بشير البكر : تركيا تبتعد عن الأطلسي

0

حسمت روسيا وتركيا أمر صفقة صواريخ إس 400، وأعلنت موسكو أن موعد التسليم سيكون في العام المقبل، ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن شركة روسوبورون إكسبورت الحكومية الروسية المصدّرة للسلاح، الثلاثاء الماضي، قولها إن موسكو سوف تستبق المهلة المحددة في عام 2020، وتبدأ تسليم منظومة صواريخ “أس 400” الدفاعية المتقدّمة لأنقرة العام المقبل.
وعلى الرغم من أن أنقرة وقعت مع موسكو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي على الصفقة، ودفعت سلفة أولية، فإن المسألة لم تكن محسومةً بصورة نهائية، وبقيت تتأرجح تبعا لباروميتر العلاقات التركية الأميركية الذي صار يصعد ويهبط بسرعة شديدة، في فترة حكم إدارة الرئيس دونالد ترامب، وساد الظن أن أنقرة يمكن أن تجمد الصفقة في الوقت الراهن، حين بدرت إشارات إيجابية من واشنطن، في شهر يونيو/ حزيران الماضي، بخصوص بيع تركيا مقاتلات إف 35، ذلك أن جانبا من توجّه تركيا نحو روسيا يتعلق بمسألة نقل التكنولوجيا العسكرية المتطوّرة.
جاء توقيت الإعلان الروسي عن تقديم موعد التسليم قي ظل الأزمة الراهنة بين واشنطن وأنقرة التي أخذت منحىً تصعيديا منذ أسبوعين، بسبب قضية القس الأميركي، أندرو برانسون، وتعدّتها إلى فرض الولايات المتحدة عقوباتٍ على وزيرين تركيين، ورفع الرسوم على صادرات تركية من الحديد والصلب إلى الولايات المتحدة، وانعكس ذلك كله في تعرّض العملة التركية إلى ضغوط، أدت إلى خسارتها قرابة 40% من قيمتها منذ بداية العام الحالي.
صار واضحا بلا جدال أن تقريب موعد تسليم “إس 400” مرتبط باشتداد الأزمة بين أنقرة وواشنطن، ومن المؤكد أن روسيا دخلت على الخط، وعبّرت عن موقف داعم لتركيا، من خلال تسديد ثمن الصفقة البالغ 2,5 مليار دولار بالليرة التركية. وهذا يعني، من الناحية السياسية، تسريع وتيرة التقارب بين تركيا وروسيا، وهو هنا يتم على حساب العلاقات التركية الأميركية، ذات الحمولة التاريخية، ومتعدّدة الاتجاهات بين عسكرية وسياسية واقتصادية.
ومن هذا المنطلق، يشكل الإعلان عن موعد تسليم المنظومة الصاروخية سببا إضافيا لزيادة الشرخ في العلاقات التركية الأميركية، أى أنه يعني، بصورة أساسية، خطوة ذات وزن في مسار تحول جيوسياسي تركي، بالنظر إلى أن تركيا تعتبر البلد الثاني في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتأتي بعد الولايات المتحدة، من حيث عدد قواتها العاملة. وأول مظهر في هذا التحول هو نشر صواريخ روسية على أرض دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ تأسيس الحلف، بعد الحرب العالمية الثانية وانضمام تركيا له عام 1953، وهو لن يقف عند حدود الصفقة، بل سوف ينسحب إلى برامج تعاون عسكري كثيرة وتدريب، لا سيما أن تركيا بلد يمتلك صناعة عسكرية متطوّرة.
سوف يترتب على هذا التحول تغيير في العقيدة العسكرية التركية التي قامت على أساس العضوية في “الناتو”، وستصبح على المدى المنظور هجينةً بسبب تنويع السلاح بين المعسكرين، الغربي والشرقي، وهذا لابد أن ينعكس سلبا على حلف الناتو الذي ستبدأ تركيا وضع أول خطوة خارجه. وهذا أمر سيكون مصدر ارتياحٍ لروسيا التي تعيش حالة حصار من “الناتو”، بعد سقوط جدار برلين، وتمدّد الحلف إلى جمهوريات البلطيق وبعض بلدان أوروبا الشرقية، مثل رومانيا وبولندا، وخصوصا مسألة الدرع الصاروخي الذي قرّر “الناتو” نشره في البلدين.
سوف يلقي هذا التحول بظلاله على التفاهمات بصدد القضايا الإقليمية، وخصوصا الوضع في سورية، حيث تختلف أنقرة وواشنطن على قضية الأكراد، في حين تختلف، في المقابل، مع موسكو على إعادة تعويم رأس النظام السوري، بشار الأسد، ولن يطول الوقت حتى تتضح الصورة بسبب تسارع وتيرة التطورات في سورية.

المصدر : العربي الجديد

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here