معارض الكتب في الغرب عبارة عن ملتقيات ثقافية وتجارية، تشمل في جانب منها ندوات ومناظرات حول الكتب، تدعو لها دور النشر من أجل ترويج كتبها، ويشمل ذلك بيع حقوق الترجمة بين اللغات، وهذا أمر يتميز به معرض عن آخر، كما يحصل الأمر عادة في الأسواق الدولية لبيع النفط والحبوب والسلع ذات المنفعة العامة. ومنذ أن صارت المعارض تلعب هذا الدور باتت حقوق الكتاب محفوظة أكثر، وأصبحت قوانين الملكية الفكرية هي التي تتحكّم في تسويق الكتاب.
وفي العالم العربي بدأت معارض تسير على منوال المعارض الدولية مثل فرانكفورت ولندن، لتخصّص مساحة لمزادات بيع الكتب، لكن الكثير من دور النشر العربية لا يعترف بحقوق الملكية الفكرية، فتُترجم من دون حتى استئذان الكاتب، وهو أقل ما يمكن. وقد أصبح الحال أفضل بفضل التضامن بين معارض الكتب من أجل تطبيق قانون الملكية، لكنه لم يستقم بعد، وهناك كتب أجنبية كثيرة تنزل إلى الأسواق العربية مترجمة من دون مراعاة حقوق الكاتب والناشر الأجنبي. ويصر بعض الناشرين العرب على هذا السلوك، الذي لا يمكنه وصفه إلا بالسرقة.
ولا يقتصر الأمر لدى بعض دور النشر العربية، على عدم احترام حقوق الكاتب الأجنبي، فهي لا تقيم اعتباراً لحقوق الكاتب العربي أيضاً. ورغم التقدم الذي حصل على المستوى القانوني، فإن العلاقة بين الناشر العربي والكاتب غير مستقيمة، لأن الواقع على غير ما هو مدوّن في القوانين، وهناك مسافة كبيرة بينهما. وقلّة هم الكتاب الذين يتقاضون مقابل كتبهم من الجهات التي تطبع أو تستغل وتروّج. وفي عالم النشر قليلة هي الدور التي تتعامل مع الكتاب بمهنية واحترام، بل هناك دور نشر لا تنشر إلا إذا تحمّل الكاتب نفقة طبع الكتاب على الأقل، ويقتصر دَور الدار في هذه الحالة على تأمين المطبعة والتوزيع وتؤول عائدات الكتاب إليها. وليس سراً ولا اتهاماَ إذا قلنا إن هناك فساداً كبيراً داخل عالم صناعة الكتاب العربي، والنتيجة دائماً لصالح الناشر. ومن دون مبالغة، تشتغل غالبية دور النشر العربية من أجل تحقيق أرباح مادية فقط، وقلّة قليلة هي التي تتعامل مع الكتاب بمهنية واحترام. لا أحد يريد لدور النشر أن تخسر من أجل نشر الكتب، أو أن تتبرع للكتاّب أو تدفع لهم إذا لم تلقَ كتبهم الرواج الذي يعود عليهم بمردود رمزي، لكن المطلوب هو الشفافية، وأن تكون العلاقة مبنية على الأصول، التي تربط بين الناشر والمؤلف في كل مكان وزمان.
وهذا يتطلب جهداً من الناشر العربي، من أجل ترويج الكتاب بما يتجاوز توزيعه على المكتبات، ليصل إلى شرائح واسعة من القراء، ولا سبيل إلى ذلك سوى بناء علاقة جيدة مع وسائل الإعلام. وبالأهمية نفسها تأتي مسألة ترجمة الكتاب العربي إلى اللغات الأجنبية التي تُعدّ عملية تشاركية بين دور النشر العربية والوسيط الأدبي ودور النشر الأجنبية. وهذا غير متعارف عليه في العالم العربي، ولذلك تخضع الترجمة لاعتبارات أخرى تتدخل فيها العلاقات الشخصية وتبادل المصالح وحتى الرشاوى، وهذا يعني أن ما وصل من أدبنا إلى العالمية ليس بالضرورة ما يستحق ذلك، بل قد نجد أعمالاً روائية وشعرية حصلت على الترجمة والجوائز بلغات عديدة ليس بسبب قيمتها الأدبية.
ثمن الجهد مشروع مهما كان قليلاً، أما غير المشروع، فهو أن يستغل بعض الناشرين الكتّاب، ويتعاملوا معهم كأصحاب فضل عليهم، وبدلاً من أن يردوا لهم حقوقهم ويعتذروا عن السرقة العلنية، فهم يتعاملون باستعلاء وعدم مهنية. وهذا ناتج عن سبب عدم تنظيم العلاقة بين الطرفين. ومثلما يتحمل الناشر قسطاً من المسؤولية عن ذلك، يتحمل الكاتب هو الآخر مسؤولية التزام الصمت والاكتفاء بطبع كتابه، وكأن الناشر تكرّم عليه، وقدّمه للقراء، ولولاه لبقي الكتاب مرمياً لدى صاحبه، لا يسمع به أحد.
الوضع غير السويّ ساهم في الحاق أذى بصناعة الكتاب العربي، التي باتت تعاني غياب المصداقية لأسباب كثيرة. ونظراً لوجود ناشرين فاسدين أو تجار اقتحموا سوق النشر من أجل الكسب المادي، فقد تم نشر الكثير من الكتب الهابطة، التي تفتقر لحد أدنى من السوية الفنية، وصرنا نرى دواوين شعر وروايات ما هبّ ودبّ. وفي الوقت ذاته، تمّت عملية شرعنة السرقة التي يتعرض لها أصحاب الكتب الجيدة.
وكي لا نقع في التعميم، تتوجب الإشارة إلى أن هناك دور نشر تحظى باحترام كبير، بعضها صنع اسمه ومصداقيته منذ زمن طويل، والبعض الآخر حديث العهد في عالم النشر، لكنه تميز بالمهنية في صناعة الكتاب في كل مراحله، من الغلاف وحتى التوزيع. ولا أريد أن أسمي هنا كي لا يتم تفسير كلامي على سبيل الدعاية لأحد. لكن، حتى لو لم أحدد دار نشر بالاسم فإن عالم النشر بلا أسرار، وهناك عملية فرز واضحة وصريحة، ولحسن الحظ، فإن العملة الرديئة غير قادرة على طرد العملة الجيدة من السوق، بل إن العملة الرديئة رغم رواجها الواسع مكشوفة للقاصي والداني، ويعرف الجميع قيمتها الفعلية رغم أن البعض يحاول طلاءها بالذهب لعل بريقها يغطي عيوبها.
*المدن