أوراق 11
أوراق المسرح
قصة وسينوغرافيا وحوار: نجم الدين سمان
صحافي سوري، وكاتب قصة قصيرة ومسرح، أسّس مجلة (تواصل) الشهرية الإلكترونية السورية وأدار تحريرها، وجريدة (شرفات الشام) الثقافية وتسلم رئاسة تحريرها، شارك في تأسيس جريدة (الدومري) الانتقادية الساخرة.
مسرحية
“صالة بيتٍ بعدّة أبواب ونوافذ؛ وما بين بابٍ للمنزل على يمين الخشبة ونافذةٍ بقربه جزءٌ من مكتبة؛ في خلفيّة المسرح.. شاشة عرض بيضاء؛ وعلى جانبيها جزآن آخران من المكتبة وشبّاكان صغيران؛ وفي الجدار الأيسر نافذة صغيرة أيضاً وجزء من المكتبة؛ في منتصف المسرح أريكة ثنائية يعلوها الغبار؛ في الطرف الآخر كرسيّ هزّاز؛ الجدران تبدو عتيقة تخترقها طلقات وقذائف هاون؛ على يسار الخشبة ما يُشبه شرفة صغيرة فيها أصيصان لزهور ذابلة؛ كرسيّ خشبي يبدو خلفه الباب المُؤدّي إلى الشرفة – يُمكن اختصار الأبواب والنوافذ وكذلك أرفف الكتب بعوارض ألمنيوم بلون خشبي؛ بعضها.. مُقَرنَص فوق الأبواب”.
*- الشخصيّات:
- القنّاص: شاب في الثلاثينات من عمره.
- الفتاة: في منتصف العشرينات من عمرها؛ وتُؤدّي أدوار: عشتار – الفتاة / الأم – الفتاة / الأخت.
- الثالث: يُجسّد أكثر من دور:
الزعيم على الشاشة؛ المُمرِّض؛ هابيل؛ القنّاص الجديد.
المشهد الأول
“موسيقى تبدو آتيةً من أزمانٍ غابرة؛ وعلى الشاشة مشاهد من مدنٍ دمّرتها الحروب: دريسدن؛ ناكازاكي؛ هيروشيما؛ غورنيكا خلال الحرب الأهلية الإسبانية؛ بيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية؛ كابول؛ مقديشو؛ بغداد؛ حلب؛ حمص؛ دير الزور.. وسواها؛ يدخل شاب من بين الجمهور في الصالة مع بندقية قنصٍ آليّة وهو يستطلعهم في حالة تأهبٍ من أيةّ مُفاجأة؛ يصعد إلى الخشبة بحذر؛ يعبر من باب البيت إلى داخله؛ يستطلعه؛ ينظر من النوافذ؛ ينظر إلى الكتب في المكتبة بلا اكتراث؛ وبطرفِ بندقيته يهزّ أحد الكتب فيقع من الرَفّ؛ يتلاعب به بقدمه حتى يقف الكتاب عمودياً على الأرض؛ ينبطح القنّاص على الأرض مُصوِّباً بندقيته نحو الكتاب؛ نسمع صوت طلقةٍ بوضوح؛ تتوقف الشاشة عن عرض الصور؛ يضحك وهو يتدحرج على الخشبة مع بندقيته باتجاه الجمهور مًعانقاً بندقيته كما لو أنه يُعانِق امرأةً ويتلمَّس تفاصيلها بشغف”:
القنّاص: – أخيراً.. أنتِ بين يديّ؛ انتظرتُكِ طويلاً.. يا جميلتي؛ لك خَصرٌ أجملَ من خصر بريجيت باردو!.
“يظهر على الشاشة وجهُ زعيمٍ ما.. يرتدي قناعاً؛ الزعيم يكحّ فيلتفتُ القنّاص ويراه؛ ينهض القناص لتحيّته.. بما يُشبه تحية النازية”.
الزعيم: – هل وَصَلَتكَ هديّتي؟!
القناص: – لم أكن أحلم بمثلها.
الزعيم: – ستصطادُ بها أعداءَنا؛ اخترنا لكَ بيتاً.. يُطِلُّ عليهم.
القناص: – ومن هُم أعداؤنا.. أيها الزعيم؟.
الزعيم: – كلُّ مَن لا يُشبِهُنا؛ والذي ليسَ مِن عِرقِنا؛ أو مِن غير قَوميَّتِنا؛ والذين مِن غيرِ دينِنا ومذهبِنا وطائفتِنا؛ وليس لهم مُعتقداتُنَا وأفكارُنا وأسلوبُ حياتنا.
القنَّاص “مُندهشاً”: – أمامي عملٌ كثيرٌ.. أيها الزعيم.
الزعيم “يقهقه”: – وَهبتُهُم لك.. اقتل منهم ما تشاء.
القنّاص: – حتى لو كانوا مدنيين؟!.
الزعيم: – لا يهمُّ.. حين يتزايد ضحاياهم؛ سيغضبون؛ سيتسلَّحُون مثلنا.
القنّاص “ينظر إلى بندقيته”: – مثلنا؟!.
الزعيم: – تُصبح اللعبةُ مُمِلّةً.. مع خصمٍ أقلَّ شأناً.
القناص: – مع أنّي لا أفهم كلَّ ما تقوله أيها الزعيم؛ لكني أيضاً لا أفضِّل صيدَ الأرانب الخائفة.
الزعيم: – قريباً.. ستجِدُ من بين الأرانب قنّاصاً يترصَدُك؛ فانتبه.
القناص: – سأنتبِه أيها الزعيم.
القناع: – هيّا ابدأ عملَك.
“القنَّاص يُؤدِّي له التحية بينما تثبت صورة الزعيم على الشاشة؛ تعود الموسيقى؛ يبدأ القنّاص بتنظيف بندقيته؛ وتلميع عدستها المُقرِّبَة وهو يترنَّم مع الموسيقى؛ يرفعه البندقية بين يديه ويضع عينه على مِنظارها؛ يرصد الجمهور من المِنظار مرةً؛ ومرَّة.. بعينيه مباشرة؛ يُوجّهها ببطءٍ من يسار الجمهور إلى يمينه؛ صعوداً نحو الأعلى بشكل بطئ؛ يتوقف رصدُه في المنتصف عند شخصٍ ما؛ يرفع عينَه عن المنظار مُخاطِباً الشخص”:
- هيه أنت؛ أخفِض رأسَكَ.. لو سمحت؛ إنك تُخفِي طريدتي عنّي؛ اطمئِن.. لم يأتِ دَورُكَ بعد “يضحك وهو يمضي نحو الكرسي الهزّاز ليجلس عليه”.
“صوت الكرسي الهزاز هو إيقاع الانتقال إلى المشهد التالي”.
المشهد 2
“تظهر الفتاة عند باب البيت يمين الخشبة وفي يدها كتابٌ ما؛ تُحاول فتحَ الباب إيمائياً؛ ينتبه القنّاص للصوت.. يختبئ وراء الأريكة؛ تدخل الفتاة.. تذهب نحو جزءٍ من المكتبة لتُعيد الكتاب إلى مكانه؛ وبينما تبحث عن كتابٍ آخر تستعيره.. تجد الكتاب الذي سدَّد عليه القنَّاص في أول المشهد الماضي؛ تنحني وترفعه؛ تفتح صفحاته أمامها ليبدو مثقوباً بطلقة؛ بينما يرى الجمهور عنوانه”.
الفتاة: – أزهار الشَرّ.. شارل بودلير”.
“تقلّبُ الصفحات؛ ينهض القنّاص من مخبئه وراء الأريكة”:
القنّاص: – هيه أنتِ.. ماذا تفعلين هنا؟.
“الفتاة تتراجع خلفاً نحو الباب؛ تضمّ الكتاب الى صدرها”:
- بل.. مَن أنت؛ ماذا تفعل هنا؟!.
القناص “يقهقه”: – هذا المكان لي.
الفتاة: – ليسَ لك.. هذا بيتُ جيراننا.
القناص: – جيرانكُم؟!.
الفتاة: – هَجَروا البيت مُرغَمِين؛ ليسوا مِن طائفتنا؛ ولا مِن ديننا.
القناص: – وأوصوكِ به.. هل لديكِ تفويضٍ رسمي؟
الفتاة: – أستعير الكتبَ من مكتبتهم؛ أقرؤها وأُعِيدُها إلى مكانها.
القناص: – رأيتُ ذلك؛ غيرُكِ.. كان سيسرقها.
الفتاة “بسخرية”: – سرقوا الأشياء الثمينة من هذا البيت؛ وتركوا الكتب.. وأريكة عتيقةً وهذا الكرسي.
القناص: – معك حق.. مَن يهتمُّ بالكتب في زمن الحرب.
الفتاة: – لم تقُل لي.. مَن فوَّضَكَ بدخول هذا البيت.
القنّاص “يُشير إلى صورة الزعيم في الشاشة”: الزعيم.
الفتاة: – هذا زعيمُكَ أنت؛ ومع ذلك.. لا يحق له مُصادَرة أملاك الناس.
القنّاص “يُقهقه رافعاً بندقيته”: – يحقّ للزعيم ما لا يَحِقُّ لسواه.
الفتاة “بتهكُم”: – بما في ذلك.. أرواحُ الناس؟!.
القناص: – بما في ذلك.. أرواحُ أعدائنا.
الفتاة “ترفع كتاب بودلير المُخترَق برصاصة”:
– وقال لك أيضاً: اقنُص هذا الكتاب.
القناص: – كنتُ أجرِّب بندقيتي الجديدة؛ وصادَفَ أنه كان في مرمى الرصاصة “يُقهقه”.
الفتاة “بسخرية”: – جوابُكِ مُدهِشٌ جداً.
القناص: – وأنت مُدهِشَةٌ كذلك.. تقرئين كتباً والدنيا حرب؟!.
الفتاة: – أقرأ.. لأقوِّي مناعتي ضدّ الحرب.
القناص “يُصفق لها ساخراً بالتربيت على قبضة بندقيته”: – برافو.. برافو.
الفتاة: – وليزداد قرفي من عَرَّابيها “تُحدِّق فيه” ومِن عبيدِهم.
“القنّاص يتوقف عن التصفيق مُحدِّقاً بها”
الفتاة: – وضدّ الضَجَر.. أيضاً
“تبحث بين القصائد”: – اسمَع هذا..
“بينَ كُلِّ الفهودِ والعقاربِ والسَعَادينِ وبناتِ آوى والعُقبَانِ والأفاعي والكلاب؛ وكُلِّ الوحوشِ التي تُزَمجِرُ و.. “تتجاوز كلمةً اخترقتها الرصاصة” وتزحَف داخلَ أنفُسِنَا الأسِنَةِ الوَضِيعَة؛ هناكَ واحدٌ.. أشَدُّهَا دَمَامةً وخُبثًا ونَجَاسَة؛ مُستَعِدٌ بجولةٍ واحدةٍ أن يجعلَ الأرضَ.. أنقاضًا: الضجر”.
القنّاص: – لا أفهم الشعر؛ لستُ مُهتمّاً به؛ أنا مُجرَّد صيادٍ من قرية مَنسِيّة.
الفتاة: – ثم رفّعوكَ إلى رُتبة قنّاص.. لتقتلَ الناس.
القناص: – لأقتلَ أعداءَنا؛ يجب أن تشكريني لأنّي أحميكِ منهم.
الفتاة: – ليتَكَ تحمِي نفسَك.. مِن نفسِك!.
“يخطِفُ الكتاب من يدها”
القناص: – مَن هذا الشاعر: شارل بودلير؟!..
الفتاة: – ماذا يهمّ.. إذا كنتَ لا تعرِفُه!.
القناص: – لم يترك حيواناً إلّا وذكَرَه: فهودِ وعقاربِ وسَعَادينِ وبناتِ آوى “يُقهقه” هل هذا إعلانٌ عن افتتاح حديقةٍ للحيوان؟!.
الفتاة: – الحيوان يقتل فقط.. عندما يجوع.
القناص “وقد أحسَّ بالإهانة”: – لستُ حيواناً.
الفتاة: – إذا كنتَ جائعاً.. سأجلبُ لك الطعام.
“تخرج من الباب قبل أن يرُدَّ بكلمة.. يسقط الكتاب بين قدميه؛ القنّاص.. يُقرفِص على أرض الخشبة؛ واضعاً رأسَه بين كفيه؛ والكتاب مَرمِيٌّ أمامه؛ لحظةُ صمت؛ يمدّ القنّاصُ يدَه ويأخذ الكتاب؛ يُقلّب صفحاته؛ يقرأ كمَن لم يقرأ شيئاً منذ زمنٍ طويل”:
“العدوّ..
أيها الألم.. إن الزمنَ يُبلِي الحياة
والعدوُّ الغامضُ الذي ينهَش قلوبنَا
ينمو ويقوى.. على دمِنَا المسفوح.“
“القنّاص وهو يرمي الكتاب إلى الزاوية حيث باب الشرفة”:
- أووووف.. ما هذا العدو؟!.
“ينهض حاملاً بندقيته؛ ومِن كلِّ نافذة.. يُصوِّب نحو أحدِ ما؛ بينما نسمع صوتَ طلقاتِ قنصٍ مُتوالية؛ يخرج الى الشرفة.. تنخفض الإضاءة؛ تتركّز بقعة ضوء على القنّاص الذي يطلقُ أكثر من طلقة؛ ثم يجلس على كرسيّ في الشرفة مُسترخياً؛ ويبدأ بمُناوَشة أصيصِ الأزهار اليابسة بمُقدمة حذائه الرياضي؛ يرفس الأصيص؛ تتغيّر الإضاءة إلى زرقاء اللون ومعها تبدأ موسيقى آتية من عهود سحيقة”.
المشهد 3
“تدخل الفتاة وبين يديها سلّة قش فيها قالب من الخبز وزِقٌ فخاري مملوءٌ خمراً وكأنهما من ماضٍ سحيق؛ ينهض القنّاص مُصوِّباً نحوَها بندقيته؛ “موسيقى إيقاعية” تُواصل الفتاة تقدّمها دونما اكتراث؛ يُنزل القنّاص بندقيته؛ تضع الطعام على الأرض أمامه؛ وتستدير.. باحثةً عن كتابٍ في المكتبة؛ يُقرفِص القنّاص قبالة الطعام.. يتفحصه بينما يضع البندقية بجانبه على الأرض؛ الفتاة تسحب كتاباً؛ تتصفّحه”.
القنّاص – وما هذا الكتابُ أيضاً؟!.
الفتاة: – “ملحمة جلجاميش” منذ 5 آلاف عام.
“موسيقى عشتار: ديمة أورشو: https://www.youtube.com/watch?v=JJIEcNSSpEA
بينما تبدأ سحابةُ نشادر زرقاء بالانتشار لتملأ المنصّة؛ تفتح الفتاة الكتاب وتبدأ بالقراءة”:
القناص “يسألها”: – ما هذا؟.
الفتاة/ عشتار: – هذا خبزٌ.. لتحيا.
“القناص يتناول قطعة الخبز وينهشها بشراهة”
- “مُشيراً إلى زِقٍ من الفخار”
الفتاة/ عشتار: – هذا خَمرٌ.. لتصِل إلى النشوة.
“يشرب القنّاص بشراهة”
الفتاة/ عشتار: – فسألها أنكيدو..
القنّاص: “يُقاطعها وقد وقف وبيده زقّ الخمر”
– هل أرسلك الزعيم لتُرَاوِدِيني عن نفسك؟.
“تُنزل الكتاب مُمسِكةً إيّاه بيدٍ واحدة تاركةً إصبعَها في مُنتصفِه كعلامة؛ لتبدأ بالارتجال خارجَ نصّ الملحمة”:
الفتاة/ عشتار: – أرسلتني عَشتار.. لأروِّضَك.
القناص “يشرب بشراهة وهو يدور حولها”: – فمَن هي عشتار؟.
الفتاة/ عشتار: – عشتار؛ عشتروت؛ عشيرة: إلهةُ الحبّ والجمال؛ وأنا من سُلالتِها.. فمَن أنت؟!.
القنّاص/ انكيدو: – أنا مَن عاشَ في البريّة؛ أركضُ.. أسرعَ من الغزال؛ أقفز.. فأسبق النمور؛ أنقضُّ كالأسد؛ أزحفُ كالثعبان؛ أعوِي كذئبٍ؛ أشربُ الماءَ مِن ينابيعه الأولى؛ تهَابُني حيواناتُ الغابةِ.. جميعُهَا؛ تنحني شلالاتِ الماءِ كالأقواس.. لأعبُرَها؛ لِحَافِي قوسُ قُزَح؛ سَهمِي يطير كالنسر.. إلى حيث أريد؛ لم يُخلَق حتى الآن.. من هو أقوى مِنِّي وأسرَعَ وأرشَق.
الفتاة/ عشتار: – هل سمِعتَ ب جلجاميش؟.
القنّاص “يُقَهِقه وقد خطفته الخمرة”: – ومن هذا.. لأسمعَ به؟!.
الفتاة/ عشتار: – ملكُ أوروك.. نِصفُه بشرٌ ونِصفُهُ إله؛ ينحني الناس له.. إذا مَرَّ؛ يسجدونَ له.. إذا أمَر؛ في قبضتهِ مصائرُ الرعِيَّة؛ يفرض الضرائب؛ له ثلاثةُ أرباعِ كلِّ قافلةٍ وحصادٍ وصيدٍ.. ومن كلّ شجرة؛ يخطفُ الخطيبة من خطيبتها؛ يأخذُ بكارةَ العروس قبل الزوج؛ طغَى وبغَى.. حتى وصل عَوِيل أهلِ أوروكَ من بَطشِهِ.. إلى السماء؛ حيث مَجمَعُ الآلهة.
القناص/ أنكيدو “يترنّح من السُكر”: – سأدعوه للمُبارزة.
الفتاة: – يُشبِهُ زعيمَك.
القناص “يكرَعُ ما تبقى من خمر؛ يترنَّح من السُكر”: – زعيمي؟!.
“يضحك.. يكاد يفقد توازنه؛ يهوي على الأريكة؛ ينفلتُ زِقُّ الخمر بجانبه على الأريكة.. تبدأ أغنية عابد عازارية: “أنكيدو” – يُمكِن عرضها كفيديو على الشاشة حيث يحتوي الفيديو على ترجمة أغنيته عن الملحمة للفرنسية” https://www.youtube.com/watch?v=EBneKJcWfh8
“تطوي الفتاة الكتاب وتُعِيدُه إلى المكتبة.. تخرج؛ تنخفض الإضاءة تدريجياً”.
المشهد 4
“يمرُّ المُمرِّض من بين الجمهور باتجاه الخشبة – بقعة ضوء متحركة تُضِيؤُه حتى يصعد؛ يجرُّ بيُمنَاه حاملَ كيس مَصِل بخرطومٍ شفّاف وينتهي بمصّاصّات حليب اصطناعية مِمَّا يُستعمَل لحَلبِ الأبقار؛ في يده اليُسرى حقيبةٌ طبيَّة؛ وحين يصعد إلى الخشبة.. يظهر الزعيم على الشاشة مع إضاءة صفراء خافتة على الخشبة”.
الزعيم: – استغِل غَفوةَ سُكرِه؛ خَدِّره؛ اسحَب حيواناتِه المَنَوِيَّة.
المُمَرِّض “يفتح حقيبته؛ يُخرِج منها حُقنةَ المُخدّر”:
- حاضر أيها الزعيم.
الزعيم “يضحك”: – يا للفتى الغِرِّير؛ ينام بعد ثلاثة كؤوسٍ من الخمر.. فقط!.
“يغرِز المُمرّضُ الإبرة في ذراع القنّاص.. فيُحس بها؛ يفتح عينيه قليلاً ثم سرعان ما يتخدَّر؛ يُمدِّده المُمرض على الأريكة؛ مُنحنياً فوقه لإكمال العملية دون أن يرى الجمهور تفاصيلها؛ بينما يُحرّك الزعيمُ رأسَه في الشاشة يميناً ويساراً وإلى أعلى وكأنّه يتلصَّص”
الزعيم: – يبدو فحلاً هذا الصياد.
الممرض “وهو يتابع عمله”: – يبدو غِرّاً أيها الزعيم.. لم تُقبِّلهُ سوى أُمِّه؛ ويحتفظ بكلِّ حيواناتِه المنويّة.
الزعيم: – جيد.. لدينا حصادٌ وَفِيرٌ هذه الليلة.
“نسمع صوتَ الحلّابات الآليّة للبقرات.. بينما يتلوّى القنّاصُ مُطلِقاً آهاتٍ قُصوى وكأنه يقذِف مُرتعِشاً من اللذة؛ يرفع المُمرض كيسَ المَصل مليئاً بالحليب”.
الزعيم: – واو.. ستبتهِجُ بناتُ المُتعة.
المُمرّض: – هل يكفي هذا.. أيها الزعيم؟.
الزعيم: – يكفي لإنجابِ كتيبةٍ من القنّاصين.
المُمرّض: – الحقَّ تقول.. أيها الزعيم.
“بينما يُعلِّق الكيسَ المليءَ على الحامل؛ يُغلِق حقيبته؛ مُغادِراً الخشبة والمسرح مِن بين الجمهور كما دخل؛ تختفي صورة الزعيم من الشاشة تدريجياً بينما يفرك باطن يديه ببعضهما من السرور؛ موسيقى.. يتلوّى خلالها القنّاص؛ تنتابه الكوابيس هذه المرّة؛ يُخفِي رأسَهُ بين يديه كأنما يتوقَى ضرباتِ أحدهم؛ يصرخ بصوت مُنهَك تماماً”:
القنّاص: – لا تضرِبني؛ لستُ ابنَكَ.. لتضرِبَنِي؛ لستَ أبي.. أنتَ زوجُ أمي فقط.
“يُحاوِل القنّاص النهوض.. فينزلق من الأريكة إلى الأرض؛ بينما يتتابع كابوسه وقد خارَت قواه”:
- وأنتِ يا أمي.. سوف أُعفِيكِ من الدفاع عَنِّي؛ لن ترَي وجهي بعد الآن.
“لا يستطيع النهوض.. فيزحف باتجاه باب البيت؛ تخور قِوَاه قبل أن يصل إليه بمترٍ واحد؛ يرتمي وجهُهُ مُلتصقاً بالأرض؛ يغطّ في نومٍ عميق”
“موسيقى.. تتبدّل الإضاءة من ليلية إلى نهارية بالتدريج”.
المشهد 5
“تدخل الفتاة فتراه مُمدَداً عند الباب.. تُحاوِل إيقاظَه”
الفتاة: – هيه.. أنت.
القنّاص “يُبعد يديها وهو غارقٌ في كابوسٍ لم ينتهِ بعد”:
- دعيني أيتها الأم.. سأرحل ولن تريني.
الفتاة “تتقمّص دور الأم وتُغيّر صوتَها”: – إلى أين.. يا بنيّ؟!.
القنّاص: – إلى الغابات القريبة.. لا أريدُ رؤيةَ بشرٍ بعد الآن.
الفتاة/ الأم: – سيفترِسُكَ النمرُ يا بُنَي؛ تتخاطفُ لحمَك الذِئاب؛ تنهشُكَ النسور.
القنّاص: – سرقتُ بندقيةَ زوجِك؛ لن أدَع احداً يقترِب منّي.
الفتاة/ الأم: – هل تدعني وحدي يا بنيّ؟!.
القناص: – ستدفعين ثمنَ استبدالِ أبي.. برجلٍ آخر.
الفتاة/ الأم: – يا لكَ من ابن قاسٍ؛ فعلتُ هذا.. لتعيش.
القناص: فعلتِ هذا لتُضِيفي شقاءً على شقاء.
الفتاة/ الأم: – لم أكن أدري بأنه غبيٌّ وبخيلٌ وشرِّير.
القناص “يُمسِك بيديها”: – أرجوك يا أمي.. إذا بقيتُ هنا سأقتلُه.
الفتاة/ الأم: – لا تفعل هذا يا بني.
القنّاص “ينهض صارخاً في وجه أمّه” دعيني وشأني أيتها العاهرة.
الفتاة “تقف في مواجهته ساخرةً بصوتها هذه المرة”:
– عاهرة.. أسرعُ تُهمةٍ يوجهها أيُّ رجلٍ لأيَّةِ امرأة!.
القناص “يفرك عينيه وهو يتراجع”: – أنتِ.. مَرَّةً أخرى.
الفتاة: – نعم.. أنا.
القناص “يضحك”: – بحُجَّة كتابٍ تستعيرنَه!؛ هل بدأتِ تُحبّينني؟.
الفتاة: – بدأتُ أُشفِقُ عليك.
القناص “مُحتداً” لا أحتاجُ شفقةً من أحد؛ لا أحتاجُ للمَغفِرَة؛ لا احتاجكِ أنتِ.. بالذات.
الفتاة: – لستُ أمَّكَ.. لتصرخَ في وجهي هكذا.
القنّاص: – لا تذكري أمي بسوءٍ على الإطلاق.
الفتاة: – قبل قليلٍ.. كنتَ تصِفُهَا بالعاهرة.
القنّاص: – أنا؟.. متى.. لا يُمكِن؟!.
الفتاة: – كُنتَ تَهذِي بأحدِ كوابيسِك.
القنّاص “يجلس مُنهاراً على الأرض – بقعة ضوء فوقه”:
- نِصفُ حياتي.. كوابيس.
الفتاة “تجلس بجانبه”: – كم عِشتَ في الغابات وحدَك؟
القنّاص: – نِصفَ حياتي.. أيضاً.
الفتاة: – أحياناً.. أتمنى لو أنّي أترك كلَّ شيء لأعيشَ في غابة.
القنّاص: – أنتِ أيضاً؟!.
الفتاة: – وحين لم أستطع.. استبدلتُها بغابةٍ من الكتب.
القنّاص: – منذ متى وأنتِ تقرأين؟.
الفتاة: – منذ نِصفِ حياتي.. ايضاً.
القناص: – والنِصفُ الثاني.. كيف عِشتِهِ؟.
الفتاة: – مُنغمسةً في الأحلام.
القناص: – أحلام؟!.
الفتاة: – عن مدينةٍ فاضلة.
القناص “يهزّ رأسَه بسخرية”: – الحيوانات في الغابة أكثر فضيلةً.
الفتاة “تقف فجأةً.. تتغيّر الإضاءة إلى لون أخضر داكن قليلاً”:
- متى ستتوقف عن القنص؟.
القنّاص “وهو في جلستِه يُمسِك بيديها”: – ساعديني أرجوك؛ كنتُ أصيد حين أجوع فقط؛ ثمَّ صِرتُ نباتياً.
الفتاة: – قرارٌ شجاع.
القناص: – صَوَّبتُ نحو تلك البجعة؛ كانت ما تزال تُرَفرِفُ بجناحَيها حين أمسكتُ بها؛ ثبَّتُهَا؛ أخرجتُ سكِيني لأذبحَها؛ رمَقَتنِي بنظرةٍ لا أستطيع نسيانها.
الفتاة: – وهكذا.. سيرمقُكَ ضحاياك.
القناص: – لكني حاولتُ أن أُداوِيها؛ أخرجتُ الرصاصةَ من صدرها؛ ضمَّدتها بالأعشاب البريّة؛ ومع ذلك.. بقيَت ترمُقني بتلك النظرة؛ كانت تموت ببطءٍ.. يوماً بعد يوم؛ ولا أستطيع ان أفعلَ لها شيئاً.
الفتاة: – يا لَلبَجعةِ البيضاءِ المِسكينة.
القنّاص: – صنعتُ لها طَوَّافة من الخشب؛ وضعتُها فوق القش والأغصان اليابسة؛ أنزلتُ تابوتَها في ماء البحيرة؛ وقبل أن تسحبَهُ دوائرُ الماء.. أشعلتُ بها النار.
الفتاة: – هذه طقوسُ قبائلَ أبدناها؛ أو هَجَّرناها من بيئتها؛ أو حوَّلنا أولادها وأحفادها عبيداً جدداً لنا.. ليحصدوا لنا الموز والكاكاو والتوابل والذرة الصفراء؛ ليجلبوا لنا الفِراءَ والحرير وقرونَ العاج بعد قتلِ الفيلة.
القنّاص: – القتل.. القتل.. سأقتلُ نفسي لأرتاح.
الفتاة “وهي تُغادِرُه”: – عالِج نفسَك.. بالقراءة.
المشهد 6
القنّاص “يتأمل عناوين الكتب.. يسحب إحداها”:
- الأورغانون.. أرسطو طاليس.
“يُحاول أن يقرأ؛ يهزّ رأسه”:
- كلامُ صعبُ للغاية.. لَم أفهم جملةً واحدة!.
“يُعِيد كتاب أرسطو إلى مكانِه ويأخذ غيره”:
- قوانين حمورابي.. 2100 قبل الميلاد.
“يفتح الكتاب ويقرأ”:
- المادة 1: “من قتلَ سيداً.. يُقتَل بذاتِ الطريقة”.
- – 14: “إذا سرقَ شخصٌ ابناً لسيدٍ وباعَهُ؛ فإنه يُعدَم”
- المادة 195 “إذا ضرب ابنٌ أباهُ.. تُقطَع يدُه”
- المادة 196: “إذا فقأ رجلٌ عينَ رجلٍ آخر، فعليهم أن يفقأوا عينَه”
“يقلّب أوراق الكتاب.. يقرأ”: – المادة 129
” إذا قُبِضَ على امرأة سيدٍ مُضطجِعةٍ مع سيدٍ آخر، فيجب عليهم أن يوثقوهما ويلقونهما في الماء”
القناص “يُعِيد الكتاب إلى مكانه”:
– في الماء.. هكذا؛ يا لَهَا من عقوبة؟!.
” يأخذ كتاباً آخر”:
- الكوميديا الإلهيّة.. دانتي أليغري؛ جميلٌ هذا العنوان؛ حتى الآلهة تضحك أحياناً.
“يُعيد الكتاب إلى مكانه”:
- القنّاص: – أين ذاك الكتاب؟.
“يبحث عن كتاب بودلير؛ يرفعه عن الأرض؛ يذهب نحو الكرسي الهزاز؛ يجلس؛ يقلّب صفحاته؛ يقرأ”:
الشبح
كالملائكةِ ذاتِ العيونِ الوحشية
سأعود إلى مخدَعِكِ
وأتسلّلُ إليكٍ بغير جلبةٍ مع ظلام الليل
وسأمنحُكِ يا سَمرائِي
قُبَلاً باردةً.. كالقمر
ومُداعباتِ أفعوانٍ يسعى حولَ وَكرِه
وعندما يعود الصباح الكئيب
ستجدين مكاني فارغًا وسيستمر باردًا حتى المساء
وكما يُحبُّ بعضُهُم أن يسيطروا بالحبِّ
على حياتِكِ وشبابِك
أنا أريد أن أُسيطرَ بالرُعب”.
“ما أن ينتهي من قراءة المقطع حتى يظهر الزعيم على الشاشة”
الزعيم: – تقرأ؟!.. “يُغلق القنّاصُ الكتابَ ناهضاً من مكانه”
الزعيم: – ماذا تقرأ؟!.
القنّاص “يشير إلى الكتاب الذي تركه فوق الكرسي”:
- أزهار الشرّ.. شعر.
الزعيم: – جميلٌ أن يكون للشرِّ أزهار.
القنّاص: – بقدر ما أحببتُ هذا الشعر.. بقدر ما نفَرتُ من شاعِرِه.
الزعيم: – وماذا عن عَملِك؟!.
القنّاص: – عمَلِي؟.
الزعيم: – لكلّ شخصٍ في هذا العالم عمل؛ أمّا القراءة والمشي صباحاً وجَمعُ عُلَبِ الكبريت الفارغة.. فهي هوايات.
القنّاص: – معك حق.. أيها الزعيم.
الزعيم: – لم نسمع صوتَ طلقاتك منذ فترة!.
القناص: – ولكن يا سيدي..
الزعيم “يقاطعه بصوت أقوى”: – هيّا.. خُذ بندقيتَكَ “يحمل القناص بندقيته” مئةُ رصاصةٍ لا تكفي لترميمِ تقصيرِك.
القناص: – ليس لديّ سوى 50 رصاصة.
الزعيم: – استعمِلها اليوم.. ريثما نُرسِل لكَ المزيد.
القناص: – أيها الزعيم اعفُو عن المدنيين.. أرجوك؛ سأقتل المُسلحين الذين يُهاجموننا فقط.
الزعيم: – الجميع.. يعني الجميع؛ انتهى.
“الزعيم يُغادِر الشاشة ثم يعود”:
– القنّاص في المبنى المجاور نشيطٌ أكثرَ منك؛ لا تنسى عقوبةَ التراخي؛ أو.. عدم تنفيذ الأوامر.
القنّاص: – تحت أمرِك.. أيها الزعيم
“الزعيم يُغادر الشاشة؛ والقنّاص يحمل بندقيته ببطء؛ يرفعها ببطء؛ يركنها على حافة إحدى النوافذ؛ يُلقمُها؛ يُلصِق عينَه بعدسة المنظار؛ يرصد الشوارع؛ يُصوِّب نحو نقطةٍ تتحرّك؛ يتوقف فجأةً؛ يُبعِد عينَه مُستديراً برأسه نحو الجمهور”:
– يا لَهُ من رجلٍ عجوز.. يتحرّك ببطء؛ يحمل خُبزاً.. سأُخِيفُه فقط.
“وقبل أن يستدير نحو النافذة نسمع صوت طلقةٍ بعيدة؛ يُعاوِدُ النظر من خلال المنظار؛ يتراجع ببندقيته إلى الداخل”
- اللعنة.. قتَلَهُ القنّاص الآخر “ينهار جالساً على الأرض – بقعة ضوء حوله” كان يُشبِه أبي.
“يبكي واضعاً رأسه بين كفيه؛ تدخل الفتاة فتراه؛ تقترب منه.. تُتلمّس شعر رأسه بحنان وأمومة”.
القناص “وكأنه يتابع حديثه مع نفسه”:
- حين ماتَ أبي.. كان عمري عشرُ سنوات.
الفتاة: – كلُّنا سنموت.. تختلفُ الطريقةُ فقط.
القناص “يرفع رأسه نحوها”:
– ساعديني.. لا أريد أن أكون سبباً في موتِ أحد.
الفتاة: – خُذ قراراً من داخلِكَ أنت.
القناص “يرفس بندقيته مُبعِداً إيَّاها عنه”:
– هل تعرفينَ ما هو الإنسان.
الفتاة: – حيث يجتمعُ الشيءُ ونقيضُهُ معاً.. في جسدٍ واحد.
القناص: – تقصِدِين.. الملاكَ والشيطانَ معاً.
الفتاة: – الخيرَ والشرَّ؛ الرأفةَ والقسوة؛ العقلَ والغرائز؛ الحبَّ والكراهية؛ الرحمةَ والقتل.. معاً.
القناص: – وكلُّهم هنا.. في داخلنا؛ يا لَبُؤسِنا؟!.
الفتاة: – نحنُ أحفادُ قابيل.
القناص: – كأنّي سمعتُ باسمِهِ من جَدَّتِي.
“تتغيَّر الإضاءة.. تصير زرقاء؛ يدخل الثالث بدور هابيل”.
المشهد 7
الفتاة / الأخت: – جاء أخوكَ.. هابيل.
القنّاص/ قابيل: – ماذا تريد؟!.
الثالث/ هابيل: – مات والدانا؛ لم يبق سوانا نحن الثلاثة على هذه الأرض.
القنّاص/ قابيل: – أعرِفُ ذلك.. ماذا تريد؟.
الثالث/ هابيل: – سيفنى عِرقُنَا البشريّ.. إذا لم يتزوّج أحدُنا بالأنثى الوحيدةِ هنا “مُشيراً إلى أخته التي تتراجع من المُفاجأة”.
القناص/ قابيل: – لن يفنَى؛ نحنُ أسيادُ هذه الأرض؛ فماذا تريد؟.
الثالث/ هابيل: – أنا.. أحبُّها “مُشيراً إلى أخته”
القناص/ قابيل: – عظيم.. وأنتِ هل تحبّينه؟!.
الفتاة / الأخت: – حُبَّ الأختِ.. لأخيها.
القناص/ قابيل: “يُقهقِه”: – وأنا؟!.
الفتاة / الأخت: – وأنتَ أخي.. أيضاً.
القناص/ قابيل “لأخيه”: – هل رأيت.. إنها لا تُحبُّك.
الثالث/ هابيل: – لم تقُل ذلك.
القناص/ قابيل: – بل.. قالت.
الفتاة/ الأخت: – لا تتصارعا من أجلي.. نحن إخوة.
القناص/ قابيل: – هل ترى ذاك الجبل..
الثالث/ هابيل: – جبل قاسيون!.
القناص/ قابيل: – الذي يصِلُ من دمشقَ إلى قمّته أولاً.. يفوز بها.
الثالث/ هابيل: – قَبِلتُ المُبارزة.
الفتاة/ الأخت: – لستُ للرِهَان بينكما؛ أنتما أخوايَ؛ وأنا أحلم برجلٍ يُشبِهُ أبي؛ لم يأتِ بعد.
الثالث/ هابيل: – وأنا حلمتُ بامرأةٍ تُشبِه أمي؛ وليس يُشبِهُهَا أحدٌ سِوَاكِ.
القناص/ قابيل: – تحلُمَان.. بينما أُمضِي يومي في قنص الطيور لتأكلا؟!
الثالث/ هابيل: – من حقها.. أن تحلم؛ ومن حقي أيضاً
القناص/ قابيل: – يا لقَلبِكَ الغَضّ يا هابيل؛ يا لأحلامِكِ الوَردِيّة يا أختي العذراء.
الفتاة / الأخت: – توقف عن سُخريتك الفجّة؛ أنت اخترتَ القنص؛ واختار أن يزرع؛ وأنا.. أطهو لكما.
القناص/ قابيل: – حسناً؛ هيّا.. لنبدأ المُبارزة.
“يقفان عند حافة الخشبة ظهرهما للجمهور؛ الفتاة الأخت تُصفِّر كإشارة انطلاق؛ تُضاء الشاشة على مشاهد فيديو لجبال مُصورة من طائرة؛ بينما يركضان باتجاه الشاشة بطريقة سلو ميشين – عبر تقطيع الإضاءة” بحيث يبدو بأنهما يصعدان قمةً ما.. بعد فترة سنسمع صوت لهاثهما”
الفتاة / الأخت “كما لو أنها راوِيةٌ في معبدٍ قديم؛ ويُمكن أن ترتدي قناعاً أيضاً حيث تقف تحت بقعة ضوء في الشرفة.. وجهُهَا للجمهور”:
- مِن ضِفَّةِ نهرِ بردى.. بدأت المُبارزة؛ ركضَ قابيل وهابيل معا نحو قمَّة جبلِ قاسيون؛ مرَّةً.. يتقدمُ قابيلُ أخاهَ بخطوةٍ؛ ومرَّةً.. يتقدّم هابيل؛ لهما نفسُ القوة؛ وليس لهما نَفسُ الطِبَاع.
القتناص/ قابيل “وهو يركض”: – تنازَل عنها.. سأمنحُكَ كلَّ هذه البلاد.
الثالث/ هابيل: – لا تعنيني البلاد؛ الحبّ.. هو بلدي.
القناص/ قابيل: – فكِّر قليلاً يا أخي؛ مَن يملِك بلاد الشام.. يملك بوابةَ العالم.
الثالث/ هابيل: – لا تهمُّني العروش.
القناص/ قابيل: – سأمنحك حصاني وسيفي ورمحي وسهمي.
الثالث/ هابيل: – أريدُ قلبَها.. فقط.
“يركضان.. حتى يصلا إلى القمَّة معاً وهما يلهثان؛ يجلس هابيل على الأريكة مُنهَكاً؛ ويستند قابيل إليها مُعطياً ظهرَه لهابيل”
الفتاة / الأخت:
– وصلا قمَّة قاسيون معاً؛ لا أحدٌ.. فازَ؛ ولا أحدٌ.. انكسر.
الثالث/ هابيل: – “يشير إلى الأسفل” هل ترى جنّة الله على الأرض.. بأنهارها السبعة؟.
القناص/ قابيل: – أرى قلمونَ الله.. هنا نَسِيَ الله أقلامَهُ وألواحَه.. فصارت جبالاً؛ وهنا سيصير قلبي.. صخرةً صمَّاء.
الفتاة / الأخت: – فجأةً.. حمَلَ قابيل صخرةً وضربَ بها رأسَ أخيه.
الثالث/ هابيل “وهو يتلقى الضربة من أخمص بندقية القنص”:
- وَا.. أخي؛ يا مَن لا أخَ لي قبلَهُ.. ولا بَعدَه.
الفتاة / الأخت: – لم يسمع قابيل صرخةَ أخيه؛ ظَلَّ يضرِبُهُ بالصخرةِ حتى مات؛ لم يسمع شهقةَ روحِهِ؛ أنانيتُه.. مَنعَتهُ؛ حبُّ التملّك.. منَعَه؛ غريزةُ الطَمَع؛ شهوةُ الاستفرادِ بالأرض والنساء وبالماء والنار والقمح وخمرةِ التفاح.
“يجلس قابيل مُنهاراً بجانب جثة أخيه”:
- ستنهشه النسور.. ثمّ تعوي بنات آوى.. فتُخبِرُها بأنِّي قتلتُه؛ لا أريدها أن تعرِف؛ سأخفِيه في الغابة.
“يحمِلُ هابيلَ على ظهره؛ ينزل به من خشبة المسرح؛ بقعة ضوء تضيء ظهره ووجه هابيل؛ يمضي به بين الجمهور خارجاً من الصالة.. تتابع الفتاة روايتها”
الفتاة / الأخت:
– حين وَصَلَ قابيلُ رأى غُراباً يحفِرُ بمنقاره قبراً لغرابٍ مثله؛ ثم يُهيل التراب عليه؛ ففعلَ مثله.
“موسيقى.. تجلس الفتاة مُنهارة على كرسيّ الشرفة”
المشهد 8
“يعود القنّاص من بين الجمهور مُنكسِراً؛ يقف في الصالة قبالةَ شرفتها”.
القناص: – أحبُّكِ.. أيتها الفتاة.
الفتاة “تنهض”: – الحبّ.. ذاك الذي نحلُم به ولا نَطَالُه.
القنّاص: – بعد أولِ حوارٍ بيننا.. أحببتُكِ.
الفتاة: – هل تعرف ما هو الحبُّ الأجمل.. كما لو أنه الكريستال؟.
القنّاص: – كنتُ أشكُّ بأنّي سأعرف الحبَّ.. حتى رأيتُكِ.
الفتاة: – أجملُ الحبِّ.. هو الحبُّ المُستحيل.
“تركض خارجة من باب البيت؛ يصعد القنّاص إلى الخشبة؛ فيُواجِهُهُ الزعيم على الشاشة؛ القناص يتجمد.. ظهره الى الجمهور”
الزعيم: – يبدو أنك بحاجة إلى برمجةٍ لدماغِك.
القناص “يرفع يده”: ولكن..
الزعيم “يصرخ في وجهه”: – لا تُقاطِعنِي “القنّاص يُخفض رأسه” لم يُخلَق بَعدُ.. من يُقاطع الزعيمَ حين يتكلم؛ اسمَع:
البرمجة الأولى: – تحرق كلَّ هذه الكتب “يتابع بطريقة أبويّة” الشتاء قادم.. ويُمكنك أن تتدفأ عليها “يعود الزعيم إلى لهجته الآمرة” البرمجة الثانية: – تقتل الفتاة “القنّاص يتراجع خطوة” البرمجة الثالثة: تُسمعني صوتَ مئةِ طلقةٍ من بندقيتك “القناص يتراجع خطوةً ثانية” أعشق هذه الموسيقى.. لا أستطيع النومَ.. بدونِهَا.
“تتجمّد صورة الزعيم على الشاشة؛ إضاءة شاحبة يتقدّم خلالها القنّاص مُلتقطاً في طريقه كتاب بودلير؛ يذهب باتجاه باب البيت؛ يخرج منه إلى بقعة ضوء في الزاوية اليمنى للخشبة؛ يلتفت نحو باب افتراضي مُجاور؛ يدقُّ عليه بباطن الكتاب”:
القناص “يهمس”: – أيتها الفتاة.. أيتها الفتاة.
الفتاة “تظهر وكأنها صاحِيةٌ من نومها للتوّ”: – ماذا تريد؟.
القنّاص “يشير بإصبعه إلى فمه”: – هِس.. لا ترفعي صوتك؛ رَتِّبي حقيبةَ ظهرٍ بسرعة؛ اسبقيني إلى الغابة المُجاورة.
الفتاة “تهمس له”: – لم أفهم.
القناص: سيقتلوننا.. أنت وأنا.
الفتاة: – مَن أمَرَ بذلك؟
القناص “يُشير بيده نحو الشاشة”: هو.
الفتاة: – الزعيم
القناص: – نعم.. أمَرَنِي بقتلك.
الفتاة: – لكنِّي.. من طائفته!.
القناص: – وهذا هو ذنبُكِ المُضَاعَف؛ هيا.. لا وقتَ لديكِ “يعود إلى داخل البيت؛ تختفي الفتاة داخل الكواليس مع إطفاء السبوت؛ القنّاص يقلب أوراق كتاب بودلير.. يقرأ”:
“واخيراً.. الميت السعيد:
في أرض خصبةٍ غاصَّةٍ بالحلزون
أريد أن أحفرَ بنفسي حُفرةً عميقة
أستطيع أن أنشرَ فيها بهوادةٍ عظامي الهرِمَة،
وأن أرقد في النسيان مثل كَوسَجٍ في الماء.
أكره الوصايا وأمقتُ القبور؛
أُحَبُّ إليَّ.. أن أدعو الغُربانَ
لتستنزفَ جميعَ أطرافِ هيكلي الدَنِس،
مِن استجدائي وأنا حيٌّ دمعةً من الناس.
ايتها الديدان: يا رفيقاتٍ داكناتٍ لا تَسمعُ ولا ترى
هاكِ ميتاً حراً وسعيداً قادماً اليكِ،
يا حكيماتٍ.. أيتها المُنغمِسَاتُ في مُتَعِ العيش، يا بناتِ النَتَن،
هيّا جُوسِي عِبرَ خرائبي دونَ ندم؛
وأخبريني إن كانت ماتزالُ هناكَ بعضُ عمليات التعذيب.. لمَّا تُمارَس على هذا الجسد الهَرِم، الخالي من الروح، المَيتِ بين الموتى؟”
“يلتقط قنّاصته؛ يجلس على الكرسي؛ يُلصق فُوَّهة بندقيته بجبينه؛ يمدّ يده اليمنى.. ويضع إصبعَه على الزناد؛ موسيقى – تخفُّ إضاءة “السبوت” على القنّاص تدريجياً.. إطفاء كامل لفترةٍ سيعتقد الجمهور فيها بأنهم سيسمعون صوت طلقة؛ وفي العتمة يسقط ضوء ليزر أحمر على جبهة القناص.. صوت طلقة؛ يعقبه فترة صمت؛ بقعة ضوء من مصباح يدوي بين الجمهور فتتبدى ملامح الممثل الثالث في لباس قناص محترف؛ حاملاً بندقيته؛ صاعداً إلى الخشبة؛ تُضاء الشاشة على وجه الزعيم”
الثالث / القناص: – تمَّ الأمر أيها الزعيم.
الزعيم: – لا تنسى الفتاة.
الثالث: – حاضر.
الزعيم: – والكتب.
الثالث: – بالطبع.
الزعيم: – سأكافِؤُكَ.. تابع عملَك.
الثالث/ القناص: شكراُ أيها الزعيم.
“يختفي الزعيم من الشاشة تعود؛ يُسلط الثالث ضوء مصباحه على جثة القناص الأول؛ يركله بحذائه الذي بلون الخاكي؛ يلتقط القناصة المرمية بجانبة؛ يحملها على كتفه؛ يكتشف وجود ديوان بودلير.. يلتقطه؛ يضيء صفحة منه بمصباحه.. يقرأ بصوت”:
ثمّة واحدٌ..
أشَدُّهَا دَمَامةً وخُبثًا ونَجَاسَة؛
مُستَعِدٌ بجولةٍ واحدةٍ
أن يجعلَ الأرضَ.. أنقاضًا”
“الثالث/ القناص يضحك.. فتعود الإضاءة الشاحبة للخشبة؛ وهو يمضي نحو أحد الشبابيك؛ يضع قناصته على حافة النافذة؛ صوت طلقاتِ قنصٍ مُتوالية بشكلٍ مُنتظم ورتيب؛ تظهر خلالَه الفتاة من زاوية باب البيت وهي تحمل حقيبة ظهر؛ ما أن تظهر حتى يتمّ تسليط ُضوء الليزر الأحمر على جبهتها؛ تنحني وكأنها تتفاداها وهي تنزل الى الصالة مُتخفية بين الجمهور؛ وحزمة الليزر الحمراء تبحث عنها بين الجمهور بينما هي تتنقل مُتخفية بين الصفوف؛ بحيث يبدو وكأن الجمهور أيضاً قد تمّ الأمرُ بقنصِهِم؛ يظهر الزعيم على الشاشة صارخاً في الثالث القناص”:
- ويلَكَ منّي “ينهض الثالث/ القناص خائفاُ” تركتها تهرب.. ساريك؛ “يشير بيده آمراً” أحرقوا البيت بمن فيه؛ تابعوا البحث عن الفتاة.. أريدها حيّةً والأفضل ميته؛ وأنتم “يُشير إلى الجمهور” مَن يُساعِدُها.. سينال عقابه.
- – “يُشعل عودَ كبريت.. يرفعه؛ تمتلئ الشاشة بصور نيران ضخمة تترافق مع إطفاء كلّ إضاءة الخشبة والصالة؛ صوتُ طلقات قنص؛ صوتُ صفارات إنذار؛ صوت قصف مدفعي وصاروخي وجوي؛ صوتُ صفارات سيارات إطفاء وإسعاف – تعتيم كامل؛ تنهض الفتاة من بين الجمهور وهي تحمل شمعة تقول وهي تصعد إلى الخشبة”:
- انتهى العرض.. ولم تنته الحروب.
“تأخذ بيد القناص؛ تُنهضه؛ يذهبان نحو الثالث المقتول أيضاً.. ليعودا به نحو مقدمة الخشبة؛ يُحيّون الجمهور؛ على الشاشة وراءهم يبدو الممثل/ الزعيم وهو يصفق أيضاً”.
*- بيزانسون 2018 ق.م الحريّة.