بعد نحو 66 عاماً على رحيله، صدر حديثًا كتابٌ يجمع أعمال الشاعر السوريّ زهير ميرزا (1922- 1956) الذي أنتج خلال عمره القصير باقةً من القصائد التي تنوّعت بين الشعر والنثر ليكون بذلك أحد الشعراء الأوائل الذين شهدوا انعطافة الشعر العربي نحو قصيدة النثر وأسهموا في تكوينها.
الكتاب/ المجلّد الذي جاء في 425 صفحة من القطع الكبير، صدر عن دار “العائدون للنشر والتوزيع” في العاصمة الأردنية عمّان، وضمّ أعمال ميرزا الشعريّة والنثرية التي جمعها وأعدّها للنشر ابنا الشّاعر: محمد قيصرون ومجدولين زهير ميرزا. وقدّمها الشّاعر السوري عبد القادر الحصني.
ومن جملة ما كتبه الشاعر الحصني في تقديمه للمجلّد الذي حمل عنوان “زهير ميرزا.. فقيد الشعر والشباب”، نقرأ الآتي:
الشاعر زهير ميرزا في أعماله الأدبيّة الشعريّة والنثريّة، ينتمي إلى شعراء النمط الثاني الذين أسهموا في مهد هذا المنعطف في المشهد الشعريّ من النصف الأوّل إلى النصف الثاني من القرن الماضي، وما قدّمه من إسهام يضعه في طليعة شعراء هذا المنعطف.
وقد كانت له مواطن كثيرة سكن فيها، وسكن إليها في أشعار هذا الديوان، منها: الرشاقة الساحرة في المفردة والتعبير، لا سيّما في غزله، حتى لتقتنع فعلاً أن الغزَل والغزال والغزْل من جذرٍ لغويّ واحد. فقد غزلَ زهير ميرزا ونسج، فإذا بالمعاني تَمثُلُ للذائقة مجسَّدةً بالمباني من الحروف والكلمات وتتاليها سابقةً الفهمَ في تلقّيها.
هذا إلى جماليات أخرى يمكن للدارس أن يجلوها، ويقدِّم الشواهد عليها بأكثر مما تستطيع هذه الكلمة في تقديم هذا الكتاب، ويمكن أن يقف على ما التقى فيها من مؤثرات، لا سيّما مؤثرات المعاصرين للشاعر كبشارة الخوري وإلياس أبو شبكة وعبد الباسط الصوفي.
في ختام هذا التقديم لا يسعني إلا النظر بعين التقدير إلى هذه التجربة الأدبيّة وصاحبها، فهي تجربة تنمُّ عن حوار واسع الطيف ثقافيّاً مع أعلام كبار على الساحة العربيّة، لا سيّما في مصر ولبنان كتوفيق الحكيم وميخائيل نُعيمة. وعن مقدرة على الإبداع في أجناس أدبيّة عدّة في الشعر والقصة والمسرح والمقالة في عمرٍ قصير نسبيّاً لتجربة عاجلها القدر، وهي في ريعانها، ولمّا تفصح عن معظم ما لديها.
كما أتوجّه بالتحيّة إلى من أعدّوا هذا الكتاب، فقد أسدَوا يداً بيضاء إلى المكتبة العربيّة، وأحيوا ذكرَ الشاعر وذكراه لأجيال قد ترى في إبداعه أكثر وأعمق مما رأينا.
من أشعار ميرزا
قصيدة بعنوان “حسرة”:
أيُّ ذنـبٍ جنـيـتُ يـــــــــــــــا ربِّ حتى ضَيَّعَتْنـي أَفكـاريَ الـمعْصــــــــــــــوبَهْ
يشحذُ الـحـبُّ كُلَّ عَزْمٍ فـمـا بــــــــــــا لـي تـردَّيـتُ فـي حقـولٍ جـديبـــــــــــه
****
أبـدًا أرقب الـمســــــــــــــاءَ فلا أر جِعُ إلا بحســـــــــــــــــــــرةٍ وكآبَه
فإذا أقبـل الصـبـاحُ تَداعـيـــــــــــــ ـتُ كأنـي أخـاف مـنه انصـبـابــــــــــه
****
حطّمَتْنـي بقـيّةٌ مـن قـــــــــــــوى الرُّو حِ، وحـارت بقـلـبـيَ الهـيـمـــــــــــانِ
كَلّمـا هدّه هـوًى جـدَّد العَهْـــــــــــــــ ـدَ، وأبقى الرّمـادَ فـي أجفـانــــــــــي
****
لـي فـي الـمـنحنى مكـانٌ أرانــــــــــي قـد تسمَّرتُ فـي دُنـاه أكــــــــــــــابرْ
أرقب الشِّعبَ مـــــــــــــنه لا الشعبُ يأ تـي بحـبـيبـي، ولا الـحـبـيب بقـــــادر
كلـمـا أَوغل الـمسـاءُ أضـــــــــــــاءت مـن حـوالـيَّ وَمْضةُ الإصـبــــــــــــــاحِ
فأنـا مـنه فـي خِمـارٍ وقـلـبـــــــــــي فـي خُمـارٍ، وواقعـي جـدُّ صـــــــــــــاح
****
الفراشـاتُ فـي الـحقـول تـنــــــــــاثرْ نَ يـقبِّلنَ كل كأسٍ وزهــــــــــــــــــرهْ
أنـا وحديَ الغريب بحقـلــــــــــــــــي لست أجنـي إلا ثُمـالاتِ حســـــــــــــرهْ
****
أرْهَقُونـي ولـم أزل فـي الطفــــــــــولا تِ، فأدمـيـتُ فـــــــــــــي السُّرى قَدَمَيّا
وتلَفَّتُّ كـي أعـــــــــــــــــــاود عهدي فـوجـدت الرمـاد فـي راحتـــــــــــــيّا
****
لـــــــــــــــــــــيَ كأسٌ ومِزْهَرٌ حـيـنمـا تشكـو أستقـــــــــــــي وأُغَنّي
يـا رؤايَ الـحـبـيب لـيـتك مـثلــــــــي فأنـا مـنك، مـثلـمـا أنـت مــــــــــنّي
الشاعر زهير ميرزا
محمد زهير بن إبراهيم ميرزا، أديبٌ وشاعر سوري من مواليد دمشق 1922، أبدع إضافة إلى الشعرِ في فنون عدّة، بينَها المُوسيقا والرسم والمسرح، وكان واسع الاطلاع، تغلف قصائده لمحاتٌ فلسفيّة، فضلًا عن كونها تعجُ بالألم والعبرة وتَنبض بالحيرة والقلق الوجودي العاصف.
تخرّج في كلية الآداب بجامعة دمشق وعمل مدرساً للّغة العربية في ثانويات العاصمة، كما عمل في الإذاعةِ السورية، وبُعثَ للتدريسِ في السعودية، ثم اختيرَ مشرفًا على البعثة العلمية السعودية لسوريا ولبنان.
أجاد ميرزا اللغتين الإنجليزية والفرنسية؛ ما أتاح له ترجمة العديد من الأعمال القصصية من الفرنسية إلى العربية. وترجم كذلك عن الإنجليزية مقالات في الفلسفةِ والأدب والتراجم والفنون، أخذتْ طريقها للنشر في صحف ومجلات دمشق آنذاك. وكان ميرزا معجبًا أشدّ الإعجاب بالشاعر إيليا أبي ماضي، فتفرغ سنوات لجمع أشعاره في مجلدٍ واحد حمل اسم: “إيليا أبو ماضي شاعِرُ المَهْجرِ الأَكْبر”. وصدر ذلك الديوان عام 1954 بدراسة نقدية مستفيضة عن إيليا وسمات شعرِه.
وكان ميرزا شاعرًا مُجيدًا، وعرفت القصيدة عنده النّسق الحواري، فتتعدّد الأصوات، ويُسيطر السرد المنظوم، وتتنوّع القوافي بما يناسب تعدد الأنساق.
الإنتاج الشعري:
- “الميلاد الخالد.. قصيدة في المعري“، دار اليقظة العربية، دمشق 1943.
- “كافر.. وحي شيطان مريد”، دار اليقظة العربية، دمشق 1948.
- “إليها” (قصيدة نشرت بمجلة الكتاب- القاهرة 1946).
- “قصتان”- شعر، مجلة عصا الجنة- دمشق 1950.
- “إبليس”، قصيدة حوارية، مجلة عصا الجنة 1950.
- “ذكريات”، قصيدة بمجلة اليقظة، دمشق.
- قصيدة “حسرة”، وهي قصيدة يرثي بها نفسه. كما له قصائد مخطوطة كثيرة كانت في حوزة أسرته وتمت طباعتها الآن ضمن الكتاب الجديد.
الأعمال الأخرى:
- “الحقيقة الكبرى” (إلى توفيق الحكيم) مجلة الأديب، بيروت 1945.
- “بين جنديين.. حوار شعري في منظر واحد”.
- “مصرع المثال”، مسرحية شعرية موسيقية في ثلاثة فصول مهداة إلى توفيق الحكيم.
- ثلاث مسرحيات مخطوطة كانت محفوظة لدى أسرته وتمّ تضمينها في كتاب أعماله أيضاً، وهي: وحي النفس – المجرم – العدالة. وله أيضاً “قصة الفضيلة العربية” (نثرًا شعريًا)، و”صفحة من حياة قيس وليلى”. (تلفزيون سوريا)