الكتابة الإبداعية التفاعلية وظاهرة أدب “البوسـت”

0

حوار: حسين الضاهر

في حين اعتبر بعض النقاد والمطلعين أن وسائل التواصل الاجتماعي حلت كنقمة على الأدب وحركته، رأى آخرون أنها جاءت كربيع أزهرت معه تجارب وأفكار جديدة على مستوى النص نفسه، وفي ابتكار طرق لإيصال الكلمة والترويج لها ولكاتبها.

ونرى أن معظم الذين اعتمدوا جدران وسائل التواصل منصة لكتاباتهم يحاولون بطريقة أو بأخرى الاستفادة من تفاعل جمهور القرّاء في انتقاء ما يصلح من موادهم للنشر لاحقًا ضمن “كتاب” أو حتى الاستفادة من الرؤية النقدية لهذا الجمهور على ندرتها. وقد تعتبر الكتابة التفاعلية قديمة قدم الصحف والمجلات والمنتديات، إلا أنها مع التكنولوجيا سلكت دروبًا أسرع وأكثر انتشارًا.

الكتابة التفاعلية

صدرت أخيرًا في نسختها الورقية رواية “خربة الشيخ أحمد” للشاعر والكاتب السوري “عيسى الشيخ حسن” والتي عمل المؤلف قبل ذلك على نشرها في قطع نصية على صفحته في موقع “فيس بوك”، حيث لاقت تفاعلًا كبيرًا من قرائه. وعن التجربة والذي أضافته إلى الرواية ولكاتبها يقول عيسى:

شجّعتني منصّة الفيس بوك على مبادرة الرواية التفاعلية، ربّما بطريقة مختلفة عمّا انتهجه الروائي الأردني “محمد سناجلة” قبل أكثر من عقد من السنوات. كان معظم الأدباء العرب قد حجزوا دكاكينهم في حارة الفيس بوك، ثمّ تبعهم الغاوون، وكانت فرصة لسوق عكاظ جديدة، لم تعدم بهجتها ومسوّغاتها وغصصها. وكانت فرصة لي لأعرض في دكّاني أيضًا بضاعتي. نعم كان “البوست” الأدبي يبرق في مسلّة القرية الكونيّة الزرقاء. وهكذا طرأت لي فكرة أن أكتب نصًّا مستعينًا بتشجيع الأصدقاء، وهذا ما كان.

سبقت هذه التجربة تجربتان، الأولى: كتابة سرد متعلق في المستقبل، لم أجد جمهوره راضيًا، فاكتفيت ببضع حلقات، والثانية: عبر نصّ آخر، سردي متعلق بفترة الستينيات، لقي نجاحًا نسبيًّا، استثمرته في “خربة الشيخ أحمد” وأزعم أنّها من قلائل التجارب التي تشارك فيها الجمهور والكاتب في السير بالنصّ نحو المحطّة الأخيرة، مستفيدًا من معلوماتهم، وتفاعلاتهم، وتصويباتهم اللغوية، طوال تسعة وأربعين نصًّا، وكنت أحدّث نفسي، أن أستبقي بعض الأجزاء لأنشره فيما بعد في كتاب، ولكنّي فشلت، لأنّ “آلة الكتاب” فقدت وقودها الحيوي. استغرق العمل خمسة أشهر، بقي معي عدد كبير (نسبيًّا) من القرّاء، حتى الفصل الأخير، حتّى إنّهم شاركوني في اختيار الغلاف. ولهذا أهديت أصدقائي هذا العمل.

في حين اعتبر الشاعر والكاتب “علي سفر” أن تجاربه في الكتابة التفاعلية حضرت كمشاركة في الهم الجمعي وكنوع من إبداء الموقف في التاريخ الشخصي والعام. وعن مدى نجاح التجربة، يقول:

في حالة كتاب “الفهرس السوري” وقبله “يوميات ميكانيكية” هناك إلحاح على التدوين، وتسجيل التفاصيل، وكان نشر جزء من التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي يتم كنوع من المشاركة في الهم الجماعي: الثورة، النزوح، القتل اليومي، الاعتقال.. إلخ. وعملية نشرها في كتاب، مبعثها أنها جزء من الموقف الذي يجب أن يسجل في التاريخ الشخصي والعام. أما التحقق من نجاح العملية فيحدث من خلال وصول الكتاب للجمهور وتفاعله مع محتواه.

في حين ترى الشاعرة “رشا عمران” أن الكتابة على منصات التواصل، ثم نشر هذه الكتابات ضمن إصدارات ورقية وإلكترونية، بات أمرًا شائعًا في السنوات الأخيرة:

أفعل هذا دائماً، منذ بدأت بالنشر على صفحة “فيس بوك” خاصتي، كثير مما أكتبه أنشره على صفحتي، وأحياناً كثيرة أكتب مباشرة على جدارها، جمعت معظمه في كتب مطبوعة، أظن أن الغالبية يفعلون هذا خصوصاً بما يخص الشعر والقصة القصيرة واليوميات، وحتى النقد الأدبي بات معظمه ينشر على وسائل التواصل قبل أن يضم إلى الكتب. أ

أدب البوست

ومن الإجابة الأخيرة نقف أمام سؤال: هل تتبلور ظاهرة جديدة قد نطلق عليها “أدب البوست”؟ كون بعض من الكتّاب اتخذوا من مساحة “بماذا تفكر؟” منطلقًا للكتابة والنشر المباشرين. عن تصنيف هذا النوع وإمكانية إدراجه في سلم الأنواع الأدبية، يقول علي سفر:

لا أظن أننا أمام ظاهرة كهذه، لأن كل ما ينشر على “السوشال ميديا” ينتمي إلى أنواع أدبية راسخة، فالبوست هو تدوين سريع، وإذا كان ينتمي إلى الشعر فهناك نوع خاص اسمه قصيدة الومضة، وإذا كان قصة فهناك القصة القصيرة جداً.. وهناك السرد، والنص المفتوح. لكن ثمة تغير في شكل أداة التوصيل وطريقة وصولها، وأنا لا أجزم بأن الأمر غير ممكن، فهو متروك للمستقبل، ونحن لا نعلم من أين سيأتي الإبداع المختلف في وقته. ولكن هناك تأثير “للسوشال ميديا” يجعلنا نخفف من بعض تفاصيل الكتابة حين نضع في عقلنا مسألة الانتشار، لكن بخصوص تجربتي الممتدة من الكتابين المذكورين أعلاه واللذين ارتبطا بالثورة السورية، فقد كان هاجسي هو النشر الورقي قبل أي شيء، وقد جعلت الفيس بوك جزءًا من النص، فهناك نصوص يحضر فيها هذا الموقع، ولم أجعل كتابتي جزءًا من وجودي على فيس بوك.

أما عن الفوارق في النشر بين مواقع التواصل والكتاب الورقي والإلكتروني، فيرى عيسى الشيخ حسن أنه “لم يعد ثمة فرق، بسبب واضح وبسيط هو أنّ المنتج ذاته، تجده في الشاشة وفي الورقة، وسواء كان الماعون الحامل للنصّ مقتطعًا من أشجار غابة الأمازون، أو معدًّا من وادي السيلكون، فالمادّة هي ذاتها، والنصّ الذي قرأته لحسين الضاهر قبل أشهر في صفحته، هو ذاته الذي قرأته في ديوانه الشعري (المطبوع ورقيًّا). لقد تجاوز عدد مشتركي الفيس بوك مثلًا مليار مشترك منذ وقت بعيد، وبات (عربيًّا) الماعون الأوّل الذي يثري الحياة الثقافية بـ (سكبات) مختلفة، مفاجئة، مدهشة، تتضافر فيها الصورة والكلمة والصوت والحركة، وهناك عدد لا محدود من الصفحات التي تخصّ تيارات وجماعات ثقافية، تبهج المشهد، رغم أنّها تشتّت مرتادي هذا العالم”.

في حين يرى علي سفر أنه “لا يوجد سياق يجعلنا نستعيض عن النشر ورقياً كان أم إلكترونياً (بلواحق خاصة مثل pdf-epub-kfx) بالنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنا أشعر بأننا لا ندرك ضرورة عدم الخلط بين النسقين، ربما يعود الأمر إلى أننا وجدنا في التواصل الاجتماعي بديلاً عن الفضاء العام الذي فقدناه في ظل الديكتاتورية، وأن مساحة الحرية فيه كبيرة، لكن الوقائع تفرض علينا الانتباه إلى أن النشر الإبداعي هو جزء من عملية تجارية تسويقية، لا يمكن تعريضها للفوضى، حيث يخسر المؤلف والناشر حقوقهما”.

من جانبها، تؤكد رشا عمران بأنه “ثمة نصوص وكتابات على وسائل التواصل توازي النشر الورقي، أصبحت هذه الوسائل منابر مهمة للكتابات الأدبية، بالطبع فإن المتابع والقارئ الحقيقي سوف يتمكن من تمييز الثمين عن الغث مما تقدمه وسائل التواصل وينشر عبرها، سهلت هذه الوسائل عملية النشر وأغوت سهولتها كثر ليكتبوا، كما أن غياب المعايير أتاح لأي كان أن يكتب ما يشاء وينشر ما يشاء، وهناك متابعون وقراء كثر لكل مستويات الكتابة أكثر بكثير من قراء الكتاب الورقي أو النشر الورقي بسبب سهولة الوصول إليها ومجانيتها وانتشارها”.

وتتابع عمران حديثها عن التخوف والمعيقات في النشر على منصات التواصل، فتقول:

“لا أرى خوفًا على الإطلاق من النشر على وسائل التواصل، على العكس تمامًا، أنا أراها أفضل ما حدث للكتابة خصوصًا الشعرية، ذلك أنها غيرت من لغة الشعر وخففت من استخدام المجاز اللغوي لصالح الشعرية والخيال، وأظن نعم أنا من الذين يستخدمون “السوشال ميديا” كمنبر أدبي، منذ بدأت استخدام الفيس بوك نادرًا ما نشرت شعرًا في صحف أو مجلات أدبية، أكتفي بصفحتي وبما تأخذه المواقع الثقافية منها وتنشره”

*تلفزيون سوريا