بشير البكر: سيرة مع الآخرين

0

يغيب هذا اليوم عن صفحات “المدن”، بورتريه الأسبوع الذي واظبت على كتابته منذ حوالى عام، وكان الأخير الذي صدر هنا، يوم الإثنين الماضي، في سلسلة طويلة، هو بورتريه الدكتور عبد السلام العجيلي. وبالنظر إلى خصوصية هذه التجربة، فإني أود هنا أن أشارك القراء الذي واكبوا معي هذه التجربة، جملة من الملاحظات التي تشكلت لديّ، وأنا أعمل على هذا المشروع الذي بدأ من دون تخطيط، ومن ثم تطور إلى كتاب هو إنجازي الأساسي الذي استطعت إتمامه خلال سنة الكورونا الأولى.
الملاحظة الأولى هي، ان البورتريه، أو الصورة القَلَمية، كما يسميها البعض، غير متداول في الصحافة العربية، كما هو الأمر في الصحافة الأجنبية، ومنها الانكليزية والفرنسية التي تحفل ببورتريهات للشخصيات، سواء المعاصر منها أو التاريخي، وينسحب ذلك على كافة المجالات من الثقافة إلى الرياضة، مروراً بالمال والفن والسياسة.. إلخ. وهناك كتاب متخصصون في هذا الفن من الكتابة الذي يقترب من أعمال تسجيل السيرة، وهذا يتطلب أن يتحلى كتاب البورتريه بثقافة موسوعية، تتيح تقديم قدر كبير من المعلومات. ويقدم البورتريه، المفاتيح الأساسية لعوالم الأشخاص والأمكنة، ويبقى على القارئ أن يكمل المهمة إذا أراد أن يذهب بعيداً. والملاحظة الثانية هي، أني كتبت هذه البورتريهات بحب شديد للأشخاص والأمكنة، ولم أكن أجامل في ذلك، بل عبّرت عما أحسّه فعلاً ضمن معايير مهنية ومعرفية. وأردت أن يرى القارئ صورة أخرى عن بعض الكتّاب والمثقفين الذين تم تنميط بعضهم في صور جاهزة، وهذا ما فتح لي المجال أن أظهر الجانب الشخصي والحميم مع الذين كتبت عنهم، وهذا واحد من أهداف عملي على المشروع.

أما الملاحظة الثالثة فهي تتلخص في أني استفدت كثيراً وأنا اشتغل على البورتريهات، حيث أني عدت لقراءة الكثير من الكتب والمقالات وأعمال بعض الكتّاب، ونبشت بعض الدفاتر القديمة التي سجلت فيها ملاحظات ويوميات خاصة تعود إلى زمن بعيد، وذلك بهدف أن يخرج العمل ثرياً وبلا عيوب. قرأت دواوين شعر وروايات وقصص قصيرة وحوارات وكتب نقد، وشاهدت حوارات مسجلة، وهذا أمر صحح لدي بعض الرؤى في النظر إلى غالبية الأشخاص الذين تناولتهم. وفي النتيجة أشعر بارتياح حيال مسألة مهمة تتعلق بالتوثيق الدقيق للمعلومات الخاصة بكل حالة من الحالات التي تناولتها. وهذا أمر احتاج منّي جهداً مضاعفاً، حتى أن كتابة بعض البورتريهات استغرق قرابة أسبوع. وأمكن لي من خلال ردود الفعل أن أقيس مدى تكامل العمل.

والملاحظة الرابعة هي، ان الذي حرضني على كتابة هذه البورتريهات، هو أنها تشكل تقاطعات مع سيرة ذاتية لطالما فكرتُ في كتابتها، لا سيما جانبها الذي يتعلق بعملي الصحافي منذ منتصف الثمانينيات في القرن الماضي، وخلال هذا المشوار عملت في صحف عديدة، منها مجلة “اليوم السابع” الأسبوعية التي صدرت في باريس بين 1983-1991، ومن بعدها صحيفة “الخليج”، ومن ثم صحيفة “العربي الجديد”، وموقعها الإلكتروني، والتي تأسست في العام 2014 بمبادرة من الدكتور عزمي بشارة. وخلال هذا المسار المهني الطويل تعرفت عن كثب إلى شخصيات ساهمت في تشكيل المشهد الثقافي والسياسي العربي، وكان أحد اهتماماتي على الدوام، الحرص الشديد على تسجيل هذه التجربة بجانبيها الذاتي والعام. وأود هنا أن أوجه تحية تقدير إلى صحيفة “المدن” الالكترونية، وللأستاذ ساطع نور الدين، ومديرة التحرير رشا الأطرش، ورئيس القسم الثقافي محمد الحجيري، الذين أتاحوا لي هذه المساحة، وشجعوني على تسجيل هذه التجربة.

وأنجزت خلال هذه التجربة قرابة خمسين بورتريه. وهي متنوعة تشمل كتّاباً وصحافيين وفنانين وسياسيين وباحثين. وشجعني على الاستمرار فيها وتطويرها، التفاعل الكبير، وعدد القراءات التي حظيت بها، وهذا أمر يعكس بالنسبة إلي مدى الاهتمام والحاجة الملحّة إلى عمل يسلط الضوء على مراحل ومحطات ووجوه أساسية في ثقافتنا. وآمل أن يحمل الجزء الأول من الكتاب الذي سيصدر في ختام هذه التجربة، جديداً، لجهة ما يتعلق بتدوين فصول من سير بعض الكتّاب والفنانين والمثقفين الذين تركوا أثراً وبصمة في الميدان الذي اشتغلوا فيه. وعسى أن يحرض غيري من الصحافيين والكتّاب على تسجيل تجاربهم الخاصة في هذا المضمار. وأنوه هنا بأن هذه التجربة حرضتني على بدء مشروع أكبر لتدوين سير الفاعلين في المشهد الثقافي العربي خلال قرن، وتطوير العملية إلى ما يشبه مؤسسة لكتابة وتوثيق سير الأعلام.

والملاحظة الأخيرة هي، أن هناك العديد من الشخصيات التي عملت معها، أو عرفتها، لكني لم أكتب عنها، وهذا لا يعني أني اسقطتها من الحساب، بل سأعود إليها لاحقاً، وسبب عدم إدراجها ضمن هذه الجردة أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت، نظراً للتفاصيل والحيثيات والأحداث التي تحتاج إلى غربلة. ومن بين الذين سأعود للكتابة عنهم باستفاضة، الدكتور عزمي بشارة،  محمود درويش، أمين معلوف، برهان غليون، أميل حبيبي، جوزيف سماحة، ميشيل كيلو، سعدالله ونوس، عمر أميرلاي، فواز طرابلسي، يوسف عبدلكي، فايز خضور، صخر فرزات، نوري الجراح، محمد عمران، رانيا الزغير، سيف الرحبي، كاظم جهاد، حازم صاغية، فالح عبد الجبار، محمد علي شمس الدين، عبد الحكيم قطيفان، بشار العيسى، ياسر هواري، خيري الذهبي، عمر شبانة، محمد برو، مارغريت أوبانك، صادق الصائغ، أنسي الحاج، خطيب بدلة، فواز عيد، صقر أبو فخر، سحبان سواح، يحيى يخلف، فاروق يوسف، محمد كامل الخطيب، نيروز مالك، لؤي كيالي، محمد جمال باروت، وائل سواح، هشام شرابي، تيسير خلف، أحمد جاسم الحسين، عبدو وازن، ممدوح عزام، خالد خليفة، زاهر الغافري، أحمد راشد ثاني، حسام الدين محمد، ابو بكر السقاف، سعد حاجو، فؤاد كمو، هاشم شفيق، فيصل خرتش، ديمة ونوس، ندى منزلجي، خالد درويش، نصوح زغلولة، مروان علي، حكيم عنكر ايتيل عدنان، الياس الياس، رضا حسحس، هالة العبد الله، حيدر حيدر، عبد الرزاق عيد، رشا عمران، ابراهيم الخطيب، عبد القادر الشاوي، أحمد المديني، حسونة المصباحي، الحبيب السالمي، محمد حقي صوتشين، عبد القادر عبدللي، وزهير الجزائري.

(المدن)