حواس محمود
كاتب وباحث كردي من سوريا مقيم في النرويج
مجلة أوراق العدد13
مقالات
لا يخفى على أحد أن الكاتب عموما هو مشروع مغامرة وتجريب ومعاناة مادية ومعنوية، فهو الغريب اللافت من قبل الناس العاديين وبخاصة في بداياته الأولى باعتباره حالة غير طبيعية وغير مألوفة في وسط اجتماعي له عاداته وتقاليده، وله طقوسه الدينية وعرفه الاجتماعي، وإزاء ذلك فهو يتعرض إضافة للتهميش إلى شتى التعاملات التي يشوبها الريبة والتجاهل والتبخيس والتقليل من القيمة الحقيقية التي من المفترض أن يكون متمتعا بها.
الصورة النموذجية للكاتب أو الصورة المثالية له منذ أن كنا صغارا نذهب للمدارس هي صورة جميلة راقية لدى بعض المتعلمين والكبار من القوم، تتجلى بأن الكاتب هو ذلك الإنسان العارف بخبايا الأمور والمتناول للعديد من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وفي بيئتنا الكوردية، وبخاصة منذ أن كنا صغارا في السبعينات والثمانينات كانت صورة الكاتب لدينا نحن الطلاب صورة وردية، كنا نمني أنفسنا بأن نكون كتابا نستطيع معالجة الأمور والقضايا في الصحافة والإعلام، وكنا نفتقد للكاتب الكوردي الذي من الممكن أن يجسد ويعالج القضية الكوردية في أي جزء من كوردستان لأن كل جزء له معاناته الخاصة به رغم الاشتراك في المعاناة القومية العامة وهي الاضطهاد على الهوية القومية، وعندما كنا نجد كاتبا كورديا ينافح عن قضية الكورد كنا نبتهج ونسر بذلك لأننا كنا بالكاد نجد كاتبا كورديا في وسط كان مليئا بكتاب عرب وأتراك وايرانيين ولكن ومع مرور الأيام والسنين ومع تزيد عدد المتعلمين الكورد وارتيادهم للجامعات والمعاهد هنا وهناك، بدأ الكاتب الكوردي يخط خطواته وسط كم كبير من الكتاب والصحافة العربية، باعتباري منتميا لبيئة ناطقة باللغة العربية فكانت الكتابات التي تنشر في أبرز الصحف والمجلات (الحرية – الهدف- الثقافة الجديدة – اليسار العربي- النهار- البيرق – السفير – الأهرام وصوت الكويت الدولي والناقد والحياة) كانت تلقى اهتماما واسعا وكبيرا أقله في الوسط الجامعي، ولكن ومع مرور الزمن ومع انتشار الثورة المعلوماتية التي جرت معها تقنيات عديدة كالكمبيوتر ومعه الانترنت وبدء عهد النشر الإلكتروني وتزايد عدد الكتاب الكورد بشكل ملفت إذ عدا الكتاب الذين كانوا يكتبون سابقا في الصحافة الورقية تم انضمام العشرات من الكتاب الجدد سواء كانت الكتابة هواية له أو أنه أصطنع هذه الهواية بقصد الشهرة والوجاهة فاختلط الحابل والنابل وانخفضت قيمة الكاتب الكوردي لأسباب عدة منها المهاترات الصحفية الالكترونية ومنها تردي الحالة الاقتصادية للشعب ومنها حجب المواقع ومنعها لكي لا يتم توعية الناس بها واطلاعهم على ما يدور حولهم وما يدور في العالم من تطورات وأحداث ومجريات، هذا ولا ننسى الإيجابيات الكبرى للصحافة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ودور الكاتب الكوردي الحقيقي في نشر الحقيقة على صفحاتها وكذلك نشر الخبر بشكل فني صادق عبر الكاميرا والكلمة من قبل المواقع الكوردية.
ولكي لا أدخل في الحديث عن الصحافة الالكترونية، أقول أن هالة التبجيل والتقديس التي كان الناس ينسجونها حول الكاتب الكوردي بدأت تتجه في منحى آخر أو بالأحرى ذهبت تلك الهالة وحل محلها الإهمال وعدم المبالاة إلى درجة أن بادرة ايجابية من شخصية سياسية أو فنية كدعوة الكتاب لندوة أو للقاء عشاء حتى في مطعم بغاية التعارف أضحت أعجوبة في نظر بعض زملائنا الصحفيين، ورغم عدم تأييدي لفكرة نشر أي شيء من هذا القبيل في الإنترنت، لكنني أجد تفسيرا سيكولوجيا له يتجسد بأن الاهتمام أضحى قليلا بالكتاب الكورد رغم عملهم البطولي الرائع بالتوعية ونشر المعرفة والفكر والثقافة، ولا يمكن من دون المثقف والكاتب أن تكتمل لوحة التحرر من الظلم القومي أو الاجتماعي الطبقي.
أن المقالة هذه تركز على موضوع هام جدا وهو أن الحاجة للمثقف (ومنه الكاتب) ضرورية، ولكن رغم أن المثقف ينخرط (لا أقول كلهم لكن بعضهم) في العمل القومي النبيل، لكنه لا يجد ما يشجعه للاستمرار في العملية التوعوية رغم اندفاعه الكبير، وهذا مناط مسؤولية المعنيين بالشأن القومي الكوردي والجماهير الكوردية التي من دون المثقف لا تعرف بوصلة الحقيقة والواقع.
اذن تحولت النظرة للكاتب من الاهتمام إلى الإهمال، من التشجيع إلى التثبيط، من التبجيل إلى التبخيس، حتى أن بعضهم استهون الكاتب وسخّره لأغراضه السياسية والدعائية مستغلا ضعف شخصية ذلك الكاتب وتهافته على فتات السياسي الذي لا ينظر للأمور من منظارها العلمي الاستراتيجي الواسع المدى، وإنما من منظار اليومي التكتيكي الإجرائي الضحل والمحدود.