحة متغرطسة”.

من المؤكد أن الكاتبة لم تكن تبحث عن شهرة خلبية، بل كتبت لأنها تستطيع أن تعبر عن وجودها ووجهة نظر في أي موضوع اخر، ولكن أحيانًا يستوجب أن يكون هناك من تكسر الخط السائد والقيد المتعارف عليه، سواء أكان من حيث اختيار الحذاء، أو اختيار موضوع الكتابة، او اختيار الزوج، أو الطلاق اذا استدعت الضرورة.

7

في الشرق الحزين، نجد نساء تباع في سوق النخاسة اليوم لأن هناك رجلًا ذكرًا يشتري امرأة تعرض في سوق العبودية اليوم. حصل اعتداء على الطفولة والفتيات بصيغ الزواج في العراق وسوريا واليمن وغيرها. كما تعرضت نساء عراقيات ويزيديات في العراق إلى الاعتداء من قبل الدواعش والمتشددين في السنوات الأخيرة.

نحن النساء اللواتي صنعن الورد والخبز والتنور أيضًا سنبقى نكتب بأقلامنا والى آخر ربيع على وجه الأرض. وسنموت حزنا كلما اغتُصبت امرأة أو طفلة صغيرة. وسنقوم من جديد ونقول إن الفاعل ليس مجهولًا.

قيامة المرأة من التبعية، سترعب هؤلاء الذين يشترون النساء كما الحطب وكما الأحذية وكما دواليب السيارات.

8

الحذاء الحذاء، أيها الرجل كيف حال حذائك اليوم؟

لقد أصبح حذاء الرجل هو ما يثير انتباه وإعجاب عدد لا بأس به من النساء العربيات. وهذا ما سمعته من نساء كاتبات ومثقفات وقارئات جميلات يعبرن عن ذلك بكل قوة، ولا أستطيع إلا أن أشعر الاستغراب والذهول، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الوضع المادي للمواطن العربي يتعرض لموجات الفقر والحروب والقهر، الذي يمنعه أساسًا من النظر إلى وجه العالم. بعض النساء يعجبهن صاحب الحذاء المرفّه، الأنيق والثمين!

ماذا عن الرجل المثقف الفقير الذي لا وقت لديه لتمليع الحذاء، ماذا عن المهاجر الذي اضطر للنجاة بنفسه أو مع أسرته وهرب الى الغرب كي يعيش لاجئًا أو مهاجرًا، ويعمل ساعات طويلة فقط من أجل لقمة العيش؟ هل سيفكر الرجل بالغبار على حذائه وبكعب حذاء المرأة التي أمامه؟!

هذه المفارقات تضعنا أمام تساؤلات كبرى فيما يخص العلاقة الندية بين المرأة والرجل، أو العلاقة الوحشية التي بنتيجتها نرى عددًا كبيرًا من الرجال والنساء يعيشون بمفردهم ولا يجدون الشريك أو الشريكة لإدامة علاقة حميمية طويلة المدى، أساسها التكافؤ الذهني والروحي والانسجام الجنسي الذي لا تلزمه أحذية حمراء أو بيضاء أو خضراء في نهاية المطاف. كل الفساتين والأحذية وأربطة العنق تسقط، ويبقى الجسد الحر العاشق للانعتاق من القيود بكل صورها المادية والمعنوية.

كل آذار/مارس ونحن وأحذيتنا نسير بثقة أعلى نحو الشمس والحب والسلام.

*الترا صوت