ريم دياب
صحفية تعمل على توثيق الصراع السوري الإسرائيلي مقيمة في أمستردام.
مجلة أوراق- العدد 17-18
أوراق الملف
لم تتوقف الأطماع الإسرائيلية في الجولان منذ القرن التاسع عشر، وكانت تركز في أطماعها على الأراضي الأكثر خصوبة في بلاد الشام على الإطلاق وخاصة أراضي البطيحة عند مياه طبرية وأراضي الحولة السورية أيضاً، خاصة وأن أبناء الجولان يملكون معظمها، مع ذلك رغم الانتداب الفرنسي والذي كان إلى حد ما يميل للحركة الوطنية السورية بخصوص الجولان بسبب صراعه مع الانتداب الإنكليزي، فهب السوريون لتأسيس شركة لمنع بيع أراضي البطيحة للوكالة اليهودية ودعم ملاكيها الكبار وسميت الشركة الزراعية لإنقاذ أراضي البطيحة، وقد تشكلت لجنة من خيرة أبناء سوريا لدراستها اقتصادياً وقيمتها المائية والزراعية، وتبعها فيما بعد محكمة القنيطرة في عصر زعيم الاستقلال شكري القوتلي لمنع بيع سوريين لأراضي الحولة بالمقابل، وبعد فترة الانقلابات أسست سوريا “الحرس الوطني السوري” وضمّ سوريّين وفلسطينيّين للدفاع عن أراضي الجولان من الأطماع الصهيونية وهنا أعرض عن الأرشيف الفلسطيني الحرص السوري الفلسطيني على عربية أراضي البطيحة.
1.مشروع أراضي البطيحة
الاقتصاديات العربية 1 تموز 1935
عاد وفد الشركة الزراعية لإنقاذ أراضي البطيحة من رحلته في فلسطين. وقد صرح أحد أعضائه بأن البلاد الفلسطينية قد اكتتبت حتى اليوم بثلاثة عشر ألف سهم من أصل عشرين ألف سهم خصصت لها. أما الثلاثون ألف سهم التي خصت بسوريا فقد اكتتب بجزء كبير منها وستغطى الأسهم الباقية منها خلال شهر حزيران الحالي لأن الشركة اتفقت مع آل اليوسف أصحاب أراضي البطيحة ودائنيهم أن يكتتبوا لقاء حصصهم في الأرض وديونهم بأسهم في المشروع. وبذلك تغطى جميع أسهم الشركة وتبدأ الشركة بإنفاذ مشروعها اعتباراً من الموسم الزراعي المقبل.
2.مشروع البطيحة
الاقتصاديات العربية 15 آب 1935
منذ مدة والصحف تردد خبراً مفاده أن شركة البطيحة الصهيونية والتي كانت المفوضية العليا رفضت الموافقة على تسجيل أراضي البطيحة باسمها، وقد عادت إلى ميدان العمل من جديد وإنها اتفقت مع أصحاب البطيحة على استئجار الأرض لمدة عشر سنوات، بعد رفض الموافقة على البيع القطعي، وأن 200 ألف ليرة عثمانية قد أودعت لاسم المالكين في أحد المصارف ريثما تتم معاملة الإيجار والمعلوم أن شركة البطيحة الوطنية التي كادت تغطي معظم اسهمها لم ترتبط بعقد رسمي مع أصحاب الأرض حتى الآن.
3.طلبات مؤتمر العشائر
الاقتصاديات العربية 15 تشرين الأول 1935
عقد في بلدة الخالصة في الجولان مؤتمر بدوي عام ضم مندوبين عن العشائر الرحّل في الأراضي السورية برئاسة الأمير فاعور، وقد قرر المؤتمرون رفع عريضة بمطالبهم إلى المفوض السامي نلخص أهم ما ورد فيها بما يلي:
إن سكان أراضي البطيحة والحولة والجولان هم بمثابة عشيرة واحدة مرتبطة بوحدة العادات والتقاليد والتبادل الزراعي فلاحة ورعياً. وأهل الجولان الذين يقطنون الجبال لهم حقوق قديمة في سهول الحولة والبطيحة لرعي مواشيهم في السنين القاحلة وفي فصول الشتاء ولولا التجائهم إلى هذه السهول في تلك الأوقات لهلكت مواشيهم بأسرها وعليها مدار حياتهم.
إن حكومة فلسطين سلمت الشركات الاستعمارية اليهودية القسم الأعظم من أراضيهم ومراعيهم هناك بعد أن جففوها بجهودهم، ثم يطلب المؤتمرون السعي لدى حكومة فلسطين بالعدول عن قرارها القاضي بإعطائهم 15 ألف دونم فقط من أصل 25 ألف دونم جففوها بأيديهم. وإعادتها بكاملها إليهم. ثم يبدون تخوفهم من وصول هذه الشركات إلى بقية أراضيهم في البطيحة والجولان فيقترحون استحلال هذه الأراضي من أصحابها آل اليوسف وبيعها للفلاحين أهلها بالتقسيط.
4.مشروع البطيحة
الدفاع 4 آب 1935
استاءت الهيئات الوطنية في دمشق وسوريا من محاولات آل اليوسف الفاشلة لعرقلة سير مشروع البطيحة الوطني واتفاقهم مع شركة أخرى لم تؤلف إلا لمعاكسة الوطنيين في أعمالهم، أما الغاية التي أُلّفت لأجلها الشركة فظاهرها استرهان أراضي البطيحة واستثمارها تسديداً لديون آل اليوسف. ولكن هذه الحيلة لم تغب على الوطنيين الذين عرفوا فيها أنها وسيلة من الوسائل لوضع اليد على هذه الأراضي إلى أن يتمكنوا من إزالة الخطر القانوني المانع من بيعها للصهيونيين وبعد ذلك يبيعونها إليهم والذي يؤيد هذا عدم قبول آل اليوسف عقد أي اتفاقية مع شركة مشروع البطيحة الوطنية التي تقدمت إليهم بشروط أحسن من شروط اليهود. ولكن الوطنيين المخلصين في دمشق سيقضون على هذه المناورات الفاشلة.
5.أراضي البطيحة
الدفاع 10 أيار 1934
قابل أحد محرري مكتب الأخبار الدمشقي بعض الزوار الفلسطينيين وسأله عن رأيه في الشركة المزمع انشاؤها فأجاب بما يلي:
على الحكومة السورية أن تسرع في تأليفها وتعمل على مُعاضدتها بمختلف الوسائل الفعالة وإلا ظلت أراضي البطيحة متروكة مهملة من قبل أبناء هذه البلاد فيتناولها الصهيونيون لقمة سائغة كما حدث في قضية “وادي الكبد” فلقد عرضته الحكومة على الأهلين بعد أن أقيمت في سبيل اقتنائه جملة صعاب فأما عجز الأهلون عن الاحتفاظ به لم تجد الحكومة الفلسطينية مندوحة من بيعه للصهيونيين وقد يكون هذا نصيب أراضي البطيحة إذا لم يسرع السوريون حكومة وشعباً بتشكيل شركة الإنقاذ والمؤازرة الكلامية في مثل هذا الموطن لا تغني شيئاً لا سيما بعد أن اتصل بي بأن دعاة الصهيونية أخذوا يتذرعون بمختلف الوسائل لدى المراجع الإيجابية العليا لتملك هذه الأراضي.
6.وفد شركة البطيحة في مكتب الشباب
الأوقات العربية 18 أيار 1935
وكذلك زار المكتب حضرة الوطني المخلص محمد بك النحاس مدير شركة انقاذ أراضي البطيحة والجولان والمهندس الزراعي الأستاذ الحسامي فاستقبلهما رئيسه واعضائه وتحادثوا في شؤون زراعية كثيرة أهمها إنشاء المدرسة الزراعية ومشروع أراضي البطيحة. وودّعوا كما استقّبلوا.
7.تقرير فني عن استثمار البطيحة والجولان
الاقتصاديات العربية 15 أيار 1935 و1 حزيران 1935
“أنشأت الصحف، مؤخراً، تذكر مشروع استثمار أراضي البطيحة والجولان وتحض على تشجيعه والاشتراك به. وقد ورد على إدارة هذه المجلة تقرير فني عنه، جمع من المعلومات القيمة ما يجدر بالقراء الاطلاع عليه. والواضع لهذا التقرير لجنة مؤلفة من أرباب الخبرة والفن من كبار الملاكين والزراع والمهندسين الزراعيين وهم السادة: وصفي زكريا، وتوفيق المالكي، ونوري ايبش وأمين الدالاتي.
لذلك رأينا أن ننشره على صفحات (الاقتصاديات العربية) لتطلع عليه جمهرة القراء ولينسج على منواله الخبراء الزراعيون في دراسة مثل هذه المشاريع العمرانية والحيوية. وإلى القراء نص التقرير مع خريطة وضعناها خصيصاً لهذا المشروع”.
بحث البطيحة:
البطيحة قرية كبيرة عظيمة الشأن كثيرة الغلال لا نظير لها بين قرى سوريا وفلسطين قاطبة في اتساع المساحة وحرارة الإقليم وطيب الأديم وغزارة الماء وجودته وحسن الموقع وقربه. فهي قد جمعت أجلّ الشروط وأفضل المزايا الصالحة للاستغلال والاستثمار الزراعيين المنتجين للأرباح الطائلة فيما إذا مهدت سبل العمل فيها وحسنت إدارتها. وهي ليست قرية واحدة بل تتألف من سبع عشرة قرية صغيرة ذات جبال وأودية وسهول وأوعار وعيون وأنهار وينابيع ايراد عديدة سيأتي ذكرها.
أولاً: الموقع الجغرافي
قرية البطيحة في ناحية الزوية من أعمال قضاء درعا في حوران، تقع في منتهى الحدود السورية. وعلى الساحل الشرقي من بحيرة طبرية. يصل إليها القاصد من دمشق بالسيارة عن طريق القنيطرة فالجوخدار ففيق في طريق لم تُعبّد بعد القنيطرة، وهذه الطريق طويلة بعيدة (145 كم) وكان الأحرى أن يفتح إلى البطيحة طريق مختصرة من شماليها طولها ثلاثة عشرة كيلومتراً تربطها بالطريق الممتدة من القنيطرة إلى جسر بنات يعقوب فيصبح بعدها إذ ذاك عن دمشق مئة وكيلومترين تقطعها السيارات بساعتين أو ثلاث. ولما كان جسر بنات يعقوب الواقع على التخوم الفلسطينية قريباً من الحدود اللبنانية، كما أن طبريا تناوح البطيحة ولا تبعد عنها في البحيرة أكثر من ساعة، أصبحت البطيحة في الفصل المشترك لحدود البلاد السورية واللبنانية والفلسطينية أي في موقع جغرافي بديع يجعل لمنتجاتها ومحاصيلها منافذ قريبة وسهلة المنال جداً.
ثانياً: الحدود
يحدّ البطيحة من الجنوب قرية النقيب الفلسطينية، ومن الشرق قرى الجولان العائدة لآل اليوسف والمعروضة للبيع مع البطيحة، ومن الشمال قرية الويسية والجعاتين العائدتان لأهلهما، ومن الغرب نهر الشريعة وبحيرة طبريا.
ثالثاً: الإقليم
إنّ مستوى بحيرة طبريا منخفض عن مستوى البحر، وهو في البطيحة الواقعة في شمالي البحيرة 186 متراً وفي منتهاها الجنوبي (210 أمتار). فهذا الانخفاض الهائل جعل البطيحة داخلة في إقليم الغور المعروف في الأبحاث الجغرافية بشدة حرّه بالنسبة لبقية أقاليم سورية. ودرجة الحرارة المتوسطة السنوية في البطيحة لابد أن تضارع هذه الدرجة التي حسبت في بلدة طبريا بأنها 25.90، كما أن معدل كمية الأمطار السنوية فيها يضارع معدل كمية الأمطار في طبريا المقدر بنحو 487 مليمتراً.
وجو البطيحة يُعد رطباً بحكم مجاورتها لبحيرة طبريا. فإقليمها إذن حار رطب تصل درجة الحرارة العظمى فيه في الصيف إلى 45 في الظل ولا تهبط الدرجة الصغرى في الشتاء إلى أقل من 4-5، لهذا يكون صيفها شديد الحر وشتاؤها دافئاً. ينبت من جراء ذلك فيها خلال الشتاء معظم أنواع الزروع والخضراوات وأثمار الأشجار فلا تعرف صبارة القر ولا تخشى وطأة الصقيع وتنمو وتنضج قبل أوانها في بقية المناطق السورية والفلسطينية، أو تتأخر في الخريف إلى ما بعد ذلك الأوان. والرياح السائدة في البطيحة هي الغربية التي كثيراً ما تهب خلال الصيف وتخفف شدة الحر، بعكس الشرقية فإنها تزيده.
رابعاً: نبذة تاريخية
قلنا إن البطيحة ليست قرية واحدة بل تتألف من سبع عشرة خربة رومانية أو قرية صغيرة قديمة، منتشرة من شمالي البطيحة إلى جنوبها. واسماؤها الرفيد والمساكبة والدكة وقلعة القصب وتل الأعور ودردارة وغزيل والمحجار والقصير والحسينية والجبيلية وقطوع الشيخ علي والمسعدية والدوكة وكفر عاقب والسيبة والكرسي. وثمة قنوات سيأتي ذكرها احتفرها الأقدمون وجروا فيها مياه الشريعة، وكانوا يروون بها كل أراضي البطيحة الشاسعة. وكثرة هذه القرى القديمة وانتشارها وامتداد القنوات التي ذكرناها، وظهور بعض قطع أثرية كتيجان وقواعد أعمدة وعتبات منقوشة في موقع البناء الذي يدعى “الحاصل” فضلاً عن الأطلال الظاهرة فيه وفي غيره… كل ذلك يدل على ما كانت عليه أراضي البطيحة في القرون الغابرة من العمران والازدهار. وإن الأقدمين كانوا يقدرونها قدرها ويحسنون استغلال أراضيها الخصبة واروائها بمياه الشريعة الفياضة.
خامساً: السكان والأيدي العاملة
يقطن أرض البطيحة في يومنا أعراب من سكان بيوت الشعر ينتسبون لقبيلة تدعى التلاوية ذات أفناد “حمائل” شتى، يقيمون حول الخرب الرومانية التي ذكرناها وقد اختص بكل واحدة منها فند من القبيلة.
وعدد الأعراب المذكورين يقدر بألفين ما برحوا في جلفة البداوة وجهلها وخمولها بحكم انعزالهم في بطيحتهم الحارة منذ أمد بعيد وهم يستثمرون أراضي البطيحة بصفة كونهم مزارعين عند ملاكيها آل اليوسف. وقد تقاسموها على أنها 240 فداناً. وهم لفقرهم وعجزهم لا يشدون أكثر من ثلثي هذا المقدار ولا يكترثون بمياه الري إلا قليلاً ولا يعتمدون إلا على الأمطار لذلك ظل نحو نصف أراضيها لاسيما الجنوبية منها بوراً ومرعى لجواميسهم وبقية مواشيهم ومواشي غيرهم ممن يهبطون البطيحة ويشتون فيها. ومادامت حال هؤلاء على ما وصفناه فلا عجب أن تكون هذه الأراضي الجليلة القدر في حالتها الحاضرة من التأخر والبوار اللذين يرثى لهما. ولعل الصعوبة الوحيدة التي ستقف في وجه هذا المشروع هي حالة هؤلاء الأعراب التي ذكرناها لاسيما كسلهم وإعراضهم عن السعي والعمل والاكتفاء بالقوت اليسير والرزق الضئيل. على أنه لما كانت اليد العاملة في البطيحة الآن هي منهم دون غيرهم وأجرتها ضئيلة بالنسبة لبقية الأماكن، وحيث أن جلب فلاحين أو عمال من بقية المناطق إلى البطيحة ذات الإقليم الرطب الحار ليس بالأمر السهل، لهذين السببين يجدر بالشركة المرجو تأليفها أن تعتمد على هؤلاء في زراعة الأنحاء البعيدة وفي الحفر والنقب والعزق وغيرها من الأعمال المؤقتة التي تجري بالمياومة في الأراضي السقوية التي ستختصها لنفسها فتنتفع هي من أقسامهم التي يستنتجونها والأيدي العاملة التي يقدمونها وينتفعون هم من الأموال التي ستبذلها في سبيل التأسيس والاستثمار، وهذا على أن تهتم في أمر هؤلاء وتسعى لإرشاد كبارهم وتعليم صغارهم بالقدر الكافي، لعلهم يتحضرون تدريجياً وتتبدل أطوارهم يوماً بعد يوم.
أما بساتين الخضراوات والأشجار وبقية الأعمال الدقيقة فهي لا يمكن الركون فيها على أولئك الأعراب مطلقاً. ولابد من السعي لجلب بستانيّين مع عائلاتهم من المناطق التي اشتهرت بإتقان تلك الأعمال واستخدامهم بصفة أجراء ومرابعين في مساعي الشركة حسب الأصول المتعارف عليها في زراعة البساتين المباشرة، على أن يتم تهيئة مساكن مناسبة لتلك العائلات ويعنى بصحة أفرادها كما يعمل في مستوطنات الصهيونيين المؤسسة حول بحيرة طبريا التي استأنس ابناؤها بالإقليم والبيئة على توالي السنين ودوام الاعتناء.
سادساً: الوضع الطبغرافي والمساحة
تتألف أراضي البطيحة من قسم سهلي وقسم جبلي، ويزعم ملّاكوها أن مساحة القسمين تبلغ 53.980 دونماً، (الفدان المصري يعادل نحو خمسة دونمات إلا قليلاً، فتكون المساحة المذكورة أعلاه معادلة لعشرة آلاف وخمسمائة فدان مصري) استناداً على المسح الذي أجراه الرسام توفيق طارق بيك وقيده على الخريطة التي لم نتوصل إلى أصلها، فلم نتمكن من التثبت مما ذكر، على أن قسم الجبل يؤلف بلا ريب ثلثي المساحة المذكورة وقسم السهل ثلثها.
سابعاً: تحديد قسم الجبل ووصفه
يتألف قسم الجبل من هضاب وحزون منبسطة أو منحدرة انحداراً خفيفاً متصلة بالسهل المذكور آنفاً وترتفع تدريجياً من الغرب إلى الشرق وتتخللها بعض أودية تفصل بعض بقاعها عن بعض، وهي بركانية التشكل تكثر فيها الصخور والأحجار البازلتية السوداء كثرة هائلة في بعض المواقع. وتربتها طينية رملية مندمجة حمراء أو سوداء تصلح في أماكنها القليلة الأحجار لكل أنواع الزروع. في أماكنها الكثيرة الأحجار لغرس بعض الأشّجار المثمرة كالعنب واللوز والفستق والتين والزيتون وغير المثمرة كالسنديان والبطم. على أنّ من أهم أعمال الإصلاح في هذا القسم الجبلي هو رفع وجمع هذه الأحجار بالتدريج وعاماً فعاماً لتزداد بذلك مساحة الأرض الصالحة لمختلف الزراعات. وإذا صحت المساحة العامة المذكورة آنفاً تكون مساحة هذا القسم الجبلي المفروض أنه ثلثاها 35 ألف دونماً ونيف، وإذا أخرج منها نحو نصفها أو أكثر من الأراضي الصخرية الحجرية المعطلة يبقى نحو 15 ألف دونم، ثلثها قابل للري وثلثاها بعل لا سبيل لإروائه، كالأراضي التي تدعى حمرة غزيل والجبلية وكنف التحتا والسيبة مع التنويه بأن القسم المعطل بسبب وفرة الأحجار والصخور يمكن غرس أشجار الحراج في كثير من أرجائه فضلاً عن أنّ بين تلك الأحجار والصخور ينبت العشب الصالح لرعي الغنم والماعز، كما أن أراضي البعل التي ذكرنا أسماءها خصبة تنتج حبوباً غاية في الجودة وثقل الوزن.
ثامناً: تحديد قسم السهل
أما قسم السهل الذي هو بيت القصيد في المشروع فيبدو للناظر إليه من علٍ، أي من هضاب الجولان كمنبسط هلالي الشكل يستطيل من الشمال إلى الجنوب بين ساحل بحيرة طبرية في الغرب وحضيض هضاب الجولان وأوديته في الشرق. ويقدر طوله بنحو 12 كيلو متراً ومتوسط عرضه بكيلو متر ونصف، ويتخلل هذا السهل جداول وأودية عديدة تجعل مساحته 18 ألف دونم، كلها قابلة للري من قناتي الشيدة والعفريتية اللتين سيأتي ذكرهما: الأولى تروي ثلثه الشمالي والثانية تروي ثلثيه الأوسط والجنوبي. وتربته مؤلفة من فتات صخور البازلت ورواسبها وهي طينية رملية مندمجة في أنحائه الشرقية. ورملية طينية خفيفة في أنحائه الغربية، وتزداد هذه الخفة كلما اقترب من شاطئ البحيرة. ويكثر فيها من الأنجم والأشواك الخرينيبة والعاقول والسوس والصفلين، ومن الأعشاب النجيل والرزين، ومن الأشجار السدر والدفلى والغار. وهذه النباتات الضارة وإن كانت تدل على الخصب وطيب الأديم، لكنها تدل خاصة على الإهمال وضعف العناية بالحراثة وتنظيف الأراضي.
وتربة هذا السهل وإن لم يتيسر حتى الآن تحليلها الطبيعي والكيماوي لكنها لدى التدقيق والإمعان تظهر شديدة الخصب قوية الانبات بشكل يندر وجوده في بقاع سورية. فمن أجلِّ الأدلة على ذلك، أولاً: إن هذه التربة بركانية مؤلفة من رواسب صخور البازلت المعروفة بوفرة موادها المخصبة، ثانياً: الدورة الزراعية السقيمة المنهكة للقوى التي يتبعها أهل البطيحة، فهم ما برحوا منذ عشرات من السنين يستغلون من رقاع الأرض المبعثرة هنا وهناك التي اقتصروا عليها وانتقوها ثلاثة مواسم متتالية بعضها وراء بعض على الرغم من أن حراثتهم ضعيفة لا تنفذ في الأرض أكثر من 5-6 سنتمترات، وأنهم لا يكترثون بإزالة الأعشاب والأشواك الضارة ولا يسبتون الأرض ولا يريحونها أبداً. فهم إذا حصدوا القمح يعقبونه بالذرة التشرينية، وإذا قطفوا الذرة التشرينية يعقبونها بالذرة الصيفية، وإذا قطفوا هذه بذورا وراءها القمح وهكذا دواليك. ولا يخفى ما للقمح وخصوصاً الذرة من الأثر في إنهاك قوى التربة واستنفاد موادها الغذائية.
ثالثاً: مابرحوا منذ أن تعلموا زراعة الخضراوات ونخص بالذكر منها البندورة والباذنجان والخيار يزرعونها دون تسميد وهم يجهلون استعمال السماد أو لا يرون به حاجة، ويبيعون أسمدتهم المتراكمة منذ عشرات من السنين في مزارب المواشي إلى الصهيونيين، ولا يعتنون بإزالة الأعشاب والأشواك. على الرغم من هذه النقائض فإن الخضراوات المذكورة التي لا يمكن استنباتها في أية أرض في سورية وغيرها، دون سماد، تنبت في البطيحة وتجود جودة تذهل الألباب.
ومن أدلة خصب الأرض ما ذكر لنا بعض القائمين بإدارة البطيحة أن القطن المصري الذي زرعوه للتجربة جاد جودة، وغل غلة، فاقتا حالاته في مصر. وجربوا أيضاً قصب السكر فنما وتضخم أكثر مما يكون في سواحل لبنان. وكذلك البامياء فإنها تعلو وتعرض حتى يكاد يظنها الرائي شجرة خروع. ومثلها الشوندر والبطاطا والفصفصة والبطيخ الأحمر والأصفر وغيرها.
تاسعاً: الري
أما الري فالبطيحة لا نظير لها في أقطار سورية بكثرة قنواتها وجداولها وفي غزارة مياه هذه القنوات والجداول وفي غناء هذه المياه بالمواد الخصبة، ففي البطيحة:
1.نهر الشريعة أحد أنهار سورية العظيمة التي قدرت كمية مياهه فيما قيل، في موسم القيظ عند مصبه في بحيرة الحولة خلال الثانية الواحد باثني عشر متراً مكعباً، وفي موسم الفيض بستين متراً مكعباً، أي ما يعادل ضعفي كمية مياه نهر بردى عند وصوله إلى الهامة. فنهر الشريعة بعد خروجه من بحيرة الحولة ومروره من تحت جسر بنات يعقوب سائراً من الشمال إلى الجنوب يجتاز وادياً سحيقاً محصوراً بين هضاب مرتفعة، الشرقية منها إلى سورية والغربية إلى فلسطين. وقد بنى الأقدمون في ضفته اليسرى في أراضي الرفيد في نقطة عالية من مستوى سهل البطيحة سداً وشقو قناة كبيرة سموها (العفريتية) يبلغ عرضها الآن نحو 125 سنتمتراً وعمقها 30-40 سنتيمتراً تجري في سفح الهضاب الشرقية المذكورة مسافة ثم تنحرف نحو الشرق وتسير في المنبسطات الجبلية المحيطة بسهل البطيحة من شمالي أراضي تل الأعور وشرقي أم عجاج، ثم تنحرف نحو الجنوب فتجتاز وادي الصفا ثم تمر من شرقي قريتي غزيل والحسينية إلى ما يقرب من نصف السهل ثم تضيع فيبلغ طولها بهذا التقدير زهاء عشرة كيلومترات. وتدل آثار هذه القناة على أنها كانت تصل إلى آخر الحدود الجنوبية للسهل المذكور وتروي جله إذا لم نقل كله.
فهي في حالتها الحاضرة أي في صغر سدها وقلة عرضها وعمقها وامتلاء قاعها بالطمي والأحجار ونقص العناية بكريها وسد شقوقها تروي نحو ألفي دونم وتنتج الخضراوات والشتول التي اشتهرت بها البطيحة. فلو أنفق على هذه القناة المبالغ الكافية ورفع سدها، وعرّضت، وشيّد جدارها الغربي وأحّكم لمنع تسرب الماء، ومهّد قاعها ونظّف وعُملت لها الجسور في أودية الصفا والدالية وزبيد، إذا تمّ ذلك يمكن أن تروي نحو 12 ألف دونم قليلها في جزء من الجبل وكثيرها في الجزء الأوسط والجزء الجنوبي من السهل حتى آخر الحدود القبلية من البطيحة، أي أنها تعود لما كانت عليه في العصور الغابرة تروي وتشبع معظم السهل، مادام موردها من نهر الشريعة العظيم تأخذ منها الكمية التي تعوزها. أما الجزء الشمالي من السهل فله قناة خاصة قديمة ذكرت في المادة الثانية.
2.في البطيحة قناة ثانية شقها الأقدمون من نهر الشريعة أيضاً تدعى (قناة الشيدة) أوطأ من القناة الأولى تنحدر جنوباً نحو الجزء الشمالي من السهل فتروي مساحة تقدر في يومنا بألفي دونم. ويمكن إذا أصلح مجراها المتشعث إصلاحاً حسناً وعرّضت وعمّقت أو رفع مجراها إلى مستوى أعلى من مستواها الحالي، إن توفر على العفريتية إرواء جزء كبير من أرض السهل الممتد من شرقي المسعدية إلى ما بين وادي زبيد ووادي الصفا. فتبقى مياه العفريتية محفوظة وموفرة إلى الأراضي الجنوبية البعيدة كما قدمنا وحينئذ تبلغ مساحة ما ترويه قناة الشيدة 6 آلاف دونم.
3.في البطيحة أودية عديدة تنحدر من جبال الجولان وهضابه وتفيض بالمياه شتاءاً فمنها ما ينقطع في الصيف ومنها ما يظل جارياً ويستفاد منه بسقي الأراضي كوادي الصفا ووادي الدالية. فقد شقوا من وادي الصفا أربع قنوات: اثنتين في أرض القراعنة وتسميان قناة الرش الفوقا وقناة الرش التحتا، واثنتين في أرض الديابات وتسميان قناتي البساتين، وتروي الأربع قسم الجبل بما يقدر بألف وخمسمائة دونم.
4.في البطيحة عيون كثيرة تنبجس من حضيض الهضاب المحيطة بها يشرب الأهلون بعضها ويروون مساحةً من حواكيرهم وحقولهم تُقدر بخمسمائة دونم كما هي الحال في قناة الباشا التي تأتي من عين المسمار وتروي بستان البرتقال الواقع غربي بناء الحاصل.
5.وهناك أيضاً مكان لشق قناة ثالثة من الشريعة أعلى من العفريتية يؤتى بها لتركب أرض الرفيد ومرج الديابات وغيرهما في قسم الجبل، فإذا تم تحقيق ذلك يمكن إرواء مساحة تقدر بألفي دونم، على ما تقدم فيكون مجموع أراضي السقي كلها 22 ألف دونم، ومما يذكر من عجيب أمر مياه الشريعة الآتية في هذه الأقنية أنها تحمل في طيها عصارة النباتات المهترئة في بحيرة الحولة التي تمر بها رواسب أودية الجولان المجاورة لها فضلاً عن تحللها بشمس تلك الأنحاء الشديدة الوهج، فهي في خصائصها هذه من أجود وأنفع مياه الري، وكذلك المياه في وادي الصفا وغيره.
هذا وبعد أن أوضحنا حالة التربة والمياه يمكن أن نلخص عوامل الخصب وبواعثه في أراضي البطيحة بالأمور الآتية:
1. شدة حر الاقليم وخلوه من الظواهر الجوية الضارة.
2. كثرة القنوات والجداول وتشعبها وغزارة مياهها الآتية من نهر الشريعة وغيره وغناء هذه المياه بالرواسب.
3. زكاء التربة ومقدرتها على الانبات في شكل يكاد يحسب منقطع النظير.
عاشراً: مقايسة بين أراضي البطيحة وأشهر سهول سورية وفلسطين
لا يخفى أن أخصب أراضي سورية وفلسطين وأزكاها تربة هي في سهول العمق والغاب والروج والبقيعة والغوطة والحولة وغور بيسان وغور الكبد وأمثالهما من الأغوار. فأرض البطيحة تفوق الأراضي المذكورة كلها بسبب المزايا الثلاث العالية التي ذكرنا وجودها فيها، يضاف إليها مزيتا الموقع الجغرافي ورخص اليد العاملة. وهذه المزايا غير متوفرة بكاملها في أية أرض من الأراضي المذكورة. وإن وجد بالفرض بعضها لا يوجد البعض الآخر. فإذا افترض أن أراضي العمق والروج والغاب والبقيعة والغوطة زكية التربة قوية الانبات بقدر البطيحة نجد مستواها أعلى من مستوى البحر واقليمها أبرد من اقليم البطيحة وجوها معرض دائماً للأنواء والتقلبات الضارة بنمو النباتات ونضجها. وهي تحت رحمة الأمطار في الغالب لا غزارة في مياهها ولا دسامة. وموقعها الجغرافي بعيد عن المنافذ التجارية الكبيرة وأجرة اليد العاملة أغلى وإذا افترض أن أراضي الحولة والأغوار ذات موقع جغرافي وإقليم وتربة معادلة لما في البطيحة، فمن أين لهذا وتلك، نهر الشريعة وغزارة مياهه المتوفران في البطيحة؟ لهذا يمكننا أن نجهر بأن البطيحة منجم ذهب لا نظير له في البلاد السورية والفلسطينية بالمزايا والخصائص المطلوبة للاستغلال والاستثمار الزراعيين الموجبين للأرباح الطائلة.
إحدى عشر: الزروع
إذا عرفنا المزايا العالية التي خصتها القدرة بسهل البطيحة تبين أنه بالإمكان أن يزرع فيها معظم المحاصيل التي تنبت وتجود في الأقاليم المعتدلة والأقاليم الحارة. فمن الحبوب: القمح والشعير والذرة الصفراء والبيضاء. ومن القطاني: الحمص والترمس والعدس واللوبياء. ومن نباتات العلف: الفصفصة والبرسيم والحلبة والبيقية والشوندر العلفي. ومن النباتات الليفية القطن والكتان والقنب. ومن النباتات السكرية: قصب السكر والشوندر السكري. ومن النباتات الزيتية: السمسم وفستق العبيد والخروع. ومن النباتات الصباغية: النيلة والحنة والخشخاش والعصفر… كل هذه يمكن استنباتها وفاقاً لدورة زراعية تنظم حسب الشروط الاقتصادية والاعتبارات الفنية.
إثنا عشر: الخضراوات
أما صلاحية أرض البطيحة للبستنة الخضرية لاسيما للخضراوات المبكرة التي تأتي قبل أوانها فيما يستدعي العجب. ويكفي أن نذكر كمثال، أن جميع شتول البندورة والباذنجان التي تغرس في بساتين دمشق وغوطتها يؤتى بها من البطيحة كل سنة منذ أواسط نيسان فتربو وتطعم قبل الشتول المولدة في دمشق بأسابيع. ونذكر أيضاً أنه في شهر أيار وحزيران لسنة 1934 دخل إلى جيوب مزارعي البطيحة الذين أشرنا لجهلهم أمور البستنة وكسلهم وضعفهم، ألفا ليرة عثمانية ذهبية من ثمن البندورة التي أطعموها إلى أهالي دمشق وبيروت وحيفا وغيرها من مدن سورية وفلسطين خلال الشهرين المذكورين اللذين لم يكن فيهما أثر للبندورة فيما سوى البطيحة. ففي البطيحة إذن يمكن الحصول على ربح جزيل بزراعة بعض أنواع هي بحسب الترتيب والمكانة: البندورة، والخيار، والبامياء، والباذنجان، والكوسى، والفاصولياء، والبطاطا، والفول، والبطيخ، والملفوف والقرنبيط. وكل منها ينبت قبل أوانه أو يتأخر لبعد أوانه في بقية المناطق السورية والفلسطينية بشهر ونصف أو شهرين ويباع بأسعار عالية. ولا تستطيع المحاصيل الباكورية أو المتأخرة التي ترد من القطر المصري وبعض أنحاء فلسطين أن تزاحم محاصيل البطيحة بسبب قرب المسافة والطراوة والجودة، تلك المزايا المتوفرة في محاصيل البطيحة أكثر من غيرها.
الثالث عشر: الأشجار
أما الأشجار ففي البطيحة مجال واسع وامكان نادر المثال لاستنبات أجود الأثمار والفواكه التي تحصل عادة في الأقاليم الحارة، كأشجار الحمضية على اختلاف أنواعها وأصنافها مثل: البرتقال والليمون الحلو والليمون الحامض واليوسفي والكباد، وكأشجار القشطة والزبدة والجوافة والمانكا والموز والبلح، هذا عدا أشجار الأقاليم المعتدلة والحارة كالمشمش والسفرجل والدراقن والخوخ والإكيدنيا والرمان.
وعدا الأشجار التي يمكن زراعتها في أراضي القسم الجبلي ذات الأحجار البركانية كاللوز والعنب والتين والزيتون والبطم الذي يطعم عليه الفستق الحلبي. وعدا الأشجار غير المثمرة الصالحة للخشب والحطب التي يمكن غرسها في قسم السهل في الأراضي الرطبة (كالكازوارينا) و(الاوكاليبتس) اللذين يجدان هنا أحسن موطن لهما.
الرابع عشر: الادارة الحالية في البطيحة وواردها
كان آل اليوسف ملاكو البطيحة، يديرون أمورها بواسطة وكيل لهم دأبه جباية الأقسام وهي ثلث الغلال الناتجة لدى الأعراب التلاوية مهما كثرت أو قلت. ثم منذ عهد قريب أجروها كلها لمدة ثلاث سنوات تنتهي في غاية أيلول 1934. وكان بدل الإيجار في السنة الأولى (900) ليرة عثمانية وفي كل من السنتين الثانية والثالثة (1100) ليرة. وقد سار المستأجر الحالي على سنة وكيل الملاكين أي اقتصر على جباية الأقسام فحسب، فلم يقم بزراعة مباشرة على حسابه كما أن الملاكين أنفسهم لم يقوموا في السنين التي مضت بأية زراعة من هذا القبيل، سوى تجربة صغيرة لزراعة القطن المصري. وهناك بستانان للبرتقال غرسوهما قبل الحرب العامة بزمن: أحدهما كان غربي تل الأعور، دثر بالكلية، والثاني لايزال قائماً غربي بناء الحاصل تقرب مساحته من عشر دونمات لكنه في حالة غير مرضية. وهناك بضعة أشخاص من أعراب التلاوية غرسوا لأنفسهم بساتين صغيرة في أماكن مختلفة ربما لا يتجاوز عدد أشجارها الثلاثمائة من البرتقال وغيره لا تختلف عن حالة اولئك الأعراب التي وصفناها سابقاً.
الخامس عشر: طراز الإدارة الزراعية الجديدة وأهدافها
إنّ اتساع المساحة في قسمي السهل والجبل يحول دون استثمارها بأجمعها من قبل الشركة. لهذا نرى أن تختص الشركة لنفسها بجل قسم السهل إنْ لم يكن كله، وتؤجر البقية منه وقسم الجبل بأجمعه- ماخلا بعض قطع تخصصها لزرع الأشجار المثمرة وغير المثمرة- إلى المزارعين من أعراب التلاوية على أن تضعهم تحت إرشادها وتسير أعمالهم وفقاً لتعاليمها.
والهدف الأساسي التي يجب أن تتجه إليه أنظار الشركة فيما تختص لنفسها من قسم السهل هو زراعة الخضراوات الباكورية والمتأخرة وزراعة الأشجار المثمرة، أو بعبارة أخرى البستنة الواسعة المستندة على استغلال محاصيل من أجود الأنواع والأصناف وأطيبها تأتي قبل أوانها وتباع بأسعار عالية لا تدع مجالاً لمزاحمة بقية الأماكن.
لهذا على الشركة أن تضع نصب عينيها من السنة الأولى اقتطاع مساحة عشرة آلاف دونم من قسم السهل وزراعتها مباشرة بعمالها ووسائلها من مختلف الخضراوات والزروع الشتوية والصيفية المذكورة آنفاً.
وكذلك غرس مساحة لا تقل عن أربعة آلاف دونم خلال ثمان سنوات متوالية أي في كل سنة خمسمائة دونم من أشجار الحمضية يُضاف إليها من كل أنواع الأشجار التي تقدم ذكرها في المادة 13 عدد كاف، فيبلغ مجموع مساحات عمل الشركة المباشر في ختام السنين الثماني الأولى إلى أربعة عشر ألف دونم تزيده إذا شاءت وتمكنت فيما بعد، على أن يقسم المجموع، مع ما يلحقه من بقية أراضي السقي والبعلية في السهل والجبل المؤجرة إلى الفلاحين، إلى ثلاث مناطق متساوية تجعل الإدارة المركزية في المتوسطة منها ويجعل في كل من المنطقتين الثانية والثالثة فرع يحوي ما يحتاجه من المباني والعمال والدواب والأدوات. ويعهد إلى إدارة المناطق الثلاث إلى نظار الزراعة يكونون مسؤولين تجاه المدير المقيم في المركز يتلقون منه الأوامر والخطط وينفذونها تحت إرشاده وإشرافه مستعينين على ذلك بعدد كاف من الأجراء والمرابعين وشواة الماء والسواس والحراس وغيرهم من العمال الذين يؤتى يهم من خارج البطيحة- فيزرع كل ناظر في منطقته في كل سنة نحو 1600 دونم من مختلف الخضراوات منها مثلاً 400 بندورة و150 باذنجاناً و200 بطاطا و100 خياراً وكوسى و550 فولاً أخضر و100 من بقية أنواع الخضراوات. ويزرع أيضاً نحو 1730 دونماً من مختلف الزروع منها مثلاً 1000 قمحاً و300 شعيراً و430 قطاني وفصفصة. كل ذلك وفاقاً لدورة زراعية متناسبة مع الشرائط الاقليمية والاقتصادية. ويغرس نحو 166 دونماً من أشجار الحمضية يضيف إليها ما يمكن أن يغرس أيضاً في أطراف المقاسم المخصصة للزراعة الحضرية من مختلف الأشجار المثمرة التي تقدم ذكر اسمائها. وتقتطع المنطقة المركزية من أصل مساحتها نحو 200 دونم تخصصها للمشاتل لتهيئة الغراس المثمرة وغير المثمرة اللازمة لأراضي البطيحة والجولان في السنين الآتية. ويمكن أن تزاد مساحة هذه المشاتل في المستقبل إذا احتيج إلى ذلك أو أمكن بيع منتجاتها في الخارج.
ولما كان الأعراب التلاويون المزارعون لدى الشركة فقراء ضعفاء كما قدمنا، ولا يملكون البذار والبقر الكافيين، لابد في السنين الأولى من إقراضهم ما يحتاجونه من ذلك ريثما يتقوون وتتحسن زراعتهم وتكثر محاصيلهم التي يرجع ثلثها للشركة حسب الأصول المتبعة.
السادس عشر: تربية المواشي
من أكبر ينابيع الإيراد في مشروع البطيحة تربية المواشي من غنم وماعز وبقر وذلك لسعة أبوارها وأوعارها وزكاء الكلاء الذي ينبت فيها. لهذا ينبغي أن يكون لدى إدارة الشركة حينما تتيسر الأسباب الإدارية والاقتصادية قطعان عظيمة لا تقل عن 4000 إلى 5000 رأس من الغنم والماعز تعهد بإدارتها إلى رعاة أمناء أكفاء فتشتي هذه القطعان في أودية البطيحة الدافئة وتصعد عند حلول الربيع والصيف إلى أراضي الجولان العائدة للشركة أيضاً، وذلك بالنظر إلى أن الغنم يتعذر عليها العيش في حر البطيحة بخلاف الماعز الذي لا يكترث بالحر. أما الجاموس المنتشر في يومنا بكثرة في البطيحة ومياهها فينبغي رفعه وإخلاء البطيحة منه بتاتاً بالنظر لإضراره بالأشجار والخضراوات وقنوات المياه. واستبداله بالبقر الحلوب بعد أن ينتخب منه عرق صالح للعيش والنمو في إقليم البطيحة فيربى تربية فنية ويغذى بنباتات العلف التي تزرع له خاصة ويستدر منه حليب يقلب إلى زبدة وجبنة في معمل خاص لدى إدارة البطيحة ويشحن إلى كل الجهات. وكذلك يعمل في تربية الغنم والماعز والدجاج في انتخاب السروق الصالحة منها.
السابع عشر: السمك
تمتاز شواطئ البطيحة على سائر شواطئ بحيرة طبريا بأن صيد السمك فيها أسهل ومقداره أغزر. لذلك تقصدها قوارب الصيادين من طبريا على الدوام ويشحن سمكها إلى دمشق وخاصة إلى حيفا ويافا وتل أبيب والقدس، فيربح تجاره كل سنة أرباحاً طائلة. وفي طبريا عائلة تدعى بيت الخوري تضمن صيد السمك من آل اليوسف بمبلغ 200 جنيه فلسطيني. وكان هذا المبلغ قبلاً أربعمائة، هؤلاء يصطادون السمك بقواربهم ويوردونه إلى مستودعاته في طبريا ويوزعونه على الباعة أو يشحنونه إلى المدن المذكورة، فمن جملة الأعمال الواجبة على الشركة أن تتسلم إدارة السمك وتستثمرها بنفسها بمشاركة أبناء الخوري في بادئ الأمر ريثما تلم بحذافير هذه الحرفة جيداً، ويؤمل أن تنسال من ذلك ريعاً سنوياً يقدر بألفي ليرة ذهبية.
الثامن عشر: الدكاكين
في البطيحة نحو خمسة دكاكين متفرقة في القرى العديدة التي ذكرنا أسماءها في المادة الرابعة، يبيع فيها تجارها البضائع اللازمة للأعراب والفلاحين ديناً وبأضعاف أثمانها الحقيقية، ويؤجر ملاكو البطيحة هذه الدكاكين بمبلغ سنوي لا يتجاوز 5-6 ليرات لكل منها. فإذا ما سُدّت هذه الدكاكين وأنشئ بدلاً منها مخزن عام يتولى إدارته موظف من قبل الشركة وبيعت بضائعه بأسعار معتدلة، تحصل بذلك رحمة كبرى لأهل البطيحة الرازحين تحت الديون الثقيلة التي يحمّلهم إياها أصحاب الدكاكين ويحصل للشركة أيضاً وارد سنوي ربما أناف على الألف ليرة.
التاسع عشر : المشتى
شواطئ البطيحة رملية خالية من الصخور والأحجار وقليلة العمق، ويزداد هذا العمق تدريجاً بعد مسافة لا تقل عن مشي متر كما هي الحال في بعض الشواطئ الرملية في حيفا وبيروت وغيرهما.
لذلك فهي صالحة للسياحة والرياضة البدنية على رمالها، ولشواطئها مناظر جميلة تطل على البحيرة وسواحلها المقابلة والجبال التي اكتنفتها من الغرب والشرق فضلاً عن ذكرياتها التاريخية ودفئها النادر الوجود في فصل الشتاء. لذلك يمكن في المستقبل انشاء حمامات بحرية واتخاذ بناء “الحاصل” الموجود حالياً، الذي يجب استبدال مركز الإدارة بغيره، فندقاً يرتاده الهاربون من برد وصقيع المدن في أطراف سورية، والأجانب السائحون فيقضون فيه أياماً جميلة على النحو الذي يجريه الفلسطينيون في أريحا القريبة من بحيرة لوط والأوروبيون في سواحل فرنسا الجنوبية.
العشرون: الرمل
إن جودة الرمل الذي يكثر في شواطئ البطيحة وصلاحه للمزج بالشمينتو حمل مجلس بلدية طبريا على أن يقر ويشرط على البنائين وجوب استعمال رمل البطيحة دون غيره، ولذلك يباع الرمل من شواطئ البطيحة بكثرة ويستدر منه ملاكوها ريعاً قدره 120 ليرة ذهبية يمكن أن يزداد إذا حسن التدبير وهذا من جملة الموارد في هذا المشروع.
الحادي والعشرين: العين الكبريتية
في البطيحة عند الحد الجنوبي الأقصى المجاور لفلسطين عين معدنية حارة تدعى المزفرة، يمكن أن تحلل كيماوياً حتى إذا كانت محتوياتها تضارع مياه الحمة في وادي اليرموك أو مياه طبريا المعدنية من حيث النفع الصحي ينشأ عليها حمام يحصل منه وارد غير يسير.
الثاني والعشرون: الطرق
لابد قبل الشروع في استثمار أراضي البطيحة من فتح وتعبيد الطرق الذاهبة منها شمالاً إلى قرب جسر بنات يعقوب، وطولها كما ذكرنا 13 كيلو متراً، ليتسنى تقصير المسافة بينها وبين دمشق وإيصال السيارة إليها لنقل المحاصيل، وهذا الفتح يتم كما لا يخفى بإدارة الحكومة المحلية ومعونة أهالي القرى المجاورة وإشراف إدارة الأشغال العامة. وهذا العمل بقدر ما هو جليل وحيوي بالنسبة للبطيحة هو بسيط لا يستدعي كثيراً من النفقات، ثم لما كانت أراضي البطيحة نفسها خالية من الطرق والجسور ويتعذر التجول فيها على السيارات وعجلات النقل والمكنات الزراعية كان من أجل الأعمال الرئيسية عند الشروع في الاستثمار هو فتح الطرق في داخلها وتعبيدها وإشادة جسور على الجداول والقنوات الكثيرة فيها تسهيلاً لمرور السيارات وعجلات النقل. وهذه الأعمال تقوم بها الشركة بأموالها وأيدي عمالها يشرف على ذلك مهندس رياضي خاص تستخدمه لهذه الغاية وغيرها من أعمال التأسيس والبناء كما سيذكر في المادة التالية.
الثالثة والعشرين: الإدارة
ولابد من الإشارة إلى أنّ كل هذه الموارد التي ذكرت لا يمكن الاستفادة منها مالم تؤسس في البطيحة (دائرة) منتظمة على نسق الجفتلكات التي يملكها كبار الموسرين أو المزارع الواسعة التي تملكها الشركات العقارية في القطر المصري وغيره من الأقطار الأوروبية والأمريكية، فيوضع فيها موظفون حائزون شروط الخبرة والأمانة والنشاط واحتمال شظف العيش في إقليم البطيحة الحار على أن يتقاضوا رواتب تناسب الجهود ومشاق الحياة التي تنتظرهم. فمثل هذه الدائرة الكبيرة تحتاج:
أولاً: إلى مدير يكون مهندساً زراعياً قديراً له خدمات وتجارب سابقة في دوائر زراعية واسعة، وإلمام كاف في الأحوال والعادات المحلية، وخبرة في كيفية تيسير أعمال الموظفين والمستخدمين والعمال وترتيبها لاسيما في مداراة الأعراب والفلاحين.
ثانياً: إلى محاسب قدير عارف بمسك الدفاتر على الطريقة المزدوجة على أن يتولى كتابة الرسائل أيضاً.
ثالثاً: إلى خازن يحفظ الأسس والمنتجات والأشياء المنقولة ويسهر على ضبط الداخل والخارج.
رابعاً: إلى مهندس رياضي لمسح الحقول والمقاسم وتخطيطها ورسم مصوراتها والإشراف على إشادة الأبنية وتعبيد الطرق وبناء الجسور وإصلاح القنوات، وهذا المهندس الرياضي يمكن الاستغناء عنه في السنة الثانية أو الثالثة حينما تنتهي الأعمال المطلوبة منه.
خامساً: إلى أربعة نظار من الزراعيين الفنيين والزراعيين العمليين يعهد إلى كل منهم بإدارة قسم من أعمال المزرعة حسب كفاءته تحت إشراف المدير.
سادساً: إلى اثنين من أهل الاختصاص أحدهما لزراعة المشاتل وتربية الأغراس وتطعيمها، والثاني لزراعة الأشجار المثمرة وخدمتها وتقليمها…الخ، ويزاد عدد هؤلاء وغيرهم من الأخصائيين ببقية الفروع والصناعات عند اللزوم.
سابعاً: لما كانت الشركة ستسير حراثتها وزراعتها ونقلياتها بالوسائط الميكانيكية لابد لها أيضاً من ميكانيكي قدير وسائقين للسيارات والسواحب يشتغلان تحت إشراف الميكانيكي، وحداد لإصلاح وأعمال أدوات الحديد، ونجار لأعمال النجارة.
ثامناً: إلى طاه ومعاون له وخادمين، فالمجموع تسعة عشر موظفاً ومستخدماً ذكرت في الجدول المربوط في ذيله. أما البساتين والحقول التي قلنا أنّ مساحتها ينبغي أن تصل إلى أربعة عشر ألف دونماً فهي تحتاج من العمال الأعراب إلى سبعين أجيراً وستين مرابعاً وستة رؤساء مرابعين وثلاثة شواة للماء وخمسة سواس للبقر والخيل واثني عشر حارساً، فالمجموع مئة وستون عاملاً ذكرت أجورهم في الجدول المربوط في ذيله، وهذا غير العمال المؤقتين الذين يؤخذون من أعراب التلاوية ويستخدمون بمياومات مقننة حسب اللزوم وعند كل موسم وعمل زراعي.
الرابعة والعشرون: المباني
إن العمال والأشخاص والحيوانات والمكنات والأدوات التي عددناها تحتاج لمبان عديدة ينتخب لها بادئ بدء مركز متوسط بين أنحاء المزرعة غير المركز الحالي المسمى (الحاصل) الذي تراءى لنا عدم مناسبته، وتشاد فيه (دائرة) تحتوي على دور ومكاتب لسكنى المدير والموظفين والمستخدمين وقيامهم بأعمالهم الرسمية تكون مستوفية الشروط الصحية والسعة حسب حاجة إقليم البطيحة الحار، وتحتوي أيضاً على مستودعات وسقائف واصطبلات ومرائب وزرائب وأماكن للبستانيين والعمال الأغراب وغيرها مما تحتاجه مثل هذه المزرعة الجسيمة. وتجهز هذه المباني بالأثاث والفرش الكافيين ويؤتى إليها بالماء القراح من إحدى العيون المجاورة، وتنور إن أمكن بالكهرباء الذي يستخرج من محرك يديره الميكانيكي الموجود في إدارة البطيحة وإشادة هذه المباني لا تحتاج لنفقات باهظة بالنظر لكثرة الأحجار والرمال الموجودة في البطيحة، وهذا غير المباني التي يجب أن تشاد على نسبة مصغرة في مراكز المنطقتين الأولى والثانية كما قدمناه في المادة (15).
المادة الخامسة والعشرون: الآلات والأدوات
لابد لمثل هذه المزرعة الجسيمة التي يجب أن تسير حراثتها وزراعتها بالوسائط الميكانيكية من مجموعة كاملة من الآلات والأدوات والمكنات اللازمة لجميع الأعمال الزراعية كالسواحب (التركتورات) والمحاريث الافرنجية والعربية والأمشاط والمعازق والمباذر ومكنات الحصاد والدراس وسيارات وعجلات النقل وسكك الحديد الزراعية والأدوات البستانية والآلات الهندسية وآلات الحدادة والنجارة وغيرها من قطع التبديل اللازمة لها.
المادة السادسة والعشرون: الطعام
لما كان المذكورون آنفاً لا يستطيعون جلهم إن لم نقل كلهم أن يستجلب عائلته إلى البطيحة لفقدان المدارس ولصعوبة تحمل النساء والأولاد إقليم البطيحة لاسيما في فصل الصيف ولا يمكن أن يضيع كل منهم أوقات عمله باستحضار المآكل وطبخها كان من الضروري ومن منفعة الشركة أن يطعموا من حسابها ويخدموا، لذلك وضعنا في المادة (23) في عداد المستخدمين طاهياً ومعاوناً وخادمين، ولما كانت الخضراوات متوفرة في البطيحة فيرجى ألا يزيد مصروف الطعام اليومي للشخص عن خمسة وعشرين قرشاً سورياً والمصروف السنوي للجميع. عن أربعمائة ليرة. ومهما يكن عند حساب ميزانية المشروع وتقدير ما يلزمه من المؤونة لابد من إضافة ما يكفي للضيوف والزوار الذين كثيراً ما يتوافدون إلى البطيحة، ويضطر القائمون بإدارتها إلى إطعامهم كما هي العادة في القرى والمزارع.
المادة السابعة والعشرون: الحالة الصحية
إذا عرفنا حر إقليم البطيحة ووفرة رطوبة جوها التي تنشأ من أبخرة بحيرة طبريا ومن الجداول والقنوات والمناقع الكثيرة في أراضيها، إذا عرفنا ذلك بطل عجبنا من أن مناخ البطيحة لا تستسيغه كل الأبدان المعتادة على الأقاليم المرتفعة الجيدة الهواء. وثمة ما يدعو لتفشي حمى الملاريا أحياناً لوجود وادٍ عميق يدعى وادي (الزاكية) تفيض مياهه في الشتاء من جراء طغيان مياه البحيرة عليه وتفترش الأراضي الممتدة في ضفتيه وهي أجود أراضي قسم السهل الذي حمدنا خصائصه فيحدث مستنقعات واسعة يلجأ إليها السمك في كثرة فيتهافت عليها صيادوه ويستدرون منه أرباحاً تدعوهم لتمني بقاء هذه المستنقعات وعدم زوالها، لذلك يجدر بالشركة المرجو تأليفها أن تعتني بالحالة الصحية وذلك بإزالة المستنقعات المذكورة بتاتاً بأن تعمد إلى إقامة جدران حجرية أي سدود تحول دون فيضان مياه وادي الزاكية على ضفتيه، ولو كره ذلك الصيادون، فتكسب صحة موظفيها وعمالها وسكان البطيحة وزوارها أجمعين وتكسب أيضاً مساحات واسعة من السهل المذكور التي تصبح بعد جفافها من أجود أماكن الزرع والغرس. هذا ولابد للشركة أن توظف طبيباً من الأطباء المقيمين في القنيطرة باعتبارها أقرب بلدة كما يوافي البطيحة في الأسبوع مرة ويداوي مرضى الموظفين والمستخدمين والعمال ويلاحظ الحالة الصحية العامة. ولابد لها أيضاً من أن توجد صيدلية صغيرة في مركز الدائرة تحوي أهم العقاقير اللازمة لمداواة هؤلاء الأشخاص ومثلهم حيوانات الشركة ومواشيها عند الحاجة.
المادة الثامنة والعشرون: بحث الجولان
الجولان نجد متسع ينحدر من جنوبي قضاء القنيطرة نحو ناحية الزوية فيه هضاب متموجة تتخللها أودية ضيقة أو متسعة وكلها بركاني التشكل ذو صخور بازلتية سوداء. وهو في جملته كثير الأوعار والأحجار وقليل الأماكن المتسعة للزراعة بالنسبة لعظم مساحته. وهذه الأماكن عبارة عن قطع مبعثرة بين سلاسل الصخور وركام الأحجار تختلف سعتها من 4 أو 5 دونمات إلى 40 أو 50 دونماً ومعدل كمية أمطارها زهاء 400 مليمتر، وتربة الجميع طينية رملية سوداء مندمجة، ولوفرة أحجارها تعسر فلاحتها لاسيما استعمال المكنات الحديثة فيها. على أن هذه الأماكن خصبة تصلح في جملتها لزراعة الحبوب الشتوية التي تجود فيها ولزراعة الذرة البيضاء في الأماكن التي يمكن تطويقها قبل البذر من مياه العيون التي تدعى بالربيعية وتنقطع في الصيف. والدورة الزراعية هنا ثنائية في الشتاء القمح والشعير والعدس والحمص وفي الصيف الذرة البيضاء وأحياناً الذرة الصفراء، والأراضي الوعريّة تصلح لزراعة الأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والعنب، وقد جربت زراعة البطيخ فنجحت.
وأكبر مزيّة للجولان هو أن الكلاء يجود فيه جودة منقطع النظير، نخص بالذكر منه النفل ذو الزهر الأحمر الذكي الرائحة لذلك كان الجولان ومابرح ملجأ لمواشي بلاد حوران قاطبة مع بعض أنحاء دمشق، يقصده أصحابها وأصحاب قطعان الغنم من التجار في فصل الربيع فيرعون أغنامهم وأبقارهم فيه لقاء أجر معلوم، ينقدونه لملتزمي الربيعية من آل اليوسف. وهو التزام كان لا يقل فيما مضى عن 500-600 ليرة عثمانية في السنة. وإذا تم تأليف الشركة يكون الجولان ميداناً واسعاً لتربية مواشيها التي تشتي في البطيحة وتربع وتصيف في الجولان ويخصص لها أحسن المرابع وأوسعها. وقسم الجولان العائد لآل اليوسف والمعروض للبيع مع البطيحة واسع المساحة يقدر طوله من الشرق إلى الغرب ب18 كم وعرضه من الجنوب إلى الشمال ب12 كم، فتبلغ مساحته 216 ألف دونم، فيه ضياع عديدة نذكر منها أم الدنانير والجوخدار والشعبانية والمنصورة وخراب انجيل وقنيطرة الخراب وخوخة وزيتا وكنف الفوقا وكنف التحتا وشقيف والصباحية ودير عزيز وقصيبة ومجدوليا وجديدة والصفيرة والبجورية والجرنية والرزانية وصيدا وأبوتينة وخسفين. ويلحق بهذه الأسماء ضياع قصيرين، العائدة لأحد آل اليوسف وهي: النوانية ووحشرة وصلبة ودير قروح ودير مفضل والنخيلية وكفر شب.
وأجلّ هذه القرى قدراً وأعظمها مساحة خسفين ثم الجوخدار “إلا أن الجوخدار هذه قد انتقلت منذ بضعة سنوات إلى إدارة أملاك الدولة” ثم أم الدنانير ثم خوخة وزيتة ثم الشقيف ومجدوليا ثم الصفيرة ثم الجرنية ثم الرزانية، وما بقي فيها من درجة واحدة.
وإذا خرجت الجوخدار من الحساب وهي 26 ألف دونم لا يزيد مجموع مساحة بقية الضياع “بما فيها ضياع قصيرين” على مئة وتسعين ألف دونم، ثلاثون منها في خسفين والباقي في البقية التي كل منها تتراوح مساحته من ألفين إلى أربعة آلاف دونم. وهذا إذا أضيف إلى الرقم 53980 دونم الذي نسب للبطيحة يبلغ مجموع المساحة في الجولان والبطيحة معاً 243980 دونم بين صالح وطالح وعامر وغامر. فأين هذا الرقم مما أشيع عن وجود 300 ألف دونم؟ هذا السؤال لا يحل غموضه إلا المسح الحقيقي الذي لابد من اجرائه حينما تصح العزائم على اتمام هذا المشروع.
قلنا إن مياه الجولان أراضي بعلية ليس فيها من مياه الري إلا بعض العيون التي تجف في أواخر الربيع. على أن هناك مياهاً تنحدر من أعالي الجولان نحو أراضي خسفين يمكن أن تروي 500-600 دونم فيها. ثم إن في أم الدنانير مساحة قليلة تروى من عين القرية نفسها. وكذا الحال في الشعبانية والمنصورة وقصيرين، وفي قرية صيدا عين تُدعى المكحلة يمكن تحويلها من مصبها في وادي الرقاد وجعلها تروي 300-400 دونم في القرية المذكورة. فمجموع الأراضي السقويّة إذن ألف دونم.
هذا ونصف الأراضي الصالحة للزراعة في الجولان ما برحت منذ سنين، وربما منذ قرون بوراً من الإهمال وانصراف الملاكين والمزارعين إلى الاستفادة من ريع الكلأ أكثر من زراعة الحبوب وغرس الأشجار، وحصة ملاكي قرى الجولان من المحاصيل هي 33 بالمئة يدخل في ضمنها العشر للحكومة. وقد كان هؤلاء الملاك يؤجرون حصتهم، فكان مثلاً ايجار خسفين وحدها في سنة 1927 “750 ليرة عثمانية” وأم الدنانير 220 وخوخة وزيتة 300 والشقيف 120 ومجدوليا 60 وهلم جراً فيكون مجموع وارد قرى الجولان 1520-1600 ليرة إذا أضيف إليه التزام الربيعية المقدر ب600 ليرة يبلغ المجموع كله 2100-2200 ليرة عثمانية. وقد هبط هذا الوارد في السنين الأخيرة إلى النصف بسبب الأزمات الزراعية المتوالية.
وجميع أهل الجولان أعراب من سكان بيوت الشعر إلا بعض الفلاحين الحورانيي الأصل المقيمين في قرية خسفين. والأعراب المذكورين ينتسبون لقبائل وأفناد متفرقة. وهم يعنون بتربية المواشي أكثر من عنايتهم بالحرث والزرع، ويعيشون حياة يسودها الجهل المطبق والخمول والبؤس. لذلك هم بحاجة قصوى لمن يحسن ادارتهم ويسدد خطواتهم ويمدهم في السنين الأولى بالتقاوي من بذار ودواب كيما يتمكنوا من السير حسب المطلوب.
وإذا تم تأليف الشركة وشرع باستثمار الجولان تحتاج قراه إلى مدير يجعل مركزه في خسفين ويكون إما مرتبطاً بمدير البطيحة أو مستقلاً في أعماله وهذا هو الأرجح لتعذر الاتصال بين الجهتين وعظم الأعمال المطلوبة من الفريقين. وشرط هذا المدير أن يكون مهندساً زراعياً مجرباً وخبيراً بأطوار الفلاحين والأعراب وأساليب مداراتهم، ويوضع تحت إمرته كاتب وخادم وعدد كاف من النظار والحراس لاسيما في موسم البيادر. ويطلب من هذا المدير أن يلم بحالة القرى المسلمة إليه ويسعى لتزييد المساحات المزروعة منها وأن لا يترك أبواراً ولا فدناً معطلة فيها. ويبذل قصارى جهده في تسيير أعمال الفلاحين حسب الأساليب القويمة وفي تزييد غلاتهم وتكثير أقسامهم. وأن يكثر من غرس الأشجار والكروم في الأماكن الصالحة لها ويحفظها، ومن زرع الزروع الصيفية التي تظهر التجارب امكان وفائدة تكثيرها، وأن يهتم بتربية المواشي الخاصة بالشركة وأن يحمي لها الأماكن التي تنبت الكلأ، ويمكنها من الرعي دون غيرها، وأن ينظر إلى جباية رسوم المرعى من القطعان الغريبة التي تأتي إلى الجولان في فصل الربيع، ويحفظ حقوق الشركة من الضياع.
فإذا قام مدير قسم الجولان بهذه الأعمال وازدادت المساحات المزروعة وضبط الدخل والخرج تفيض واردات الجولان فيضاً يصعب تقديره من الآن لعدم اطلاعنا على المساحة العامة الحقيقية لاسيما مساحة الأراضي الصالحة للاستثمار ومقدار الفدن التي ستسير والأيدي العاملة التي ستنكب على العمل، لكنها لا تقل حتماً عن أربعة آلاف ليرة ذهبية بعد طرح النفقات السنوية الدائمة المذكورة في جدولها الخاص.
المادة التاسعة والعشرون: الرأسمال المقدر لاستثمار البطيحة
يقسم الرأسمال اللازم لمشروع استثمار البطيحة في السنة الأولى إلى قسمين: الأول (رأس المال الثابت) الخاص بما تحتاج إليه أعمال التأسيس والتشييد. وهو يصرف دفعة واحدة ولا يعاد في السنين التالية بعد أن يكون قد تمّ، والثاني (رأس المال المتحول) الخاص بما تحتاج إليه أعمال الاستثمار الزراعي. ومن هذا ما يعاد صرفه كله في كل سنة ومنها ما لا يعاد إلا قليلاً.
فمن القسم الأول الثابت ثمن الأراضي وهذا لم ندخله في نطاق بحثنا وتقديرنا، ومنه نفقات إشادة الأبنية التي تقدم ذكرها في المادة (24)، ونفقات إصلاح وترميم القنوات وتعبيد الطرق وإنشاء الجسور التي سبق ذكرها في المادتين (9) و(22).
أما القسم الثاني المتحول فنخص بالذكر من مفرداته أثمان الآلات والأدوات والمكنات الزراعية التي سبق ذكرها في المادة (25)، ونفقات الزراعة الحضرية والزراعة الكبيرة المتنوعة المطلوب اجراؤها في مساحة 10 آلاف دونم وفيها أثمان البزور وأجور العمال المؤقتين للعزق وإبادة الأعشاب والحصاد وغيرها، ومنها ثمن حيوانات الجر والنقل من خيل وبقر وحمير لتشغيل المساحة المذكورة آنفاً مع ثمن العلف للحيوانات المذكورة، ومنها نفقات غرس الأشجار المثمرة وغير المثمرة لاسيما الحمضية منها وإحداث المشاتل. وسيقوم مستخدمو الشركة بحراثة الأرض وتهيئتها على أن يصرف جلّ الاعتماد المخصص لذلك في السنين الأولى في شراء الغراس المطعمة وغير المطعمة من الخارج ريثما تنمو المشاتل المتصور إحداثها وتستطيع تقديم ما يلزم منها. وهذا الاعتماد لابد من تكرار وضعه خلال السنين الثماني الأولى إلى أن يكون الغرس قد تقدم وانتشر ومن بعدها ينقص تدريجياً إلى أن يقف عند حدود الحاجة التي يظهرها المستقبل، ومنها التقاوي التي تقرض إلى الفلاحين لاشتراء ما يعوزهم من البذار والحيوانات ثم تسترد منهم، ومنها رواتب الموظفين والمستخدمين وأجور العمال الدائمين وغيرها. هذا ولاحتمال حدوث نفقات غير ملحوظة وضع اعتماد باسم مبلغ احتياطي فتم بذلك مجموع الاعتمادات المقدرة لرأس المال الثابت والمتحول بمبلغ 30 ألف ليرة عثمانية.
ولما كانت أثمان الآلات والمكنات. وأثمان الحيوانات. وتقاوي الفلاحين، والنفقات غير الملحوظة ليس لغيرها حاجة في السنين التالية فضلاً عن الوفر الملحوظ حصوله من بقية المواد، لوحظ أن اعتمادات السنين التالية المذكورة ستكون أقل من الأولى بثلاثة آلاف ليرة فتبلغ 17 ألف ليرة وتقف عند هذا الحد ويبلغ أخيراً مجموعها خلال السنين الأربع الأولى 81 ألف والسنين الثماني الأولى 149 ألف ليرة عثمانية ذهبية.
المادة الثلاثون: الواردات المقدرة
إذا تم صرف الاعتمادات المذكورة في سبلها، وحصل التوفيق في انتقاء الموظفين والمستخدمين الأكفاء وفي استجلاب العمال المذكورين في المادة (15) واستخدامهم كما ينبغي ومهدت سبل العمل في ترميم القنوات وإصلاح وإحضار الأرضين وإشادة الأبنية وإعداد الأدوات والحاجات، وحسنت الإدارة وضبط الدخل والخرج يرجى أن يستغل من أرض البطيحة في السنة الأولى 30 ألف ليرة عثمانية، معظمها من أثمان الخضراوات الباكورية والمتأخرة، ثم من أثمان الحبوب المتنوعة وبعضها من ريع الأقسام المأخوذة من الفلاحين المزارعين وريع السمك والدكاكين وغيرها. وفي السنة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة يتضاعف وفي الأعمال الزراعية فيزداد، من جراء ذلك، الوارد على ما يقل عن ألفي ليرة في كل سنة فيبلغ في السنة الثانية 32 ألف وفي الثالثة 34 ألف وفي الرابعة 36 ألف أي يبلغ مجموع واردات السنين الأربع 132 ألف إذا طرحت منها النفقات المذكورة آنفاً يصبح الصافي 11 ألف ليرة.
وفي السنة الخامسة يكون الموز تقدم بالإثمار والطرح شوطاً، والأشجار الحمضية وغيرها بدأت وبشرت فيزداد الوارد المقدر للسنة الرابعة نحو ألف ليرة فيبلغ في الخامسة 37 ألف وفي السادسة يتضاعف الإثمار والطرح فيزداد الوارد ألفي ليرة ويبلغ 39 ألف ليرة وفي السابعة يزداد 3000 ويبلغ 42 ألف وفي الثامنة يزداد 4 آلاف ويبلغ 46000 أنّ مجموع واردات السنين الثماني الأولى تصير 296000 إذا طرحت منها النفقات المذكورة آنفاً يصبح الصافي 147000 ليرة.
وهذا الرقم الأخير المحسوب على أقل تقدير لابد من ازدياده واطراده في السنين التي تلي الثامنة بنسبة ما يجنى من الأشجار والخضراوات الباكورية والأثمار والحبوب المختلفة والأقسام المأخوذة من الفلاحين وريع السمك والدكاكين وغيرها من ينابيع الإيراد التي تقد ذكرها.
المادة الحادية والثلاثين: رأس المال والوارد المقدران لاستثمار الجولان
يذكر في بحث الجولان من الرأسمال الثابت نفقات بناء (دائرة) في قرية خسفين تحتوي على غرف لسكنى المدير والمحاسب والخادم ومبيت الزوار واصطبل ومستودع. ولما كانت أراضي الجولان ستؤجر إلى الفلاحين حسب الطرائق المحلية ولا يجري فيها من قبل الشركة زراعة مباشرة إلا إذا احتيج لعمل بعض التجارب أو غرس بعض أشجار تستمد حينئذ وسائلها من إدارة البطيحة. فلا يذكر في رأس المال المتحول سوى أجور الحراس الذين يستخدمون لمراقبة الزروع والغلال خلال أشهر الحصاد والدراس الثلاثة في قرى الجولان التي عددناها وعند عدم كفاءتهم يزاد عددهم في المستقبل، وتقاوي إلى فلاحي القرى المذكورة كما يشترون ما يعوزهم من البذار والحيوانات، وثم راحلة إلى المدير وبدل الأعشار، وضريبة الأرض ورواتب المدير والمحاسب ونفقاتهم المتفرقة فيبلغ بذلك رأس المال المقدر في السنة الأولى 3400 ليرة عثمانية، ولما كانت اعتمادات هذا المبلغ لا تتكرر في السنين التالية كالتقاوي واعتمادات البناء وثمن الراحلة، يصبح رأسمال السنين التالية 1100 ليرة عثمانية مقابل ريع صاف قدرناه بأربعة آلاف ليرة عثمانية يرجى ازدياده واطراده بنسبة اتساع المساحات المزروعة وتحسن الإدارة.
8.إنقاذ أراضي البطيحة والجولان
مرآة الشرق 5 كانون الأول 1934
هي أرض واسعة خصبة واقعة على الحدود بين سوريا وفلسطين تحيطها بحيرة طبريا والأردن، لا تقل مساحتها عن ثلاثمائة ألف دونم، وقد جاء على لسان أحد كبار موظفي المفوضية في بيروت أن الصهيونيين يسعون لحمل وزارة المستعمرات في لندن على تعديل الحدود السورية الفلسطينية لغاية إدخال هذه الأراضي وما جاورها ضمن الحدود الفلسطينية لتدخل في جوف الوطن القومي اليهودي.
وللحيلولة دون ذلك قام مؤخراً نفر من أغنياء السوريين المخلصين ألفوا شركة لمشترى هذه الأراضي واستعمارها قبل أن يذهب شبر منها لليهود، برأسمال قدره خمسة وعشرون ألف جنيه مقسم إلى 25 ألف سهم، اشترى منها السوريون 4 آلاف سهم وعرضوا باقي الأسهم للبيع لأبناء البلاد من الوطنيين في سوريا وفلسطين الذين يغارون على ملك آبائهم وتراث أجدادهم من أن تغرز فيها براثن الصهيونية.
لا ينفع أيها الفلسطيني الصياح والعويل ولا يجدي الاحتجاج شيئاً وهناك الآن مجال واسع لكل فلسطيني يدعوه الواجب لأن يشترك في مشروع اخواننا السوريين إذا كان حقيقة يغار على أراضي الوطن ويؤلمه أن يرى العرب المديونين من أصحابها يطردون منها غداً بعد عجزهم عن تسديد ديونهم لبقائهم فيها.
هناك 21 ألف سهم مطروحة للبيع لكم أيها الفلسطينيين الذين لا تزالون تتشكون من ظلم الصهيونية وامتلاكها لأغنى الأراضي في بلادكم. لكم أيها الفلسطينيين الذين لا تزالون تعربون عن آلامكم وتوجعكم لإخوانكم الذين طردوا من وادي الحوارث ليهيموا على وجوههم مشتتين تحت كل الكوكب.
فإذا كنتم تغارون على المزارعين من إخوانكم في أراضي البطيحة وتريدون أن يبقوا فيها وترون في بقائهم فيها خيراً من انتقالها إلى أراضي الصهيونيين فليس أمامكم إلا طريق واحد وهو الاشتراك في هذا المشروع الحيوي الذي قام به فريق من اخوانكم في سوريا لاشتراء هذه الأراضي وبقاءه ملكاً للأمة العربية. واعلموا أنه كلما كثر عدد المساهمين زال الخوف من إمكان انتقالها إلى أعداء الوطن في المستقبل. لأنه يخشى إذا امتلك الأسهم الباقية نفر قليل ألا يتوصل أصحاب المشروع إلى الغاية التي يصبون إليها من وراء مشروعهم وهي بقاء هذه الأراضي ملكا مضموناً للأمة لا تستطيع أيدي الخصوم الظالمين أن تصل إليها.
أثبتوا الآن أيها الفلسطينيين غيرتكم الوطنية بالفعل ولا يكلفكم ذلك غير بضعة جنيهات تحيون بها مئات من العائلات العربية واقعة الآن تحت خطر الاغتراب والفقر والشقاء. وتنقذون بهذه الجنيهات القليلة أراضي واسعة المساحة إذا استُثمرت تشغل ألوفاً من العمال العاطلين ويعتاش من إيراداتها ألوف العائلات العربية ولا ينفع أن يترك هذا الأمر لمروءة أبناء البلاد وحماستهم وغيرتهم ليشترك من شاء منهم في المشروع فإن الحوادث علمتنا أنّ الواحد منّا لا يعمل منفرداً ولو كان في داخله مئة دافع يدفعه إلى العمل الطيب. فوجب أن يكون هناك دافع خارجي يدفع الأفراد ويحثهم على الإقدام على العمل وينشطهم إليه. وهذا الدافع هو لجنة تؤلف في فلسطين تكون مهمتها حمل الأفراد على الاكتتاب بالمشروع وبيان حسناته وفوائده ولا أرى للقيام بهذا الغرض خيراً من الوطني المخلص المجد الذي يعمل عمله بهدوء وسكينة بلا طنطنة ولا ضجيج، ذاك الذي يعمل لأجل العمل وليس للشهرة وكسب الطيب وأعني به مدير البنك العربي أحمد حلمي باشا فباستطاعته تأليف مثل هذه اللجنة اليوم لنكون صلة بين المكتتبين في فلسطين ولجنة المشروع في الشام وهو أهل بإذن الله.
القدس – أحد القراء
خاتمة:
رغم عدم تنفيذ تلك المشاريع في أراضي البطيحة إلا أنها منعت الوكالة اليهودية وأوقفتها حتى هزيمة 1967، وهذا دليل مستوى الوعي السوري والأمانة والإخلاص للوطنية السورية والاهتمام بالحفاظ على أبناء تلك المنطقة والأمل بتطوير أراضي هي إحدى أخصب بقاع العالم. وأعبر هنا عن مدى حزني لضياع الكثير من الأحلام السورية حتى يومنا هذا رغم الأصوات المخلصة والجميلة في التاريخ السوري.