في الوقت الذي يفترض فيه بالدول والحكومات أن تكون الراعية لحقوق الأفراد، ترفع عنهم الظلم وتحاسب الجناة على انتهاكاتهم، فإن واقع السياسة العالمية اليوم ينبئنا بعكس ذلك؛ فأكثر انتهاكات حقوق الإنسان تتم بعلم حكومات البلدان المعنية، أو بأمر مباشر منها، وهو ما نكشف بعضه في السطور التالية، مستعينين بالتقارير التي أوردتها أبرز المنظمات الحقوقية الدولية «هيومان رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية (أمنيستي)» خلال العام 2018.
جنوب السودان.. إجبار الأطفال على مشاهدة الاغتصاب
كانت دولة جنوب السودان أحد أبرز من سلطت المنظمات الحقوقية الضوء عليهم خلال العام المنصرم؛ فقد دفع الجنوبيون أثمانًا باهظة جراء الحرب المستعرة بين الحكومة والمعارضة منذ سنوات، ووفقًا لتقارير؛ فقد وقعت عمليات اختطاف وتجنيد أطفال وإجبارهم على الانخراط في المعارك، فضلًا عن معاملة الفتيات والنساء في البلاد كـ«غنائم حرب» من قبل القوات الحكومية والميليشيات المعارضة على حد سواء.
ومن بين الانتهاكات المسجلة كان«استهداف المدنيين، وقتل العجائز وأشخاص من ذوي الإعاقة وأطفال صغار، في أعمال عنف مروعة. وشنق بعضهم وتعليقهم على الأشجار، فضلًا عن إحراق آخرين وهم أحياء في منازلهم» وفقًا لتقارير مراقبي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة، كما سُجّل أيضًا عمليات اغتصاب جماعية بحق نساء، كان الأطفال أحيانًا يُجبرون على مشاهدتها، بحسب «هيومان رايتس ووتش».
الجزائر.. انتهاكات بحق المهاجرين الأفارقة
من بين الانتهاكات الحقوقية التي شهدها العام 2018، كان ما سجله المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالهجرة فيليب جونزاليس موراليس من أن السلطات الجزائرية متورطة في انتهاكات بحق مهاجرين من دول غرب أفريقيا، ووفقًا لموراليس فقد تعرض هؤلاء لـ«فظائع لا يمكن تصورها» من بينها «اقتحام مساكنهم في منتصف الليل، واعتقالهم واحتجازهم تعسفيا، وضربهم وإساءة معاملتهم، ونقلهم في شاحنات، والإلقاء بهم على بعد 15 كيلومترا من الحدود مع النيجر».
السعودية.. قائمة طويلة من المحظورات
مر العام 2018 ثقيلاً على المنطقة العربية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وبحسب تقارير منظمتي «هيومان رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية» فإن السلطات السعودية كانت متورطة في انتهاكات عدة راح ضحيتها مواطنون أو سعوديون أو أجانب، ومن بينها ما أوردته «منظمة العفو» عن تعرض الناشطين المحتجزين في السجون السعودية بشكل متكرر «للصعق بالكهرباء والجلد، مما جعل البعض غير قادر على المشي أو الوقوف بشكل صحيح. وفي إحدى الحالات التي وردت، تم تعليق أحد النشطاء من السقف، وطبقاً لشهادة أخرى، فقد تعرضت إحدى المحتجزات إلى التحرش الجنسي، على أيدي محققين ملثمين»:
كما تُنتقد الرياض حقوقيًا بفعل قضايا أخرى، مثل استمرار أحكام الإعدام في المملكة، وغيرها من الأحكام التي توصف بـ«الجائرة» مثل الحكم على الناشط رائف بدوي بألف جلدة و10 سنوات سجن، لمجرد كتابته تدوينة على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى رفع وتيرة استهداف الناشطات في مجال حقوق المرأة، كما أن قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بعد تعذيبه داخل قنصلية بلاده في إسطنبول على أيدي فريق أمني سعودي قد سلطت المزيد من الضوء على الانتهاكات السعودية بحق الصحافيين، بعد أن توجهت أصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالوقوف وراء الجريمة، وإن نفت السلطات السعودية أية مسؤولية ولي العهد عن ذلك.
لم تكن المأساة اليمنية بعيدة عن الانتقادات الحقوقية التي وُجّهت للرياض؛ فلجان الأمم المتحدة المعنية بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان قد واصلت إلقاء اللوم على الرياض متهمة السعودية – مع كل أطراف النزاع الأخرى – بارتكاب أفعال ترقى إلى وصف «جرائم الحرب» راح ضحيتها ملايين القتلى والمصابين والمشردين في شتى أرجاء اليمن.
البحرين.. اتهامات جاهزة للمعارضين
كالعادة كانت الدول الخليجية حاضرة في قائمة انتهاكات حقوق الإنسان خلال عام 2018، وقد تردد اسم البحرين مرارًا في تقارير المنظمات الدولية وخاصة «منظمة العفو الدولية»؛ فقد أصدرت المحاكم البحرينية قرارًا بحبس نشطاء من أبرزهم الناشط البارز المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب؛ بسبب آراء نشرها عبر شبكة «الإنترنت»، كما تحدثت تقارير أخرى عن سوء أوضاع النشطاء المحتجزين في السجون وتعرضهم للإهمال الطبي، والتباطؤ في علاجهم.
كما استبقت السلطات البحرينية الانتخابات البرلمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) لتشن حملة أمنية استهدفت رموز المعارضة، كما حكم القضاء البحريني على زعيم المعارضة الشيخ علي سالم بالسجن المؤبد، فيما اعتبرته«العفوالدولية» «استهزاء بالعدالة، ويُظهر جهود السلطات البحرينية المستمرة وغير القانونية لإسكات أي شكل من أشكال المعارضة» المنظمة ذاتها أشارت إلى أن المنامة قد قامت بترحيل أربعة من مواطنيها بعد أن أسقطت جنسيتهم في عام 2012.
الإمارات.. مواطنون وأجانب وراء القضبان
الاتهامات ذاتها طالت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصدرت حكمًا بالسجن 10 سنوات على الناشط أحمد منصور بالسجن 10 بسبب تعليقات له على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك على الدكتور ناصر بن غيث الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في 29 مارس (آذار) 2017 من قبل محكمة الاستئناف الاتحادية في أبو ظبي. وتمت محاكمته وإدانته بتهم منها «نشر معلومات مغلوطة» عن قادة الإمارات.
ولم ينج ماثيو هيدجز، طالب الدكتوراه البريطاني، من سيف السلطات؛ فقد احتجز في الإمارات وحكم عليه كذلك بالسجن المؤبد بتهمة التجسس – قبل أن يطلق سراحه لاحقًا بعفو رئاسي – وهي الأحكام التي استجلبت سخط المؤسسات الحقوقية الدولية بحق دولة الإمارات العربية المتحدة وسياساتها.
ميانمار.. «جرائم إبادة» بإشراف الجيش
إن ما نراه في ولاية أراكان هو استيلاء الجيش على الأراضي على نطاق واسع للغاية؛ إذ يتم إنشاء قواعد لإيواء قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية بحق الروهينغيا * تيرانا حسن، مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية
استمرار الانتهاكات المروعة من جانب جيش ميانمار، وقوات الأمن فيها بحق الروهينجا، كان أكثر ما استحوذ على اهتمام المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وفي مقدمتها «هيومان رايتس ووتش» و«أمنيستي». الأمر الذي دفع المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان للدعوة إلى إحالة ميانمار لـ«المحكمة الجنائية الدولية» عقابًا على تلك الانتهاكات.
ووفقًا لتقارير المنظمتين فقد تعرض المسلمون الروهينجا للقتل والاغتصاب والتعذيب في ميانمار «بسبب هويتهم»، وهو ما وصفته بعض التقارير بـ«الإبادة الجماعية»؛ مما أدى إلى لجوء مئات الآلاف من الأشخاص بنجلاديش وغيرها من الدول، كما تتهم قوات الجيش والأمن في البلاد بالاستيلاء على الأراضي وبناء قواعد عسكرية خاصة بها على أنقاض قرى الروهينجا، وأشارت التقارير كذلك إلى إعادة بعض البلدان اللاجئين قسرًا إلى ميانمار ليواجهوا هناك القتل والتنكيل؛ الأمر الذي يثير الكثير من الرعب والهلع في صفوف اللاجئين.
الصين.. استمرار معاناة الإيغور
تستمر معاناة مسلمي الصين المعروفين بالـ«إيجور»، حيث أشارت التقارير الحقوقية إلى احتجاز السلطات الصينية ما يقرب من مليون مسلم داخل معسكرات احتجاز تسميها السلطات «مراكز التحول من خلال التأهيل» حيث يتم احتجاز الأفراد هناك لشهور دون أن يقدموا للمحاكمة أو يسمح لهم بالاتصال بالمحامين، ولا تطلق السلطات سراحهم إلا بعد قناعتها أنه قد تم «إعادة تأهيلهم» ثقافيًا وفقًا لمعاييرها.
وبحسب شهادات لمحتجزين أوردتها «أمنيستي» فإن «إبداء أي مظاهر بصورة علنية، أو حتى خاصة، للانتماء الديني والثقافي، بما في ذلك إطلاق لحية «بشكل غير طبيعي»، أو ارتداء الحجاب أو النقاب، والصلاة بانتظام، أو الصوم أو تجنب شرب الخمر، أو امتلاك كتب أو مقالات عن الإسلام أو ثقافة الأويغور يمكن اعتبارها أفعال (متطرفة) بموجب القانون».
كما أن السفر إلى الخارج من أجل العمل أو التعليم، ولا سيما إلى البلدان ذات الأغلبية المسلمة، أو الاتصال بأشخاص خارج الصين، هو أيضًا يعد أسبابًا رئيسة للريبة؛ فالذكور والإناث والشباب والكبار في المناطق الحضرية والريفية كلهم عرضة لخطر الاحتجاز.
تركيا.. اللاجئون الأفغان يواجهون الترحيل
لم تفلت الحكومة التركية كذلك من اتهامات انتهاكات حقوق الإنسان؛ فقد سلطت «منظمة العفو الدولية» الضوء على ما اعتبرته «انتهاكات» تركية لحقوق الإنسان كان من أبرزها اعتقال أنقرة للرئيس الفخري للفرع التركي لـ«منظمة العفو»، تانر كيليش، قبل أن تفرج عنه في أغسطس (آب) 2018، بعدما قضى 14 شهرًا وراء القضبان.
سلطت «أمنيستي» كذلك في تقاريرها الضوء على اعتقال عشرات الأكاديميين والناشطين في مجال المجتمع المدني، واعتبرت الاتهامات بحقهم مجرد «اتهامات تثير السخرية»، كما اتهمت المنظمة ذاتها أنقرة بإعادة آلاف اللاجئين الأفغان الذين فروا إلى تركيا هربًا من النزاع في بلادهم، وأضافت المنظمة في تقرير لها نشرته في أبريل (نيسان) 2018 «إن حجم الإجراءات القمعية غير عادي. ففي الأسابيع الأخيرة صعدت السلطات التركية حملة ترحيل قاسية شهدت القبض على الآلاف من الأفغان ووضعهم في طائرات، ثم إعادتهم إلى منطقة الحرب».
إيران.. العرب الأحواز مستهدفون
تتسع قائمة «الانتهاكات» الإيرانية لحقوق الإنسان وفقًا للتقارير الحقوقية لتشمل حملة قمع واسعة شنتها السلطات الإيرانية على سكان الأحواز من العرب، لاسيما في محافظة خوزستان جنوبي البلاد، والتي اعتقل المئات من أبنائها، وقد أتت تلك الحملة على خلفية الهجوم المسلح الذي استهدف عرضَا عسكريًا في سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي راح ضحيته 24 قتيلًاً وعشرات الجرحى.
وتتلقى إيران كذلك جملة من الانتقادات التي تدين الأحكام القضائية التي تصدر أحيانًا بحق مواطنيها، مثل أحكام السجن التي تصدر بحق فتيات تخلين عن ارتداء الحجاب الإلزامي، أو تعرض أشخاص لعقوبة الجلد بسبب شربالخمر، فضلًا عن استمرارها في تطبيق عقوبة الإعدام والتي لا تستثني من ذلك حتى القُّصّر، رغم الإدانات الدولية، فضلًا عن حملات الاعتقال والقمع التي تعرض لها المحتجون الذين نزلوا إلى الشوارع في مختلف المدن الإيرانية بداية العام الجاري.
مصر.. عام آخر من الانتهاكات
عام 2018 لم يكن إلا حلقة أخرى تكمل مسلسل انتهاكات الحكومة المصرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، كان هذا لسان حال التقارير التي أوردتها المنظمات الحقوقية الدولية التي ترصد الوضع الحقوقي في مصر؛ فقد استمرت السلطات المصرية في النهج الذي بدأته منذ سنوات مستهدفة النشطاء والحقوقيين والمعارضين، وشهدت نهاية العام حملة أمنية تم خلالها اعتقال العشرات من المحامين.
ومن أبرز من تم القبض عليهم خلال 2018، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق سامي عنان، وزعيم حزب مصر القوية والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية عبد المنعم أبو الفتوح، كما استمر احتجاز علا القرضاوي ابنة رجل الدين يوسف القرضاوي وزوجها؛ الأمر الذي استتبع إدانات دولية وحقوقية واسعة.
مصر فشلت في الامتثال للضمانات التي تلقيتُها بشأن عدم تعرض أي شخص للمضايقات أو الترهيب أو الانتقام بسبب مقابلتهم لي أو تزويدي أنا والوفد المرافق بمعلومات في سياق الزيارة * ليلاني فرحة، مقررة حقوقية أممية تحكي عن زيارتها لمصر
الأمم المتحدة.. تحمي الحقوق أم تعتدي عليها؟
يعول نشطاء حقوق الإنسان على الأمم المتحدة ومؤسساتها في التدخل لرفع الظلم عن المقهورين، أو لفض النزاعات في بؤر الحروب والاضطرابات، لكن ماذا لو كانت الأمم المتحدة ذاتها مصابة بداء الانتهاكات هذا؟
فبحسب موقع الأمم المتحدة ذاته، فإن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2018 قد شهدت «الإبلاغ عن 54 ادعاء بوقوع أعمال استغلال وانتهاك جنسيين في منظومة الأمم المتحدة وشركائها المنفذين»، وبحسب تصريح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، فقد «تم الإبلاغ عن وقوع 14 في بعثات حفظ السلام، و18 من قبل أفراد في وكالات وصناديق وبرامج. ويتعلق 21 ادعاء بالشركاء المنفذين، وادعاء واحد بفرد في قوة دولية غير تابعة للأمم المتحدة. ترتبط الادعاءات بـ66 ضحية، منها 13 فتاة تحت سن 18، و16 شخصًا لا تعرف أعمارهم»، مؤكدًا أن تلك الادعاءات ستخضع للتحقيق.
إسرائيل.. دعوات لحظر تصدير السلاح
انتهاكات جيش الاحتلال، وقوات الأمن الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، كانت كذلك مما سجلته تقارير المؤسسات الحقوقية في 2018، أدانت تلك المنظمات سياسة الاحتلال بتهجير الفلسطينيين من قراهم، وتعريض بيوتهم إلى الهدم والتدمير، وكان من أشهرها خلال هذا العام قرية خان الأحمر بالضفة الغربية.
كما سلطت الجهات الحقوقية المزيد من الضوء على التعامل العنيف لجيش الاحتلال الإسرائيلي مع «مسيرات العودة» التي نظمها أهالي غزة بموازاة الحدود، والتي تسببت في مقتل عشرات الفلسطينيين، أو إصابتهم بإعاقات جسدية مستديمة، إلى الحد الذي دعا «أمنيستي» إلى الدعوة لوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل للضغط على تل أبيب في سبيل وقف إجراءاتها القمعية بحق الفلسطينيين.
المصدر : ساسة بوست