بزورك محمد: أزمة القراءة.. الانحدار صوب الأمية

0

تؤثر القراءة بشكل إيجابي على عقل القارئ، وتصل في تأثيرها إلى سلوكه، وحتى في طريقة كلامه، فكلما قرأ الفرد نمت ثقافته وازدادت معلوماته ومعرفته، كما أن القراءة تساعد في الوقاية من مرض الزهايمر، إذ توصلت دراسات حديثة إلى أن الإنسان الذي يقرأ لديه معدل أبطأ من تدهور الذاكرة مقارنة بمن لا يقرأ.

القراءة عملية فكرية ورحلة بحث ذاتي مع كتب للعثور على دواء وعلاجات وسط تفشي العدوى الفكرية، وهي لا تقل أهمية عن العمليات الجراحية للإنسان المصاب بالأمراض الخطيرة، الغرض الأساسي من القراءة أن يفهم القارئ ما يقرأه بسهولة لاكتساب وغناء المعرفة الذاتية، وصولًا إلى تنمية ملكة النقد والحكم والتمييز بين الصواب والخطأ، أو الغث والسمين.

وبحسب تقارير لمنظمات دولية تعنى بالشؤون الثقافية، فإن القراءة تعيش حالة من الأزمة في المجتمعات العالمية والشرقية خصوصًا، وأن الضرورة أضحت ملحة لتكثيف الجهود للتصدي لظاهرة العزوف عن القراءة، خاصة لدى الجيل الجديد من الشباب، في ظل ريادة وسيادة الوسائل الالكترونية واقتحام مواقع التواصل الاجتماعي ذاكرة ورؤية الانسان المعاصر ومزاحمتها للكتاب الورقي.

يعزو الكثير من المثقفين والمفكرين والنقاد المعاصرين ظاهرة التراجع الثقافي والفكري في العالم إلى عوامل كثيرة أبرزها التراجع المهول في نسبة القراءة، حيث إن العالم بأسره يعيش أزمة القراءة، وهي أزمة حادة بدأت منذ عقود، في مرحلة أولى، بدتْ هذه الأزمة في شكل تراجعٍ عن معدلات قراءة الكتاب، كما أن تراجع جودة التعليم ومحتوى غالبية الاصدارات الحديثة التي لاتعدّ ولا تحصى، فارغة أو مستنسخة ركيكة من الكتابات القديمة.

زمن الكتب المحفوفة بالسم والممنوعة والمصادرة اندثر ولم يبق له أثر، لقد أصبحت الكتب متوفرة عكس ما كان سابقًا إذ أن بعض الكتب في الماضي كان كل من لمسها لقي مصيرًا قاتمًا لا محالة، ومع هذا نجد في عصرنا عصر الكتب المتاحة كتبًا وحيدة لا جليس لها، وبيوتًا لا كتب فيها، أو فيها كتب بلا معنى ولا طائل من ورائها. مجتمعات طغت فيها عادات القراءة الرقمية بشكل فوضوي وعشوائي وغير مضبوط مما أدى إلى إقصاء الكتب الورقية، وشيوع الإقبال منقطع النظير على الإنترنت ومشاهدة التلفزيون ومحطاته الفضائية.

العصر الالكتروني وتراجع القراءة

منذ ولوج الحقبة الإلكترونية من التطور، لم تعُد مصادر المعرفة ذات قيمة وأهمية لتحل الشبكة العنكبوتية ومواقع المعلومات محل الثقافة والقراءة، تلك أزمة قد تمتد وتستفحل، وربما تنتهي إلى انقراض ظاهرة القراءة جملة إن لم توضع استراتيجية لتنمية قيم القراءة وترسيخها في ثقافة الشعوب، بدءًا من الأسرة والمدرسة والجامعة، وصولًا إلى الإعلام وسياسات ترويج الكتاب والإنفاق على صناعته، ذلك وحده يمكن أن ينقذ الثقافة والمعرفة من زوال محقّق.

العزوف عن القراءة

العزوف عن القراءة مشكلة مستعصية ومزمنة يواجهها المجتمع البشري، بحيث إنها لم تعد تلك العادة المفضلة والممتعة لدى الكثير من الناس، حتى إن الدول التي كانت شعوبها مدمنة على القراءة تعاني من هذه المشكلة.

أسباب أخرى كثيرة تقف وراء العزوف عن القراءة، فمن جهة توجد اليوم الكثير من الهوايات المنافسة للقراءة والتي تستهلك الوقت، منها التلفزيون، والإنترنت، وألعاب الفيديو، والبلايستيشن.. وتُعد هذه الاجهزة وسائل ترفيه وليست مصادر للمعرفة، حيث غدت في متناول الجميع، وأصبحت تستهلك الوقت وتبعد الأطفال والشباب ليس عن القراءة وحسب، وانما حتى عن مراجعة دروسهم وحل واجباتهم، إلى جانب غياب مكتبات في أغلب المدارس تخلو من رفوف وكتب معرفية مع أن للمدارس دورًا مهمًا في التحفيز، فضلًا عن غياب دور الآباء كقدوة لغرس بذور الاهتمام بالقراءة، فحالة ركود تشهدها المكتبات العامة التي لا تصلح فضاءاتها للقراءة ولتحفيز الزائر على أخذ الكتاب وتصفح صفحاته أو إحداث نوع من الألفة مع المكان، حالة ركود أيضًا تشهدها أماكن بيع الكتب وأكشاك الجرائد والمجلات مما يؤكد تمامًا أن القراءة تعيش وضعًا بائسًا ومزريًا، والنتيجة فإن المجتمع البشري يتجه نحو الأمية.

*الترا صوت