حوار سوزان المحمود، شاعرة وكاتبة سورية
مجلة أوراق العدد 13
الحوارات
فراس الضمان الشاعر الذي نهل من كل ينابيع وحارات ووجوه وقامات “سلمية”، والطبيب الذي رافق آلام أهل مدينته، ولاعب الشطرنج المحترف والعنيد الذي نازل الكثيرين وشاركهم المتعة التي لا غبار عليها، نلتقيه في الحوار التالي:
س1- يقول كيشلوفسكي “إن الخيال لا يسمح بمزيد من الحرية الفنية فقط، وإنما يمكنه تصوّر الحياة اليومية بصدق”. ما الذي تقدمه الحياة اليومية للشعر؟ وما الذي يقدمه الشعر للحياة اليومية؟
الشِّعر يتنفس ما تزفُرُه الحياة اليومية والعكس ليس صحيح للأسف الشديد.
س2- فراس الضمان شاعر وطبيب غدد صم، في قصائدك ثمة نفحة آيروسية واضحة ما الذي يعنيه لك الجسد؟
الجسد ورقة بيضاء لا يمكن أن يكون شاعرآ مَن لا يحلم أن يملأها حتى تسيل !!
س3- في مجموعتك الشعرية “بائع الكستناء الأدرد” تقول:
أنا فراس الضمَّان
الغريبُ الذي يشربُ..
ويكتبُ..ويبكي!!
أنا فراس الضمَّان
الصنوبرةُ المغبّرةُ الحدباء…
بائعُ الكستناء الأدرد..
النَّادلُ ذو الذراعِ الواحدة..
الذراعً التي
ترفعُ كأسكِ الآن!!.
كيف يؤكد الشاعر ذاته أمام العالم ويعلن غربته عن محيطه؟
الغربة خبزي وملحي غريب أنا في بيتي وفي حارتي وفي عيادتي وفي مدينتي وفي وطني، باختصار شديد: كل غريب في هذا العالم هو أخي الذي لم تلدْهُ زجاجتي!!
س4- تقول في إحدى قصائدك:
إلى الوراء..
عكس كُلِّ الأغبياء
ذوي الياقات الأنيقة
والنظّارات الغريبة السوداء
إلى الوراء…
عكس كُلِّ المبتسمين برؤوسٍ مرفوعةٍ
أمام الكاميرا
إلى الوراء..
ألتفتُ دائماً إلى الوراء
فقط كي أمُدَّ يدي مرةً جديدةً
إلى خصومي!!
وفي أخرى تقول:
الرَّصاصةُ في الظّهر..
لا تقتلني
أخبرتهم مراراً بذلك
ومازالوا يصرُّون
على تكرار المحاولة!!
يتكرر في شعرك ذكر توقع الطعنات من الخلف والخصوم، من هم خصوم الشاعر فراس الضمان؟
أنا لم اتوقع الطعنات بل تلقيتُها بالفعل، تلقيتُ طعنات الغدر من أشخاص أعطيتهم قلبي وثقتي فخانوهما؟!
أما بالنسبة للخصوم فأبسط صفات الخصم هي الندية، فالخصم الحقيقي يجب أن يكون ندّآ حقيقياً، ومن خلال هذا المفهوم لم أجد خصماً لي حتى الآن…. حتى الآن على الأقل !!
س5- يقول الشاعر منذر شيحاوي في مجموعته “آخ” /كيف الفرارُ من الجهات/ وأنتِ في كلِّ النواحي/ آهٍ سلميةُ إنني /ألقيتُ عن طيبٍ سلاحي/ في قصائدك ذكر لأمكنة عديدة، الحانة، العيادة، المشفى، اسماء مدن وحارات كباب توما في دمشق، وحلب وطرطوس وغيرها، لكنك لا تحتفل كباقي شعراء سلمية بالمدينة التي تقيم بها، كشاعر كيف هي علاقتك بالمكان؟
أنا لا أقيم داخل مدينة سلمية، بل سلمية هي التي تقيم في داخلي، من حاراتِ وأزقة وحانات وبيوت سلمية المبللة بالغبار انطلقت إلى العالَم !!سلمية حاضرة في كل حرف من قصائدي ويكون حضورها غامقاً أكثر فأكثر في القصائد التي أتحدث فيها عن حلب، أو طرطوس، أو الجزائر، أو بغداد، في قصائدي ٠٠٠ مَن لا يشم رائحة شارع الثورة وعلب اللبن المعلقة على واجهات المحلات كالنياشين!، من لا يسمع رنين كؤوس منذر الشيحاوي في الحارة الغربية وسقراط وجيتان وخمارة أبو العبد وردة، من لا يسمع دموع صابر رزق الحمراء في الحارة الشمالية وآهات أكرم الملا في ثانوية علي بن أبي طالب، فعليه التوجه مباشرة إلى عيادة العظيم سامي الجندي، فهناك ٠٠٠٠ فقط هناك العلاج الشافي.
س6- تقول في إحدى قصائدك:
دفاعاً عن النفس..
أرسم بالسكين
دفاعاً عن سوريا ..
أكتبُ القصائد على الجدران
دفاعاً عن الله …
أحبّكِ!!
فراس الضمان يراقب ويرصد التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع السوري خلال السنوات العشر الأخيرة، وله العديد من المتابعين على صفحته على الفيسبوك بحساسيتك كشاعر كيف ترى مستقبل المجتمع السوري؟
بصراحة لا أرى مستقبلآ مشرقآ للمجتمع السوري طالما أنّ أبا بكر الصديق وعلي ابن أبي طالب مازالا على قيد الحياة؟! فمن وجهة نظري، لن تقوم قائمة للسوريين ما لم يقوموا بدفن المرحومَين العظيمين المذكورين أعلاه، ويجب أن يكون الدفن لائقآ ومحترمآ يتماهى مع نُبل الشخصيتين التاريخيتَين ٠٠٠و إلى الأبد !!
س7- تشتهر سلمية بمجموعة مهمة من الشعراء المعروفين من أثر بك من شعرائها؟ وهل كان لخالك الشاعر منذر شيحاوي دوراً مؤثراً في حياتك وفي شعرك؟
أول من أمسك يدي نحو حانة الشعر هو أبي فائز الضمان، أبي الذي كان قوميآ ناصرياً ومع ذلك لم يسمح لنا أن نضع صورة واحدة لعبد الناصر في البيت، أبي الذي كان كلما سمع النشيد الوطني العراقي بكى!!، أبي الذي أوصاني وهو على فراش الموت: لا تترك سوريا يافراس، ثم جاء خالي الشاعر منذر الشيحاوي ليجتاحني ويبني جميع قلاعي وحصوني ثم يهدمها من جديد؟! ويحتل منابع الدمع في رؤوس أصابعي ويرميني وحيداً غريباً ضائعاً مضمّخاً بالدم والدموع والتراب والنبيذ في شوارع وأزقة سلمية الباردة جداً جداً في تموز؛ ليتلقفني خالي عبد الكريم الشيحاوي (أبو وائل) الخارج لتوِّه من سجن صيدنايا زاجآ بي في زنزانة انفرادية إلى الأبد، زنزانة كُتب على بابها العبارة التالية: أنا ٠٠٠٠ وأنتِ ٠٠٠٠ ثلاثتنا نحبكِ؟!، الزنزانة التي مازلت أحلق فيها عالياً عالياً حتى الآن !!
س8- تقول في إحدى قصائدك:
بنطالُ جينز..
البنطال الذي اخترتِهِ للتَو في المتجر
البنطالُ الذي..
يعبر إلى الجنَّةِ الآن في كيس
البنطالُ الذي..
سيضيقُ، ويتكوَّر،
ويتلوَّى، ويبتل، ويَشمُّ،
ويسكرُ، ويُصلبُ غداً!!
بنطالك الجينز..
النَّهر الصاعِدُ إلى اليُنبوع..
القهَّار عندَ الخصر..
المالِكُ بينَ الفخذين .. الرَّحيمُ على المؤخرة ..
بنطالكِ ..
سُلَّمُ العيونِ الأزرق
كان يُمكنُ
أن يظلَّ بنطالاً..
-مجرد بنطالِ جينز-
يُباعُ ويُشتَرى..
في متجرٍ عادي في باب توما.
لِمَ نشعر أن المرأة التي تتحدث عنها في شعرك غالباً بلا ملامح واضحة، وكأنه حوار من طرف واحد؟ كيف تتعامل مع المرأة شعرياً؟ وما الذي تقدمه التجربة للشاعر؟
أقتبس من كتابي بائع الكستناء الأدرد المقطع التالي: من بعيد ٠٠٠٠ من بعيد بما يكفي كي أخطئ ظَهرآ حزينة على الطريق أو وجهَ حانةٍ في ليلة ماطرة؟! من بعيد ٠٠٠ بعيد أحببتكِ من النسمة الأولى!! ٠ انتهى الإقتباس ٠٠٠ فالنسمةُ هي إحدى ملامح امرأتي، امرأتي التي تغدو أكثر وضوحآ عندما ننظر إليها من بعيد!!.
س- جميع قصائدك في مجموعتك المطبوعة الوحيدة “بائع الكستناء الأدرد” بلا عنوان، لِمَ؟
أنا لا أعَنونُ قصائدي؟!، جميع قصائدي هي بلا عنوان، عنوان القصيدة يقيِّدها، تركُ القصيدة بلا عنوان هو محاولة حميمة مني لمكافأة القارئ، وإشراكه في وضع العنوان الذي يراه مناسباً لقصيدتي.
س- من هم ندامك؟
في الأيام المظلمة أقرأ للشعراء التالية أقداحهم: محمد الماغوط، تمام تلاوي، منذر الشيحاوي، وائل زكي زيدان، لؤي الحاج صالح ٠٠٠٠٠٠٠٠٠وفي الختام لابد لي أن أشكر الجنود المجهولين الذين ساهموا في وصولي إلى هنا، شكراً الشاعر الأصيل علي الجندي )أبو وجد)، ولساحر الومضة الشعرية اسماعيل زودة، وللكاتب السلموني الأنيق أحمد عيسى (أبو طارق)، وللملك ٠٠٠٠ ملك الذوق والحرف واللون صابر رزق ٠٠٠٠شكرآ لكم جميعاً لأنني كنت أحتسي ما تيسَّر من آياتكم كل مساء!!.
* الكتاب : بائع الكستناء الأدرد ( شعر )
الشاعر : فراس الضمّان
الناشر : دار التكوين للتأليف والترجة والنشر – دمشق 2014
لوحة الغلاف للفنان رياض الشعار
تقع المجموعة في 100 صفحة من القطع المتوسط وليس بها عناوين تفصيلية للقصائد إنما عنون كل القصائد بمجموعة نقاط ( ……. ) .
من أجواء النصوص افتتاحيتها وهي المدونة على الغلاف الأخير للمجموعة :
دفاعاً عن النفس
أرسم بالسكين
دفاعاً عن سوريا
أكتب القصائد على الجدران
دفاعاً عن الله
أحبك!!
*****
قصائد الشاعر فراس الضمان من مجموعته “بائع الكستناء الأدْرَد”
أخيراً..
سيعودُ كلُّ شيءٍ إلى مكانه
السنونوةُ..
إلى أميرها السعيد
الزجاجةُ..
إلى يديَ اليسرى
الطعنةُ..
إلى عشَّها الدافئ أعلى الظَّهر
الحِبرُ..
إلى عينيّ العتيقتين
الإبهامُ مرفوعاً..
إلى تحيّةِ أعدائي
أنتِ..
إلى حضنِ غيري
توقيعي..
- توقيعي المجنَّحُ كالسنونو-
إلى القصائد التي يُردِّدُها الجنودُ
على جبهتين متقابلتين
ويجهشونً بالبكا!!.
أحِبُّ ظلالي..
- كلَّ ظلالي –
أحِبُّها كثيراً
لكنَّ أقربَها إلى قلبي..
ذاك الذي ..
يرسمهُ المصباحُ الخافتُ
أمام بيتكِ
بيتكِ المهجور!!.
كلُّ ما أحتاجُهُ الآن..
- وأنا أقترب
رصيفاً..
رصيفاً..
من البُكاء !! –
المعطفُ الأسودُ الطويل
بياقتهِ المرفوعةِ ككأس
وأزراره التي لم تُستخدم أبداً
وجيوبه المحشوّةِ بالندم!!
نعم..
النَّدم ..
وحدَهُ الندَمُ
يبقيكِ معي
إلى الأبد!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاً..
يسيرُ كلٌ مِنَّا في اتجاه
معاً..
نتسكَّعٌ في مدينتين مُختلفتين
معاً..
ننزفُ على ضفَّتَين
معاً..
ننامُ مع غريبين
معاً..
نرفعُ رأسَينا
أمامَ عَلَمَينِ مُختلفين.
معاً..
نخفُقُ في كنيستَين
معاً..
نضيعُ بين الأصدقاء
ومعاً..
ومعاً أيضاً..
نبتسمُ أمام شمسِ الصباحِ
الشمسُ التي أشرقت عندها
وغابت..
للتوِّ عندي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أمَلُّ النَّظر إلى السماء..
لا أمل أبداً
فقط..
ارفعوا أعلامكم عنِّي
أنا..
أنا القبر الوحيدٌ
أعلى التلَّة.