تاريخ المسرح في القنيطرة

0

عبد الحميد خليفة

ناقد مسرحي.

مجلة أوراق- العدد 17-18

أوراق المسرح

اعتباراً من عام 1871 تعرف السوريون على يد أحمد أبو خليل القباني، الذي يُعتبر المؤسس الحقيقي للمسرح السوري، وبالتالي تتوالى التجارب والمحاولات لتنتقل من دمشق إلى باقي المحافظات السورية. وتنتشر التجربة رويداً رويداً، حيث بدأ الشعراء والكُتّاب بكتابة نصوص مسرحية على السياق الذي عرفوا المسرح به، وهو السياق الشعري ومنذ ذلك التاريخ بدأت أيضاً فكرة تأسيس الفرق المسرحية وانتشارها في المحافظات السورية كما ذكرنا ومنها إقليم الجولان وعلى الأخص عاصمته القنيطرة، ورغم شُحّ وقلة المعلومات المتوفرة التي تدل على انتشار المسرح في الجولان قبل عام 1967، إلا أنّ المعلومات المتناثرة كانت تدلّ على وجود حركة ثقافية متنوعة، وكان الفنّ أحد أشكال التعبير في الجولان، وعلى الأخص السينما حيث كانت هناك صالتين مخصصتين لعرض الأفلام في القنيطرة، واحدة خاصة وواحدة عامة، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدلّ على نشوء حراك ثقافي وتقبّل من أهالي المنطقة للفنون عموماً ولفن البصر خصوصاً.

“النفير” أول مسرحية مكتوبة في الجولان

وخلال البحث في المراجع لا نجد إلا إشارات قليلة تدل على بعض العاملين في هذا المجال من بينهم الشاعر المرحوم عبد الرحمن جبر الخالدي، وتشير المراجع إلى أنّه كتب مسرحية “النفير” وتمت طباعتها ونشرها، وهنا يتم التأكيد على أن مثقفي الجولان كانوا على اطلاع ومعرفة بفن المسرح وبطرق صناعته وإبداعه وقد حاولوا أن يجاروا نصوصاً ويصنعوا نصوصاً تشبه ما تعرفوا عليه من نصوص أجنبية.

قسمي مسرح الجولان بعد 1967 وتأسيس مسرح عمال القنيطرة:

إلا أن المشكلة تزداد هوةً وعمقاً بعد عام 1967 إثر هزيمة حزيران وانقسام الجولان إلى قسمين:

قسم بيد المحتل الإسرائيلي بحيث بقي الكثير من أبنائه متمسكين بأرضهم، ورفضوا الرحيل وبدأوا ينسجمون مع واقعهم الجديد، ويتابعون نشاطاتهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفنية، ولكن دون أن يصل للطرف الآخر أياً من المعلومات الموثقة حول النشاطات والأعمال المسرحية التي كانت تتم، أو أسماء الفرق المسرحية التي تأسست وأسماء الكُتّاب والمخرجين والممثلين الذين أدوا التجارب المسرحية المحلية والعالمية الأجنبية الموجودة في المنطقة.

والقسم الثاني الذي نزح وانضمّ إلى دمشق وحولها وبعض المحافظات السورية مثل ريف دمشق ودرعا والقنيطرة وحمص، حيث نشأت حركة فنية مسرحية مميزة تنوعت بتنوع الجهات المشرفة والمنظمة. فتأسست فرق مسرحية للعمال لأن اتحاد العمال في سوريا كان قد أقرّ إقامة مهرجان مسرحي سنوياً مركزياً في دمشق وعلى كل الفروع أن تشارك في هذا المهرجان، فاجتمع مجموعة من الشباب المتحمسين والمحبين للمسرح والذي اطّلع على التجارب المسرحية الأخرى في دمشق مثل المسرح القومي والجوال ومسرح اتحاد الطلبة، اجتمعوا جميعاً وبدأوا يفكرون في تأسيس فرقة مسرحية تابعة للمسرح العمالي في القنيطرة. وكانت هذه الفرقة مشكلة من قسمين: القسم الأول هم اللاجئون الفلسطينيون الذين توافدوا من فلسطين إلى دمشق، والقسم الثاني هم النازحون الذين كانوا قد حضروا من الجولان والقنيطرة إلى دمشق أيضاً.

بدايات مسرح عمال القنيطرة ونشوء فرق مسرحية أخرى:

توافد الشباب المتحمسين الذين يرغبون بتأسيس فرقة مسرحية واجتمعوا في مقر اتحاد عمال القنيطرة، حيث كان هناك مقر بسيط، وهو عبارة عن صالون شقة وبهذا الصالون بدأت أول بروفات مسرحية لشباب ينتمون إلى القنيطرة وفلسطين. وكانت هذه الفرقة “فرقة عمال القنيطرة” بإشراف الفنان الفلسطيني المخضرم زيناتي قدسية، حيث أشرف على إخراج وإعداد واقتباس مجموعة من النصوص المسرحية حوّلها إلى عروض مميزة، ونالت الاستحسان في المهرجانات العمالية حتى أن بعضها أخذ المراكز الأولى.

وكان هناك تنافس شديد بين فرقة عمال القنيطرة وفرقة عمال حمص التي كان يقودها الكاتب والمخرج المعروف فرحان بلبل، واستمر هذا التنافس إلى أن توقيف المهرجان من القيادة لأسباب سياسية لا أحد يعرف حقيقة هذه الأسباب.

إلى جانب فرقة عمال القنيطرة كان هناك أيضاً فرق أخرى هي فرقة اتحاد شبيبة الثورة وفرقة القنيطرة للشبيبة وبعض النشاطات التي كانت تتميّز بها فرقة الطلائع أيضاً.

كان الشباب قد توزعوا أيضاً وانتقلوا من فرقة عمال القنيطرة إلى هذه الفرق، وبدأوا يؤسسون ويدربون الشباب الصغار على التعلم وتعويدهم على التجارب المسرحية وكيفية صناعة العروض المسرحية.

الفنانين المؤسسين لمسرح عمال القنيطرة ودورهم في الساحة الفنية السورية:

طبعاً من بين الفنانين الذين ساهموا في إنشاء وتأسيس فرقة عمّال القنيطرة كان الفنان الفلسطيني المخضرم كما ذكرنا وصاحب التجربة الكبيرة الفنان الكبير زيناتي قدسية، والفنان التشكيلي والمسرحي في آنٍ معاً محمود خليلي، وكان أيضاً إلى جانبهم الفنان يوسف المقبل ابن الجولان الذي أصبح ممثلاً معروفاً وعلى الساحة الفنية في سوريا، وأيضاً كان إلى جانبهم الفنان الفلسطيني عبد الباري أبو الخير، الذي ساهم أيضاً في العديد من المسرحيات للفرقة وفي تأسيس فرق مسرحية أخرى مثل تأسيس فرقة القدس المسرحية، وفي النهاية كان عبد الباري قد وصل إلى مستوى مخرج في التلفزيون، وقدم مجموعة من الأعمال المميزة والمهمة أيضاً.

والفنان المبتسم دائماً والضاحك دائماً وابن الجولان الفنان جمال العلي، كان أحد أعضاء هذا الفريق وله تجربة مميزة فنية ومبدعة، في فن يحتاج أن يكون دائماً في حركة ونشاط.

إضافة لذلك كله كان الفنان كاتب هذه المادة عبد الحميد خليفة، حيث كان لي شرف المشاركة مع هذه الكوكبة من المبدعين والتعاون مسرحياً وتلفزيونياً، وساهمنا في الإخراج والتأليف أيضاً، ولي مجموعة من النصوص المسرحية المؤلفة من بينها: جواهر الأميرة السبع، قطر الندى، والشمعة، والصديق الوفي.

وأخيراً لا يمكن أن ننسى الفنان المرحوم حاتم علي الذي تميز على الجميع بأن قدم الكتابة المسرحية، فقد كتب ثلاث مسرحيات وهي: مات ثلاث مرات عام 1996، والبارحة اليوم وغداً عام 1998، وأهل الهوى أيضاً. كما تعاون مع زيناتي قدسيا بكتابة نص مسرحي عن حصار بيروت وتم نشره بعنوان الحصار.

وأيضاً ما يميز حاتم علي رحمه الله أنّه أخرج للمسرح لفرقة المسرح العمال ومسرح الشبيبة، وتفانى بعمله إلى أن انتقل للعمل بالتلفزيون حيث أخذ التلفزيون كل وقته وسخّره له، ولم يعد يستطيع أن يوازن بين عمله وحبّه للمسرح وعمله في التلفزيون.

كما أنه رحمه الله أخرج مشاريع تخرج للمعهد العالي للفنون المسرحية، وبهذا كان لأبناء الجولان تأثير إيجابي وكبير على منجز الحركة المسرحية في سوريا من بداية الثمانينات حتى يومنا هذا.

بهذا نكون قد تصدّينا لمرحلة مر بها أبناء الجولان في تأسيس الحركة المسرحية منذ عام 1967 حتى يومنا هذا في دمشق وما حولها، ونتمنى أن نوفق في المرات القادمة في تأمين مواد كافية لنتحدث عن النشاط داخل أرض الجولان المحتل ونتحدث عن الفرق والممثلين والمخرجين والكُتّاب المسرحيين الموجودين في الداخل.