«هل تريد أن تصبح باتمان؟»، أن تتحمل عبء تحقيق العدالة، وإعادة المدينة إلى أمانها؟ هل تريد الانتقام لفقد لا يمكن تعويضه، كما فقد «باتمان» والديه، وأن تواجه الشر المطلق من دون أن تتلوث يداك أو تهبط إلى جحيم الشر نفسه؟ أم تريد أن تجسد الحقيقة الأعلى من القانون، ومن الحدود الموضوعة للبشر العاديين.. وهو ما قد يوصلك إلى حافة الجنون؟ ليست هذه الأسئلة التي يطرحها كتاب «باتمان والفلسفة.. الخوض في روح فارس الظلام؟» مجرد نزهة للذكاء والتسلية، وإن كان جزء منها كذلك بالفعل، بل هي إعادة للتفكير في منطق المدينة، الأميركية على وجه الخصوص، والأسس والأفكار التي تتخلل نظامها القانوني والمعرفي والسياسي، وتعريفها للفرد وموقعه. يتضمن الكتاب عشرين فصلاً بأقلام محررين مختلفين يستعيدون أحداث القصص المصورة والأفلام الواسعة الانتشار التي كان «باتمان» بطلها المتجدد. لا يتحدث الكتاب عن سر الشهرة، بل يذهب مباشرة، بعُدّة فلسفية، ليرد أفعال «باتمان» إلى نسق من الأفكار والأسئلة الجوهرية التي ناقشها أشهر المفكرين والفلاسفة: من هوبز إلى فوكو، ومن كانط إلى فتغنشتاين، ومن أسئلة العدالة كما طرحها أنصار النفعية، والأسئلة ذاتها كما طرحها أنصار أخلاق «الواجب». العقاب الاستباقي في فصل يناقش أخلاقية القتل الاستباقي، حينما تتعرض مدينة «جوثام» للتهديد من قبل «الجوكر»، نتوقف أمام تساؤل يبدو نظريا: هل من الأفضل قتل شخص نعرف أنه مقدم على ارتكاب جرائم بشعة؟ أم أنه من الأخلاقي ألا يكون العقاب إلا بعد ارتكاب الجرم؟ وهل كان «باتمان» محقا في عدم إنهائه حياة «الجوكر» في كل مرة يرتكب فيها جريمة أفظع، لمجرد أنه لا يريد تلويث يديه بالقتل؟ أم أن «باتمان» كان بذلك يرضي غروره الأخلاقي فحسب، معرضا مزيدا من الحيوات البريئة للقتل والتهديد؟ يواجَه «باتمان» بالأسئلة الصعبة «إنك تعرض الكثير من الناس للموت لأنك ترفض قتل شخص واحد؟». غير أن «باتمان» أقرب إلى الأخلاقيين الذين يرون القتل مرفوضاً حتى لو كان «نافعاً» أحياناً، فلا يمكننا «أن نعاقب الناس مسبقاً، وقد يضغط ذلك العقاب المسبق على زر الرعب داخل كل واحد منا». ولكن ماذا لو كانت حياة الملايين هي ما يتعرض للخطر؟ بالطبع سنجد في الكتاب الكثير من الأسئلة الماكرة التي لا يمكن الموافقة على أسلوب طرحها بسهولة. النظام والفوضى إن «الخارق» يقف على حدود المدينة، أي حدود الفوضى التي نشأت منها أول مرة، والمساحة المعتمة المحيطة بها. وهنا نعثر على أفكار «هوبز»، الفيلسوف، ونظريته الشهيرة عن الدولة والمجتمع. وهي نظرة ليست بعيدة أيضاً، وإن لم يذكر الكتاب ذلك، عن أفكار الألماني كارل شميت، رغم اتهام الأخير بنصرة الدكتاتورية الفاشية، فهو أيضاً طرح سؤالاً: من يطبق القانون في اللحظات الاستثنائية؟ لمن تكون السيادة إذا عاد المجتمع إلى حالة التناحر والفوضى أو تعرض لتهديد خارجي؟ بالطبع قد لا نوافق كثيراً على بعض جوانب التبسيط للأسئلة الفلسفية التي عرضها الكتاب، لكن يمكن قراءته في مسافة أبعد مما يقدمه هو ذاته باعتباره الطريقة الدرامية التي تناقش بها القضايا اليومية في المدينة الأميركية، وكيف ترفع إلى مستوى النقاش الأخلاقي والوجودي أيضاً، من خلال نموذج تمثيلي، وليس بالأسلوب التجريدي الذي عُرف به المفكرون الأوروبيون. الكتاب صدر عن منشورات نابو في بغداد بترجمة المجتبى الوائلي ومراجعة رقية طارق.
*القبس