ثم نبدأ بالصراخ

0

حسن رحيم ، قاص عراقي وطالب ماجستير أدب عربي.

أوراق 19- 20

نصوص

الكتابة مثل الشعوذة: لا يكفي إخراج أرنب من القبعة،

                 بل يجب عمل ذلك بأناقة وطريقة ممتعة.

إيزابيل الليندي

مساء يوم (19 من حزيران عام 2007م) وفي الساعة الثامنة والنصف تقريباً، كنت جالساً إزاء رزمة من الأوراق؛ أهمّ لإكمال روايتي، التي شرعتُ بكتابتها منذ خمس سنوات، أتحدث فيها عن جنوني الشخصي! شعور عجيب حين لا تجد شيئاً تفكر فيه، بعدها تبدأ بالصراخ بأعلى صوتك من دون أن يلاحظ ذلك أحد.

الكتابة عمل غريب، لا تعرف من يرغب بالآخر، أنت أم هي، أم شيطان يقودك لتكتب ويراقب ما تركه فيك بكل فخر، لكنّي لم أكتب شيئاً إلى هذه اللحظة، ربما لأني أصبت بالإرهاق من شدة العمل، أو أن ذاتي لا تطاوع عقلي ولا تعطيه ما يريد ليسرد الأفكار، أنا كالعادة، أقرأ ما كتبتُ سابقاً ثم أبدأ بكتابة أفكار تجلت في رأسي، كم هو صعب أن تعمل مخرجاً لمسلسلات تلفزيونية، عليك أن تستيقظ باكراً، ولأنك أعزب لا تحتاج إلى صنع وجبة الفطور، إذ إنك ستأكل في الخارج وتصل إلى مكان عملك متأخراً، وبعد نهار من التعب تصل إلى بيتك، تجلس أمام كومة الأوراق هذه لتصب غضبك وفرحك وغرورك وتعبك عليها، حينها لا يسعك سوى أن تراقب الوجوه وهي تراقبك.

أتذكر عندما كنت طالباً في المرحلة المتوسطة، كان الطلاب يلتفون حولي؛ لأسرد لهم كيف فزت في سباق الدراجات الذي أقيم في البصرة، عندما تغلبت على سبعين متسابقاً في طريق طويل، يشمل ساحل شط العرب والزبير وصولاً إلى مناوي باشا، وبينما كنت مندمجاً بسرد الأحداث وعيون الطلبة تحدق بيّ بنظرات تملؤها الدهشة والتساؤل، كيف استطعتُ أن أحافظ على سرعتي رغم أن المكابح كُسرت، قاطعني صوت أقبل عليَّ بجسده المترهل:

_ متى ذهبت هناك؟

_ الأسبوع الماضي!

_ الذي يحيرني أنك لا تملك المال للذهاب إلى المدرسة، فكيف ذهبت إلى البصرة، كيف دبرت حالك؟ (بشرفك هل لعبت بخارطة البصرة؟!) ثم ضحك باستهزاء، التفتُّ إليه وقد أحسست بغصة في صدري، قلت كمن يريد أن يبعد تهمةً عنه:

_ صحيح أنّي لا أملك المال كي أسافر؛ لكني أملك كل الوقت لأتخيّل…

تملكني شعور غريب من الحرمان الذي عانيته منذ طفولتي، كم هو صعب أن تعيش الفنتازيا الواقعية في عالم يرفض الاعتراف بطريقة عيشك، فمنذ أن كنت في التاسعة من عمري، مات أبي وتزوجت أمي، تمنيت لو كان لي إخوة، تُركتُ وحيداً في هذه المتاهة الزمنية، أصرف من تقاعد والدي الذي بالكاد يكفيني لشراء طعامي وعدد محدود من علب السجائر وإيجار خربة أسكن فيها.

أفزعني صياح وعويل وطرق مستمر، نظرت صوب الباب، دَفعَه أحدهم بقوة، تفاجأتُ بمجموعة من الأشخاص يحملون جثة! حاولت كثيراً أن اسألهم ولكن لُجِم لساني فجأة حين اقتربوا ووضعوه على سريري دون استئذان، ما أن كشف أحدهم عن وجهه، وإذا به أنا.