في عام 1944، رفض القائد العسكري الألماني الميجور جنرال ديتريش فون شولتز، تنفيذ أوامر الزعيم النازي أدولف هتلر، بدكّ باريس وتدميرها بسلاح الجو، لأن باريس كانت بالنسبة إليه أجمل من أن تُنتهك.
وفي عام 2013، قرر حاكم سورية دكّ مدن سورية وتدميرها بالطيران، لأنه ببساطة رأى أنها أتفه من أن تبقى عامرة، ولأنه رأى في تحرك سكانها خطرًا على كرسيّه ونظامه السياسي والأمني.
بدلًا من أن يحافظ “الزعيم” السوري على مدنه، دمّرها، وبدلًا من أن يحولها إلى رمز للحب والإلفة والتعايش، دفنها تحت الركام، وبدلًا من أن يجعلها أكثر حداثة وحضارة، أعادها إلى العصور الوسطى، هذا بعض مما فعله “الزعيم” في مدن سورية.
لم يُدمر “الزعيم” السوري الحجر فقط، بل دمّر قطاع التعليم والرعاية الصحية والحياة الحزبية ومؤسسات الدولة، كما دمّر التعايش والإلفة والمثل والقيم، ودمّر المفاهيم والعقليات والأخلاق، فضلًا عن أنّه دمّر التوزان الديموغرافي الطبيعي، الاثني والعرقي والديني والمذهبي، الضروري للحياة.
هذا غيض من فيض، ولا داعي لذكر مئات آلاف الضحايا، الذين لا يعرف عددهم الحقيقي أحد، ولا ملايين المشردين والمهاجرين واللاجئين، ولا مئات ألوف الأيتام والثكالى والمعاقين الذين خلّفتهم حربه.
نزوة “إمبراطور” وهمي حوّلت سورية من بلد عظيم، إلى بلد بائس، فصار بلد كاراكلا وفيليب العربي وزنوبيا وابن الوليد ومعاوية والزنكي والأيوبي والعظمة وهنانو والشهبندر والأطرش والقوتلي، بلد شبيحة من الطراز العاشر، لا يلوون على شيء سوى تدمير وسرقة ما تبقى.
معرفة تاريخ المدن هدف ذو نفع أوسع من مجرد استعراض شوارع مدينة، ففي الواقع يوفر ذلك الفرصة لمعرفة طريقة إدارة المصالح المهمة القديمة، ويربط الحاضر والماضي، ويقدّم دروسًا مستفادة حول طريقة الاستفادة من الحداثة ودمجها بالأصالة.
تتقاذف الدول القضية السورية، بعضهم يستمتع بها، وبعضهم يُجرّب ويخرّب وينهش، وبعضهم يزيد من دمارها دمارًا، و”يخترعون” أستانة ولجنة دستورية واتفاقيات خلّبية، دون الوصول -بعد تسع سنوات- إلى أي حل.
لا بد للمعارضة السورية من أن تعي أنه من الصعب أن تنقل سورية من قرية محكومة إلى مدينة حضارية، ما لم يتغير النظام، ومن الصعب أن تنتقل من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ما لم يتغير النظام السياسي، ومن الصعب أن تنتقل من حكم الأمن إلى حكم الشعب، ما لم يتم تداول إلزامي للسلطة، وأن تعمل المعارضة -وفق هذه المبادئ- من دون أي تنازل تجاه من دمّر بلدهم، وإلا فإنها ستبقى “كثيرة النط قليلة الصيد”.
المصدر: جيرون