عصام حقي، شاعر سوري مقيم في السويد
أوراق 19- 20
شعر
أذعنتُ للريح العتيّةِ والهوى
ومضيتُ صحبي زورقٌ وفضاءُ
ونسيتُ مجدافَ الرجوعِ ورحتُ…
تغلي في دمي أنشودتي الخرساءُ
سافرتُ أمساً أو غداً لا فرقَ …
ملّت شكلَها الأيّامُ والأسماءُ
وقصدتُ أرضاً، أيَّ أرضٍ، كلُّها
عندي إذا ما غبتُ عنكِ هُراءُ
وبحثتُ عنكِ وأنتِ في قلبي….
وذاكرتي وأنتِ عواصفي الهوجاءُ
حتّى لقيتكِ في رسائلِ غيمةٍ
تُنبي بهطلٍ والشفاهُ ظِماءُ
*
هاتي لقاءَكِ كي يزولَ جفافُها
وتعودَ من صحرائها الصحراءُ
هاتي جنونَكِ، إنّني أشتاقُهُ
بعضُ الجنونِ أباحَهُ الشعراءُ
واسترجعي ذكرى نهاراتٍ مضتْ
فخلاصةُ الزمن الجميلِ لقاءُ
*
أرضي الجديدةُ دوحةٌ ونقاءُ
وبحيرةٌ رقراقةٌ وسماءُ
فإذا غفوتَ فبسمةٌ رُسِمت على
ثغر الصباحِ وزهرةٌ ميساءُ
وإذا صحوتَ فبلبلٌ يشدو على
قيثارِهِ وفراشةٌ حمقاءُ
والغيد تلهو والنوارس بينهنَّ…
فبينهنَّ مودّة وصفاءُ
فهنا الحياةُ جنائنٌ خلابةٌ
وسنابلٌ ميّاسةٌ وثغاءُ
وهنا استراحَ الصبحُ بعد غيابِهِ
وتناولتْ إفطارَها الحسناءُ
وهنا تثاءبَتِ البلابلُ بُكرةً
وتعلّمتْ ميسَ الغصونِ ظِباءُ
والماء يجري، لستُ أدري أيُّها
يروي الظما، لقياكِ أم ذا الماء؟!
والثلجُ ينسى بعضَ بعضِ بياضِهِ
كيلا يغيبَ عن الفصولِ شتاءُ
والسحر فيها آيةٌ قد صاغها
هذا النسيمُ وريشةٌ هيفاءُ
والحبُّ بوصلةٌ تراقبُ نبضَنا
وتهندسُ الخطواتِ كيف تشاءُ
والحبُّ عاصفةٌ تغيّر شكلَ …
كوكبِنا كما تتغيّر الأجواءُ
والكلُّ أسرى قيدِهِ وكأنّه
ماءٌ لأجلِ بقائنا وهواءُ
بالحبِّ رتّبتِ النجوم بريقَها
وترنّمتْ بهديلِها الورقاءُ
وانسابت الغدرانُ بينَ ضفافِها
وتمايلتْ أغصانُها الخضراءُ
واستنشقتْ رئةُ الربيعِ عبيرَها
فشذاً تناثرَ في الفضا وبهاءُ
واستيقظتْ من نومها ريحانةٌ
لتفوحَ بالعطر الزكيِّ سماءُ
بالحبِّ تجري الأرضُ دون تململٍ
وتعلّمُ الأقمار كيف تضاءُ
وبه قد ابتدأ الجمالُ جمالَهُ
وأنار دنيانا السنا الوضّاءُ
*
هي رحلةٌ كانت، وكانت نغمةً
رقصتْ لها أوتارُها العذراءُ
هل يرجِع الماضي وينعشُ أنفساً
أودَتْ بها وبحبِّها الأرزاءُ
ومتى تهبُّ رياحُهُ من جنبِنا
ومتى تعود اللحظةُ البيضاءُ؟!
*
قولي متى، لا ترجئي الأحلامَ إنّ…
الصمتَ والجرحَ العميقَ سواءُ!